من يقرر في الانتخابات؟
مقالات

من يقرر في الانتخابات؟

الانتخابات العامة وتأجيلها، والانتخابات المحلية بما في ذلك انتخاب مجالس الاتحادات والجامعات ونتائجها وبخاصة انتخابات جامعة بيرزيت، أقلقت حقا كل من له طموح بالتحرر والديمقراطية وتطور المجتمع الفلسطيني.
القلق نابع من ثنائية سيطرة «فتح» و»حماس» وغياب القطب الثالث نظراً لاستقطاب تنظيمات اليسار وغيرها داخل الثنائية.
القلق والخوف مشروعان. لأن استجابة حركة فتح للتغيير السياسي بعد ردح طويل من الفشل والإخفاق شبه معدومة، ولم تعد الحركة قادرة على تسويق مشروعها الوطني الذي أصيب بقوة دوليا وعربيا، وفقد الحامل الشعبي الفلسطيني له وهو الأخطر.
ولم تعد حركة فتح وسلطتها بقادرتين على تلبية الحد الأدنى من احتياجات السواد الأكبر من المواطنين، نظراً لتوقف الدعم المالي، والعجز عن تطوير الموارد من داخل المجتمع، فضلا عن استمرار الفساد الإداري والمالي.  
وفي غياب الإصلاح واحترام النظام والقانون والديمقراطية، تشوهت البنية التنظيمية والإدارية للحركة وأصبحت منفصلة عن نبض الناس وحاجاتهم.
هذا الواقع الذي تعيشه الحركة صَعَّبَ عليها استقطاب الجسم الأكثري الذي كان يدعمها تاريخيا.
يجوز القول إن المآل الذي وصلت إليه حركة فتح ليس غريبا، فهناك أحزاب شبيهة في أوروبا ودول الاتحاد السوفييتي سابقا من شيوعيين واشتراكيين وجمهوريين انتقلت من المركز إلى الهامش، وكذلك الحال انتقل حزب العمل الإسرائيلي الأشكنازي من المركز إلى الهامش.
يتعمق القلق يوما بعد يوم في ظل التحولات التي تشهدها الحركة وتقود الأمور إلى مزيد من الفشل واللاثقة والتفكك.        
القلق نابع أيضا من عدم أهلية حركة حماس للتحول إلى اتجاه مركزي، وتقديمها لخطاب يجمع بين الشعبوية والأيديولوجيا الدينية المتعصبة، وافتقادها لخيار وطني حقيقي بديل يشارك فيه الشعب، وتحويل المقاومة من استراتيجية للتحرر من الاحتلال إلى وسيلة للسيطرة على المجتمع وتحسين شروط البقاء على قيد الحكم، والى أشكال من الاستخدام الإقليمي للمقاومة مقابل تعزيز سلطتها.
يضاف إلى ذلك تجربتها السلطوية القمعية في قطاع غزة وامتناعها عن إجراء الانتخابات المحلية المشتركة أو المنفردة، بما في ذلك الامتناع عن مزاولة الانتخاب في الاتحادات الشعبية والجامعات، في الوقت الذي تشارك فيه بشكل انتقائي في انتخابات الضفة الغربية.
نعم يوجد قلق وخوف من انتقال النفوذ والسيطرة على مركز القرار من حركة فتح إلى حركة حماس، بغطاء المقاومة الاستخدامي، وما يعنيه الانتقال من تعميق المأزق.    
القلق نابع من التدخل الإسرائيلي الدائم في الشأن الفلسطيني، واستخدام التنازع بين فتح وحماس على السلطة، لتفكيك وحدة المجتمع والشعب وإضعاف الحركة السياسية برمتها. فتارة يقول المستعمرون: نريد تعزيز السلطة وإضعاف حماس، وواقع الحال يحدث العكس، فمجرد إطلاق هذا القول فإن الأكثرية لا تقبل أبداً تعزيزاً مصدره الاحتلال. وتارة يقولون إنهم مع بقاء حكم حماس في غزة، ولا ينوون المس به إلا في سياق تثبيت قواعد الاشتباك والسيطرة عن بعد، ويقولون إنهم يسمحون بإدخال الأموال القطرية لحركة حماس ويتفاوضون على هدنة طويلة الأمد.
بهذه الأقوال الإسرائيلية تكون حماس هي الخاسرة، لكن حماس تتفادى الخسارة أثناء ردها على الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة. وهنا يجدر التوقف عند النموذج الأخير من التدخل الإسرائيلي وهو التدخل في انتخابات بيرزيت، عندما اعتقلت سلطات الاحتلال سبعة مرشحين من كتلة حماس في الجامعة وأرسلت تهديداً للطلبة الذين سينتخبون كتلة حماس وستضعهم تحت طائلة المحاسبة، هذا التدخل خلق أجواء من التعاطف مع حماس، وقد فازت حماس فعلاً فوزاً غير مسبوق في جامعة بيرزيت.
كان هدف التدخل الإسرائيلي إضعاف حركة فتح عبر زعزعة ثقة قواعدها الجماهيرية وأنصارها بها وبدورها الوطني، ودفع سلطة فتح وأجهزتها لقبول الإملاءات الإسرائيلية والانخراط في قمع المعارضين والمحتجين دون تحفظات أو تردد.
الشيء نفسه حدث أثناء الانتخابات المحلية. يذكر أن الشعار الذي رفعته حركة حماس أثناء انتخابات 2006 وكان له فعل السحر: «إسرائيل وأميركا قالت لا لحماس، ماذا تقول أنت؟» في الحالة الفلسطينية الشعبية، أي جهة تقول إنها ضد أميركا وإسرائيل أو مع المقاومة فإنها تحظى تلقائيا بالدعم، بقطع النظر عن الموقف الفعلي أو ما وراء الإعلان.  
السؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أن يدفع بقوى أساسية لدخول خندق الاحتلال تعبيراً عن اندماج المصالح؟
وفي هذه الحالة يكون الشعب أمام استقطاب بين خندق التحرر وخندق الاحتلال والخضوع.  
إذا أخذنا بتجربة الاستقطاب ما بعد النكبة وفي مناطق الـ48، سنجد أن محاولات سلخ أجزاء من المجتمع الفلسطيني وربط مصالحها بالاحتلال كان محدوداً وجزئياً وشائكاً. وإذا قرأنا الاستقطاب في مناطق احتلال 67 سنجد أنه أكثر تعقيداً.
كان يمكن للتسوية السياسية على قاعدة تعريف المجتمع الدولي للحقوق المشروعة الفلسطينية أن تخلق مستوى من تقاطع المصالح، لكن دولة الاحتلال دمرت مقومات التسوية على الأرض، وقدمت غطاء لذلك عبر «قانون القومية» الذي يستبعد الحقوق الفلسطينية بالمطلق.
ولم تترك سلطات الاحتلال غير نموذج العمالة العارية لأفراد ومجموعات ينسلخون ويعملون بأجر.
وهناك شرائح تتعايش مع بقاء الصراع دون حل، وهناك وكلاء ومقاولون وعمال يتقاطعون اقتصاديا مع سياسات الاحتلال ويخدمون بذلك سياسات الاحتلال دون أن يعني ذلك اندماجا في مشروع سياسي مشترك محسوم بعلاقات تبعية للاحتلال.
المشكلة لا تندرج في استقطاب مع وضد الاحتلال، فالاحتلال لا يريد أي طبقة وقوى اجتماعية وسياسية لها مشروع يندرج في حق تقرير المصير.
المشكلة في عجز حركة فتح عن وضع آليات داخلية وخارجية جديدة لتقصير أمد الاحتلال والخلاص منه.
والمشكلة في عدم امتلاك حماس لمشروع بديل قادر على تقصير أمد الاحتلال والخلاص منه، وعاجزة عن الخروج من الأيديولوجيا والدخول إلى عالم الشرعية. تعتمد حركة فتح على سلب حماس في القمع والهيمنة والارتباطات الإقليمية، وتعتمد حركة حماس على سلب فتح في التنسيق الأمني وفي الاستئثار بالسلطة والقمع والفساد. وبدلا من منافسة الحركتين على من يقلل معاناة الشعب وعلى من يكون أكثر ديمقراطية وأقل فئوية. ما يحدث هو العكس.
وتتعمق الأزمة في غياب قطب ثالث يحفر مجرى لمسار تحرري جديد ويحفز الاستقطاب لهذا المسار من خلال الضغط على كل من يرتكب حماقة سياسية وكل من ينتهك الديمقراطية ويمارس الفساد.
غياب هذا القطب نجم عن توزع اليسار بين ثنائية السلطتين، ونجم عن ضعف المستوى الثقافي الأكاديمي وإحجامه عن النقد والتدخل.
في ظل هذا الوضع انحصر التغيير في استبدال سلطة بسلطة وفئوية بفئوية والتبعية لمراكز إقليمية بالتبعية لمراكز أخرى، والتعايش مع اللا حل بالتعايش مع هدنة قد تطول أو تقصر.  

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.