التمويل الاوروبي.. جزء من الحرب الإسرائيلية!
منذ قرار توسيم ست منظمات مجتمع مدني فلسطينية بصفة "الارهاب"، طالبت دول العالم دولة الاحتلال بتقديم الأدلة على ذلك، وحتى اللحظة ما زالت دول العالم تنتظر الاثباتات والأدلة على تورط هذه المنظمات بالإرهاب، حسب ادعاء دولة الاحتلال. الحقيقة أن إسرائيل لم تقدم أدلة كافية ضد المنظمات المدنية الـ ٦ في الضفة الغربية، المتهمة بالقيام بأنشطة لصالح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن غير المتوقع أن يفتح مكتب التحقيق التابع للمفوضية الأوروبية (OLAF) تحقيقاً أوروبيا، حيث وجدت مجموعة من الدول ان الأدلة المقدمة لم تصل الى المعيار المطلوب لإثبات التورط بالإرهاب!
بتاريخ 19 أكتوبر 2021، وقع وزير ما يعرف بالدفاع بني غانتس على أمر عسكري بوسم 6 مؤسسات مجتمع مدني ومنظمات حقوق إنسان فلسطينية كـ "منظمات إرهابية". الضرر الذي لحق بالمنظمات قد تم بالفعل، من الضروري التنويه أن هذه مؤسسات يُشهد لها بالمهنية، المصداقية والجدارة والاحترام، فهي توثق ممارسات الاحتلال ضد حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، هذه المؤسسات الست هي:
1-الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال/فلسطين DCI
2- مؤسسة الحق AlHaq
3- جمعية الضمير لدعم الأسير وحقوق الإنسان Addameer
4- مركز بيسان للبحوث والتنمية Bisan
5- اتحاد لجان العمل الزراعي (UAWC)
6- اتحاد لجان المرأة الفلسطينية (UPWC)
هذه المنظمات تنفي هذا الادعاء، والدول الأوروبية حصلت على أدلة ولم تجدها قوية بما فيه الكفاية لتورط المنظمات بتحويل الأموال! بعد اكثر من ٦ أشهر على قرار غانتس، امتنع معظم ممثلي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن الإدلاء ببيانات عامة تستنكر القرار بحجة انتظار نشر موقف الاتحاد الأوروبي بشأن هذه المسألة. في أوائل مايو، التقيت مع وزيرة التعاون الإنمائي البلجيكية، ميريام كيثير التي اكدت لوسائل الاعلام إن التفتيش الذي أجرته الإدارة لم يجد اي معلومات تؤكد المزاعم المتعلقة بالمنظمات التي تدعمها بلجيكا، وأنه لا يوجد سبب لاتخاذ إجراءات ضدها. لم تتوصل أي دولة أوروبية بمفردها إلى نفس النتائج التي توصلت إليها إسرائيل، اي لا اثبات على تورط المنظمات.
بالرغم من ذلك، في مايو ٢٠٢١، علقت المفوضية الأوروبية دعمها لمؤسسة الحق اي قبل تصريح غانتس، بعد أن ادعت إسرائيل مزاعم حول العلاقة بين المنظمة والجبهة الشعبية، وبعد بيان غانتس جمدت المفوضية أيضًا التمويل المقدم إلى منظمة اللجان الزراعية من قبل منظمة أوكسفام.
من الغريب جداً أن نرى المفوض يتخذ موقفاً مختلفاً عن الدول الأعضاء، أوليفر فارهالي هو مفوض الاتحاد الأوروبي هنغاري الأصل وهو من يقف وراء التأخير في الدعم الأوروبي للسلطة الفلسطينية بحجة مزاعم معاداة السامية في الكتب المدرسية والمنهاج الفلسطيني كحجة غير منطقية من قبل فارهالي. سلوك المفوضية الأوروبية فيما يتعلق بتعليق الأموال اتسم بانعدام الشفافية وعدم الاستجابة، وهو ما يعد انتهاكًا لمعايير الإدارة الرشيدة في الاتحاد الاوروبي.
لقد صدر قرار التوسيم على شكل أوامر عسكرية، وهذا بحد ذاته دليل جديد يثبت أن دولة اسرائيل هي دولة أبارتهايد. يحاول غانتس من خلال هذه الأوامر العسكرية أن يحظر أو يوقف عمل هذه المنظمات التي توثق وتعلن حقيقة الجرائم الإسرائيلية اليومية المتمثلة في الاضطهاد والتمييز والفصل العنصري ضد الفلسطينيين، فهي توثق انتهاكات الاحتلال لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة. بموجب الأوامر العسكرية، تواجه هذه المنظمات الآن احتمالية الاعتقالات الجماعية والإغلاق من قبل الحكومة الإسرائيلية، وأي شخص له علاقة بهذه المؤسسات أصبح عُرضة للسجن أو الملاحقة، وفقًا لقانون "مكافحة الإرهاب" الإسرائيلي الصادر عام 2016.
الرد الاسرائيلي على رسائل دول العالم جاء للإفادة أن الاسرائيليين يملكون اثباتات على تورط هذه المؤسسات. والغريب ان المجتمع الدولي ما زال ينتظر دولة الاحتلال حتى تقدم دلائلها، وفي هذه الاثناء الاتحاد متورط بإيقافه للدعم، في حين لم تمنح اسرائيل مدة زمنية لذلك ولم تقدم هذه الدول اي شروط او خيارات لممارسة شيء من الدبلوماسية القسرية. وهذا موقف ضعيف من المجتمع الدولي الذي يكتفي بالتنديد والاستنكار والتصريحات، بينما تستمتع اسرائيل بحصانة لا حدود لها، يعلم غانتس علم اليقين ان اي من هذه الدول لن تحاسبه وعليه فهو مستمر في سياساته العنصرية التعسفية والاستبدادية.
التمويل الأوروبي لمنظمات المجتمع المدني الحقوقية في فلسطين هو عنصر مهم في دعم الاتحاد لحل الدولتين، القانون الدولي وحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. بينما تحاول اسرائيل تشويه سمعة نشطاء حقوق الإنسان ووسمهم كإرهابيين، هذا يأتي كجزء من التصعيد للهجوم الإسرائيلي الدائم على الفلسطينيين، هذه الحرب الاسرائيلية على المجتمع المدني الفلسطيني المتمثل بمنظمات حقوق الانسان تم تمكينها من خلال قطع التمويل والسكوت برغم غياب الادلة وعدم وجود مساءلة دولية عن انتهاكات دولة الاحتلال الجسيمة والمتكررة لحقوق الإنسان.
- دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.