أُنظّم مَن ليقوم بماذا؟
مقالات

أُنظّم مَن ليقوم بماذا؟

تعج البلد بأفكار وخطوات لتأسيس حملات، وأسست حملات عدة وترى الجميع معجبا بالأمر ويريد أن يغير شيئا أو يحل مشكلة، حيث بت تسمع يوميا عن مبادرة من هذا النوع. فإما أن تسمع وتمر مرور الكرام، أو تسمع ويطلب منك استشارة: كيف نبدأ وأين نصل، أو أن تكون جزءا من الحملة من التأسيس إلى الانطلاق إلى القمة إلى الحل.
اليوم، ينشغل الناس بمحورين: (مالي واقتصادي) يتعلق بمكافحة الغلاء والتغول بالأسعار وسبل مواجهتها، وتصد الأبواب أمامهم على قاعدة: إننا بلد تحت الاحتلال ومواردنا محدودة ولا نملك معابر ولا مواد خاما ولا حرية حركة، ويصر المبادرون على الاستمرار إلى أن تصل طاولة الحكومة التي تعلن مسبقا أن آفاق الحل ليست فلسطينية وهي متشابكة مع العالم كله، وتتنكر الحكومة للمبادرين من أجل حل مشكلة الغلاء على قواعد علمية بعيدا عن التهويل والتطبيل وتذهب إلى حضن الذين رفعوا الأسعار ليعقدوا المشكلة.
ومحور (اجتماعي تثقيفي) متفرع ومتعدد يبدأ من مكافحة التدخين لدى القاصرين وسبل المعالجة والتمحيص في القوانين والاستناد إلى حملات سابقة، وهناك آخرون يفكرون في (البيئة الخضراء) وكيف نجعل مدننا وقرانا ومخيماتنا خضراء، وآخرون يفكرون (بحق ذوي الإعاقة في مصف لسياراتهم).
قبل ما يزيد على عشرة أعوام من الآن، تعرضت لتجربة مهمة وحيوية تتعلق بـ(التنظيم المجتمعي وسرد الرواية) مع البروفيسور مارشال غانز من جامعة هارفارد، وهناك وجدت أن ما كنت أقوم به من عمل تطوعي وحماية للمستهلك ودعم المنتجات الفلسطينية هي (قصتي) لأسرد لماذا أقوم بما قمت به، والسبب الذي دعانا لنقوم بما قمنا به (قصتنا) نحن الذين بادرنا ووضعنا استراتيجيتنا، و(قصة الآن) قصة الضرورة التي دعتنا للتحرك.
واليوم، أعود وكأنني اعلم نفسي فذهبت صوب الكتاب ومواد الدورة التدريبية والمواد الدراسية فوجدت أن الضرورة التي دعتنا للتحرك، اليوم، يجب أن تعزز بقصتي وقصتنا كلنا، ومن حجم الحديث عن (حملات ومبادرات) بات ملحا العودة إلى المنهج وما هو التنظيم المجتمعي.
اعتقد جازما أن فهمنا للحملات مناقض تماما لفهم (غانز). نحن نذهب باتجاه الهبة عندما نرى مجموعة طلبة مدرسة في المرحلة الأساسية يدخنون أو يدخنون الشيشة فنهب هبة من أجل مكافحة التدخين، ومن ثم نهمد ولا نصل إلى (قمم مرحلية) ولا (قمة القمم) كما قال مفكرو التنظيم المجتمعي.
وهذا يتطلب العودة للمسار السليم واعتبار أن الحملات هي سيل مكثف من الأنشطة التي تبدأ من التأسيس وزخم الانطلاق لبلوغ الحل، واعتبارها طريقة لحشد الوقت والموارد والطاقة لتحقيق غاية.
عندما خضنا مبادرة «إني اخترتك يا وطني» ومبادرة «منا والنا» لدعم المنتجات الفلسطينية  وفي العام 1999 مبادرة «مقاطعة منتجات المستوطنات» كانت تعبيرا عن عمل مشترك، واستراتيجية مشتركة، والتزام مشترك، وقصة مشتركة، ويومها قمنا بوضع الأسس والانطلاق ووصلنا إلى قمم مرحلية في العام 2014، وفي العام 2017، وقمة القمم كانت بانتشار الثقافة ومن ثم الاقتناع الجماعي وهو ما يعبر عن الالتزام المشترك، وفي النهاية حققنا نقلة نوعية. لم نصل إلى 100% مما اردنا ولكننا حققنا قمما بارزة.
اليوم، نرى أن المجتمع مهيأ لاستيعاب حملات جديدة قد تطول وقد تقصر للوصول إلى الحل بعيدا عن اعتبارها هبة أو ردة فعل لأمر استفزنا ونغادر، وأرى من الضرورة بمكان أن تشكل المؤسسات حاضنة لتلك الحملات ليس بمنطق الاستحواذ عليها بل اعتبارها جزءا أصيلا من التنظيم المجتمعي.
وما يعيق الحملات هي حالة اللامبالاة «انتم من ستجدون الحل!!!»، «خليهم هم يحلوها!!!»، «يا جماعة ولا بدها اقعدوا واسكتوا واتفرجوا!!!»، «طيب نظفنا اليوم وبكرا شو بصير!!»، «اليوم، لم نشتر المرتفعة أسعاره وكيف سندبر أمورنا بعدها!!!»، ومن هذا العيار تجد الكثير في المجتمع الذين يشكلون عوائق حقيقية يجب معالجتها.
اليوم، باختصار لدي مرجعي (التنظيم المجتمعي) بجانبي لا أفارقه، ولدي قصتي، تجربتي وسيرتي الذاتية التي اسردها دون مواعظ وحكم، ولدينا قصتنا، ولدينا قصة الآن التي تحركنا، لا يضرني من يعاني من اللامبالاة ولا يضرنا ولن يوقف سيل أنشطتنا المكثفة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.