إسرائيل دولة فصل عنصري وتطهير عرقي (أبرتهايد)
مقالات

إسرائيل دولة فصل عنصري وتطهير عرقي (أبرتهايد)

تعرض الشعب العربي الفلسطيني على مدار أربعة وسبعين عاما لعملية التطهير العرقي التي قامت بها حكومات إسرائيل المتعاقبة، وتمثلت في البداية بنكبة العام 1948، التي أدت إلى تشريد حوالي مليون فلسطيني وطردهم من ديارهم وقراهم ومدنهم، ووطنهم الأم إلى المنافي، وارتكبت بحقهم عشرات ومئات المجازر الوحشية لبلوغ الهدف الاستعماري، وحتى قبل إقامة دولة المشروع الكولونيالي الصهيوني من خلال العصابات الإرهابية ( الهاجاناة، والأرغون، وليحي، وإتسل، وشتيرن … إلخ) التي أصلت لجريمة العصر. وعاش الفلسطينيون ويلات ومآسي وجرائم العملية المزدوجة بالاتجاهين تعميق الاستعمار الصهيوني على الأرض الفلسطينية، المترافقة مع تصاعد وتواتر سياسة الفصل العنصري دون توقف حتى يوم الدنيا هذا.
ومع ذلك أغمض العالم عينيه عن تلك الجرائم والمجازر الوحشية التي نفذتها الدولة المارقة والخارجة على القانون ضد الشعب الفلسطيني، ولم تحاول الأمم المتحدة، والأقطاب الدولية ذات الصلة بالصراع وخاصة الولايات المتحدة التوقف ولو للحظة أمام مسلسل الدم والبارود والجريمة المنظمة الإسرائيلية إلا بعد إشعال شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي أعادت للقضية الوطنية الاعتبار، ووضعتها على الطاولة الأممية كملف رئيسي، وانتُزِع عدد كبير من القرارات الأممية التي تجاوزت حتى الآن ال800 قرار، وغالبيتها الساحقة رغم إقرارها بالحقوق السياسية الفلسطينية، إلا أنها لم ترتقِ لمستوى التوصيف الحقيقي لطبيعة وجوهر دولة الإرهاب المنظم (دولة إسرائيل)، ويُستثنى قرار وحيد صدر في العام 1975 تحت الرقم 3379 وصف الحركة الصهيونية، كحركة رجعية وعنصرية، لكن دول الغرب الرأسمالي وفي مقدمتها أميركا بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو التفت على الشرعية الدولية، وألغت القرار.
إن الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية واصلا الكفاح بالتعاون مع المؤسسات الأهلية والرسمية الحقوقية ومع المنظمات العربية والدولية وعلى رأسها “منظمة هيومن رايتس ووتش” المناصرة للسلام ومن ضمنها منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية ورفعها للأمم المتحدة ومنظماتها ذات الصلة، وتابعت منظمة العفو الدولية “امنستي” دون كلل دفع العالم للتخلي عن حالة التعثر والغمغمة والضبابية في تشخيص طبيعة الاستعمار الإسرائيلي وفق المعايير العلمية، ووفق نصوص القانون الدولي، ووسمه بمركباته الحقيقية كاستعمار قام على ركيزة أساسية عنوانها التطهير العرقي، وإعادة إنتاج المحرقة النازية الألمانية بشاكلة جديدة ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
وبفضل الجهود المثابرة في هذا المجال، حدثت في حزيران/ يونيو عام 2020 نقلة صغيرة تمثلت بتقرير المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية “ييش عتيد” (هناك عدالة) الذي حمل عنوان ” الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وجريمة الفصل العنصري: وجهة نظر قانونية”. تلا ذلك تقرير منظمة “بتسيلم” (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) في 12 كانون ثاني/ يناير 2021 الذي أكد على أن دولة إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري على فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر. وعمقت هذا التوجه منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية في تقريرها الصادر في 27 نيسان/ أبريل 2021 الذي حمل عنوان “تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد” وأعقب ذلك نداء صدر على صدر صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية في 27 تموز / يوليو 2021 وقع عليه ألف فنان ومثقف وأكاديمي من 45 بلد بعنوان “لنجعل سنة 2021 سنة نهاية الفصل العنصري في إسرائيل”، وتوجت هذه الانزياحات بتقرير منظمة العفو الدولية “امنستي”، التي أصدرت تقريرها الثلاثاء الموافق الأول من شباط / فبراير الحالي من خلال مؤتمر صحفي مشترك بين لندن مقرها المركزي، والقدس العاصمة الفلسطينية المحتلة بعنوان :” نظام الفصل العنصري (ابارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين:نظام قاسِ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية.” وجاء في 182 صفحة مفندا بالوثائق والوقائع والشهادات الحية القرائن الدالة على الطبيعة العنصرية لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية.
الجذور الاستعمارية للأبرتهايد:
الأبرتهايد الإسرائيلي" هو مصطلح يُستخدم عادةً لوصف العنف والفصل العنصريين المكرسين في المؤسسات الإسرائيلية. ورغم أن أكثر أنصار إسرائيل تحمسًا سيواصلون مقاومة خطاب الأبرتهايد، فإن واقع الأبرتهايد في إسرائيل لا يخفى على أحد. ولكن ما هو الأبرتهايد بالضبط؟ وكيف لنا أن نفهم نظام الأبرتهايد الإسرائيلي؟
الأبرتهايد هو نظامٌ معقدٌ من ممارسات العنف والفصل والطرد القائمة على أسس عرقية، وللأبرتهايد جذورٌ استعمارية، فلطالما استخدم الأوروبيون ممارسات الأبرتهايد للبطش بالشعوب الأصلية التي استعمروها وبالأوربيين "غير المرغوب بهم" على حدٍ سواء، وقد نشأت نُظم الأبرتهايد الحديثة كالنظامين الجنوب إفريقي والإسرائيلي، من الممارسات التاريخية المتمثلة في تقييد الحركة والاحتجاز، وكما تعلم الجنوب إفريقيين ذوي الأصول الأوروبية من نظام المحميات الكندي في مطلع القرن العشرين، فإن إسرائيل تنتهج ممارسات تُذكِّر بجنوب إفريقيا إبان عهد الأبرتهايد.


الخلفية التاريخية عن التمييز العنصري في فلسطين:
كانت فلسطين على مر العصور بمثابة حاضنة للتعدد الثقافي والديني والعرقي والإثني، حيث كان يسود فيها التعايش والتسامح والانفتاح الديني بين الجماعات المسيحية واليهودية والمسلمة والجماعات العرقية والإثنية المختلفة، حتى نهاية الحقبة العثمانية وبداية الاحتلال البريطاني لها في عام 1917، وانتداب عصبة الأمم لبريطانيا عليها في عام 1922. وقد تسبب الانتداب البريطاني في إحداث تغييرات جذرية وخطيرة في فلسطين على صعيد التعايش والتسامح والانفتاح الديني، بسبب تبنيها سياسات استعمارية وعنصرية تمثلت بإنكار الهوية الوطنية الفلسطينية وإنكار وجود الشعب الفلسطيني، وقد اعتمدت بريطانيا من خلال تقسيم سكان فلسطين على أساس ديني إلى جماعتين، أطلقت عليهما "المجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين"، (الشعب الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين)، و"الشعب اليهودي" (المهاجرين الأوروبيين اليهود).
وبرز ذلك التحول الجذري بتنفيذ ما يعرف "بوعد بلفور"، وهو التصريح الصادر عن وزير الخارجية البريطاني-آرثر جيمس بلفور، في الثاني من نوفمبر عام 1917، إلى اللورد روتشيلد بإقامة ما أطلق عليه "وطن قومي لليهود" في فلسطين في مخالفة صريحة لتعهداتها السابقة للعرب بمنحهم الاستقلال وانتهاك صريح لميثاق عصبة الأمم الذي منحها حق إدارة فلسطين.
وبدلاً من تمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير والعمل على تحقيق استقلال فلسطين كدولة متعددة الأعراق والأديان والطوائف، سعت بريطانيا، بالتعاون مع الحركة الصهيونية، وبشتى الوسائل، إلى استجلاب المهاجرين اليهود من الدول الأوروبية وتمكينهم في شتى المجالات على حساب حقوق السكان الفلسطينيين الأصليين، وقد أدت مثل هذه السياسات الاستعمارية العنصرية إلى إحداث تغيرات ديموغرافية جذرية، أثرت على جميع الأعراق والأصول الإثنية والطوائف في فلسطين، بحيث تقلص الوجود الفلسطيني على حساب المهاجرين الأوروبيين اليهود.إلا أن التغيير الديموغرافي الأكبر وقع خلال حرب 1948، والتي انتهت بسيطرة المليشيات العسكرية الصهيونية بقوة السلاح على ثلاثة أرباع مساحة فلسطين التاريخية، مما أدى إلى تدمير أكثر من 531 تجمعاً سكنياً من مدن وبلدات وقرى فلسطين ، وتشريد أكثر من 957 ألف فلسطيني، أي ما يعادل 66% من الفلسطينيين في فلسطين التاريخية.
لسنا بحاجة إلى شرح مطول في كون إسرائيل قد أنُشِئت سياسيًا لتكون دولة الشعب اليهودي، ولا يمكن أن يقتصر التحقق من وجود الأبارتهايد منهجاً، على تحديد السياسات والممارسات أمثال تلك المذكورة في اتفاقية الأبارتهايد. بل يجب التوصل إلى أن هذه السياسات والممارسات تخدم غرض أو نية فرض سيطرة عرقية على جماعة عرقية ثانوية واضطهادها. وبمنطقٍ دائريٍّ بعض الشيء، وينص القانون الدولي على أن الأفعال اللاإنسانية لا تكتسب صفة جريمة ضد الإنسانية إلا إن كانت تخدم ذلك الغرض عن قصد، ولكنه يقرر أن مثل هذا الغرض يتطلب تشخيص الأفعال اللاإنسانية ذات الصلة، كما وتعزز إسرائيل سياسة الهجرة على أساس العرق، وتتخذ إجراءات من شأنها منع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من تحدي المبادئ والقوانين الرامية إلى ترسيخ الهوية اليهودية لدولة إسرائيل.
وجريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة وعمليات القتل اليومي لخيرة ابناء فلسطين هي امتداد لسياسة القتل والتطهير العرقي تجاه الشعب الفلسطيني بكل مكوناته واتجاهاته.
ولقد ان الأوان أن يعاقب أولئك المسؤولين ن عن استشهاد ما لا يقل عن 100 ألف فلسطيني منذ نكبة فلسطين عام 1948، وعن التطهير العرقي والتهجير الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، وعن الاحتلال الأطول في التاريخ الحديث والمعاصر، ومنظومة الأبارتهايد والتمييز العنصري التي تُجمع منظمات حقوق الإنسان في العالم على أنها أسوأ من نظام الأبارتهايد الذي ساد في جنوب افريقيا.
على العالم اليوم الذي يتباكى على الشعب الاوكراني ، ان يتحمل مسؤولياته امام جرائم القتل والتهجير والتطهير العرقي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ اربع وسبعين عاما ، وان لا يكيل بمكيالين في التعامل مع المشاكل والازمات الدولية وخاصة القضية الفلسطينية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.