في وداع شيرين أبو عاقلة
لاستشهاد شيرين أبو عاقلة دلالات عدة، هناك رسائل حاول الاحتلال إرسالها في اغتيالها المتعمد، وهناك رسائل أعطاها الشعب الفلسطيني للاحتلال.
رسالة الاحتلال تمثلت في أن لا فلسطيني/ة آمن/آمنة من بطشه، فشيرين صحفية معروفة، كانت ترتدي كامل زيها الذي يشير إلى أنها كذلك، وتعمل في واحدة من أكبر الوسائل الإعلامية العالمية، وهي مقدسية وتحمل إضافة إلى جنسيتها الفلسطينية جواز سفر أمريكيا.
كل ذلك لم يمنعهم من استهدافها في رسالة واضحة "لا أحد بمأمن من بطش الاحتلال ولن نسمح بنقل جرائمنا ضد الفلسطينيين وخاصة مخيم جنين للعالم"، فالرواية الصهيونية هي الوحيدة التي يسمح بتداولها، هذا لسان حال الاحتلال بترسانته العسكرية القاتلة.
أما رسالة الشعب الفلسطيني بكل مكوناته فكانت، رسالة وفاء لكل الشهداء والشهيدات من خلال تشييع شرين، رسالة قالت إن شعبنا وفيٌ لشهدائه، متمرد على قرارات الاحتلال وأعوانه، تعبير شعبي واضح عن خيارات هذا الشعب أن لا مناص من التحرر، فكل محاولات تركيع شعبنا وحرف مساره باءت بالفشل، فشعبنا أرسل رسالته الواضحة من جنين حتى القدس من خلال التشييع الشعبي المهيب، ومن الناقورة حتى رفح، وفي الشتات وكل العالم، أن القضية الفلسطينية لن تموت وأن الحقوق يجب أن تعود.
وأما المظهر الأبرز الذي أعطى دلالات عميقة، فكان التشييع الأخير في مدينة القدس، لقد كان مظهراً شعبياً متمرداً على كل محاولات الاحتلال، فرض سيادته على القدس، فجاءت إرادة المقدسيين من أبناء وبنات شعبنا لتفرض سيادتها، دون خوف أو وجل، وما مظهر حماية النعش من قبل الشباب المقدسي، رغم هراوات وكافة أدوات بطش الاحتلال، إلا مظهر تتجلى فيه بطولات صعب وصفها، وإجرام وحقد ووحشية من جانب شرطة العدو جعلت العالم يقف مذهولاً.
رحلت البطلة "شرين أبو عاقلة "، رحلت صوت كل فلسطيني/ة عانى/عانت من بطش وجرائم الاحتلال، رحلت من كانت تنقل صوت الأسرى والأسيرات في زنازين الاحتلال، رحلت من فضحت جرائم هذا الاحتلال من غزة حتى اللد، رحلت من أحبت جنين ومخيمها، من نقلت الشهادات الحية على جرائم الحرب التي ترتكبها العصابات الصهيونية، وبقيت إرادة هذا الشعب الماضية في النضال ضد الاحتلال، وفي الاستمرار حتى التحرر من الاستعمار وكافة تجلياته.
وبعد ذلك كيف سيتم متابعة هذه الجريمة مكتملة الأركان؟، هل فعلاً ستتم الملاحقة والمحاكمة لهذا الاحتلال المجرم؟، وهل سيشكل استشهاد شرين نقطة تحول في ملاحقة الاحتلال وجرائمه؟.
إن الخشية الحقيقية هو أن تكون كل الدعوات الرسمية مجرد استجابة لحظية للحالة الشعبية الغاضبة، ومحاولة تبريد للعواطف، وأن تدفن المتابعة القانونية الدولية لملاحقة الاحتلال في الأدراج، كما حصل مع العديد من ملفات جرائم الحرب. فالانحياز الدولي الرسمي لا زال واضحاً للاحتلال "مع تغير واضح في الرأي العالمي الشعبي لصالح نضال شعبنا"، والجهات الرسمية الفلسطينية لا زالت مستجيبة لكافة الضغوط الدولية الرسمية. والاحتلال أعلن عن عدم نيته فتح تحقيق جنائي في استشهاد شرين رغم وجود أدلة واضحة وموثقة عن جريمته. فلقد اعتاد الاحتلال على طمس الحقائق ودفنها.
إن هذا التساؤل يأتي في سياق تجربة مريرة من الأداء الفلسطيني الرسمي الذي فشل في أي استثمار سياسي لنضالات وتضحيات شعبنا يؤسس لتحرره.
أما العبر الأكبر التي ساقها شعبنا بكل أطيافه، فهي أن الوفاء للشهداء وتضحياتهم مستمر عبر الأجيال، وأن جيل الشباب الفلسطيني ماض في حمل الراية رغم كل جرائم الاحتلال. فتحرير القدس لساعات أثناء تشييع الشهيدة والإصرار على حمل النعش على الأكتاف. ورفرفة علم فلسطين في القدس رغم أنف الاحتلال وأدوات بطشه، لهي الرسالة الأبلغ للجميع.