عن حمّى الأسعار في البلد
مقالات

عن حمّى الأسعار في البلد

2022-05-21

لم تعد محتملة هذه الارتفاعات في الأسعار في البلد، خصوصاً أنها فوق القدرة الشرائية للناس، ورغم محاولة تفهم مؤثرات "الحرب الروسية الأوكرانية" و"تعقّد سلسلة التوريدات"، يضاف إليها أننا بلد نستورد التضخم ولا ننتج غذاءنا، إلا أن الركون لهذه المؤشرات فقط كعنصر حاسم لتبرير الأمر للمواطن وممثليه جمعية حماية المستهلك الفلسطيني لم يعد عملياً.
بالخط العريض، وبمنتهى الوضوح، الغلاء باب لا يغلق على كل خلخلة في المجتمع الفلسطيني، من لا يستطيع تلبية احتياجاته واحتياجات عياله لن يقيم وزناً لا للمواطنة ولا لعلاقة سليمة مع بقية أفراد المجتمع، وسيذهب إلى حيث ألقت أم قشعم لحظة ذهابه إلى صندوق الانتخابات، ولحظة انخراطه في أي إضراب بلا نهاية ودون سقف مطالب، وستتفاقم لديه الرؤية الطبقية حين يرى سوء توزيع الثروة، وتفاوت الدخول دون مبرر، لا اعتماداً على شهادة ولا اعتماداً على تفوق علمي على الآخرين.
لم نكن في السنوات السابقة والحالية نملأ وقت فراغ لدينا، عندما طالبنا بحلول خلاقة لمعالجة ارتفاعات الأسعار التي باتت مصدر قلق لكل مواطن، وعدم الاستجابة كانت من باب معالجات آنية لا تسمن ولا تغني من جوع، حتى تغوّل الجميع بأسعار المستهلك، ولم يعد مقنعاً حديث التجار عن ارتفاعات أسبوعية في أسعار السلع الأساسية وكأنهم كل أسبوع يستوردون بضائع.
قد تبدو هذه الإجابات مقنعة في حال سعي الحكومة لتوفير صوامع للقمح، وعند توفير مخازن للوقود توفر كميات إضافية، وعند تحقيق الاسترداد الضريبي للمزارعين، وتخفيض قيمة ضريبية المبيعات على السلع الأساسية لتصل "صفر" عليها جميعها لتصبح معقولة، تحقيق معادلة الاستيراد الجماعي لمجموعة تجار جملة الجملة، وتحمل عبء تذبذب أسعار الوقود، ولكن في غياب هذه المساعي كلها وإلقاء هم ارتفاع الأسعار في حضن المواطن الغلبان لا يسعف بالمطلق.
لقد تآكلت الطبقة الوسطى، واتسعت قاعدة الفقراء ومحدودي الدخل، وبات أمام ناظرينا تجسيد لشعار "اللي معوش بلزموش"، وبات مباحاً أن يتهرب البعض ضريبياً من خلال عدم شرعية طلب الفاتورة من طبيب أو صيدلي أو مهندس أو مساح، وأتحدى أن يعرف مواطن وأن تعرف الجهات الرقابية حسبة السلع المخفية التي لا تطالها الرقابة. ومثال واحد يكفي، قد تحتاج إلى طلاء منزلك وصيانته، فتذهب إلى محلات مواد البناء ولا تعرف كيف حسبت فاتورتك، وقد تعود لتبديل مادة من الطلبية فلا تعرف ولا يعرف التاجر ما هو سعرها؛ لأنه حسبها على ورقة كرتون أمامه وعمل خصم كما يقول، وضاعت الطاسة. وإن ذهبت إلى محل شبيه تجد فرقاً في السعر، خصوصاً إذا سألك: "بكم عند غيرنا، فتأخذ سعراً مختلفاً تماماً"، وعلى هذا وقس.
جميع هذه القضايا طرحناها على طاولة الحكومات المتعاقبة، وطرحناها على طاولة القطاع الخاص بتشكيلاته المختلفة، ولكننا جوبهنا بذات الإجابات المنمقة المغلفة بورق السلوفان، وما أن نخرج وإذا بالأمور على الأرض هي ذاتها دون تغير.
في غياب أي نوع من المساءلة والرقابة في غياب المجلس التشريعي، وفي غياب الرغبة باعتماد أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، واعتماد توصيات واقتراحات معهد السياسات الاقتصادية (ماس)، وتقارير سلطة النقد، يصبح من الأهمية بمكان خلق آلية رقابة شعبية على رأس هرمها جمعية حماية المستهلك والنقابات العمالية؛ لتضع الحقائق أمام الرأي العام بصورة واضحة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.