ما نحن بحاجة اليه..‏ الجزء الثاني
مقالات

ما نحن بحاجة اليه..‏ الجزء الثاني

القلق الذي ينتشر ويستبد ‏بالنفوس هو الذي لا يمحوه ‏الكلام، ولا تخفف منه ‏التصريحات والبيانات، ‏يفرض على كل صاحب قلم ‏ورأي ان يقدم إجابة مقنعة ‏عن كومة من الأسئلة المثارة ‏على مستوى المجتمع كله، ‏حول الحالة الفلسطينية كلها، ‏وهي حالة كما يعرف ‏الجميع غير محصورة في ‏مكان او محكومة لسلطة او ‏تنظيم، ذلك ان اقدار هذا ‏الشعب جعلته موزعا بما ‏يقارب ان يكون مناصفة بين ‏من هم على ارض الوطن، ‏ومن هم في المنافي القريبة ‏والبعيدة، وهؤلاء "النصفين" ‏يتحدون في هوية عميقة لا ‏تنفصم هي الفلسطينية.‏
قاعدة الارتكاز المصيري – ‏وهذا لحسن تصاريف القدر- ‏موجودة بقوة على ارض ‏الوطن، واذا ما قرأناها ‏بموضوعية وتجرد واقع هذه ‏القاعدة وفاعلية تأثيرها على ‏كل فلسطيني أينما وجد، نجد ‏انها بحاجة الى أمور كثيرة ‏لتُنجَز كي يواصل ‏الفلسطينيون سعيهم الصعب ‏نحو حلمهم الشعبي الواحد ‏الحرية والاستقلال.‏
لم يعد الزمن يتطلب زعيما ‏يقود شعبا برمزيته ‏ومركزيته وما يوصف ‏بكارزميته، كان ذلك جائزا ‏بايجابه وسلبه في زمن ‏مضى .. تداولت فيه على ‏التاريخ أسماء فعلت فعلها في ‏الحياة الفلسطينية منذ نشوء ‏القضية... الحاج امين ‏الحسيني صاحب العمامة ‏الدينية والمكانة الاجتماعية، ‏والأستاذ احمد الشقيري ‏الحقوقي والديبلوماسي ‏والخطيب المفوه، ثم ياسر ‏عرفات الذي لا تكفي ‏المعاجم والمكتبات بوصف ‏ما تمتع به طيلة حياته على ‏رأس الحالة الفلسطينية التي ‏ظلت توصف بالثورة، ثم ‏محمود عباس رئيس الحالة ‏التي توصف بالسلطة.‏
من هو الشخص الذي يلي ‏هؤلاء؟ وماذا يمكن ان ‏نسميه او نسمي حالته؟ ‏الأفضل لنا كفلسطينيين بل ‏والمنطقي أكثر ان نستبعد ‏هذا السؤال ونستبدله بسؤال ‏آخر أكثر واقعية ومنطقية.‏
بعد سلسلة الأسماء التي ‏حققت حضورا قويا في ‏حينها دون ان تحقق الحل ‏المنشود لأعقد قضية في ‏التاريخ، ماذا نحتاج او ماذا ‏يحتاج الوضع الراهن الذي ‏آلت اليه الحالة الفلسطينية ‏ولا يخفى على اشد المتفائلين ‏كم هي صعبة بل وكارثية.‏
هل نحن بحاجة الى شخص ‏ينقذ الحالة بتحقيق حلول ‏لكومة المشاكل الكبرى التي ‏استفحلت في الحياة ‏الفلسطينية وسحبت آثارا ‏مخيفة على القضية ومكانتها ‏وفرص حلها بما يرضي ‏شعبها، وهل هذا الشخص ‏على ما اعرف ويعرف ‏الفلسطينيون جميعا لم يعد ‏موجودا بل ولم يولد بعد، ‏وفي زمننا المسمى بالحديث ‏لن يولد على الاغلب او ‏باليقين.‏
وبقدر ما تبدو الحكاية غاية ‏في التعقيد والواقع غاية في ‏الاستعصاء ويبدو الحل الذي ‏نرجو لم يبتعد فحسب بل ‏انتهى، ولكي لا نقع في ‏محذور اليأس والتيئيس لنقل ‏حتى اشعار اخر، فإننا ‏بحاجة الى معرفة ما ينبغي ‏علينا ان نفعل وليس ما ‏يتعين علينا ان ننتظر.‏
علينا أولا ان نسلم بحقيقة ‏منطقية وعادلة وهي اننا لم ‏نعد بحاجة الى زعيم لأن ‏الاصح والأكثر صدقية ‏وواقعية اننا بحاجة الى نظام ‏سياسي، ينتج مؤسسات ‏قيادية مؤهلة، وهي بدورها ‏تنتج رئيسا خاضعا لقيود ‏دستورية تحول بينه وبين ‏التفرد بالقرار على أي ‏مستوى من المستويات، ‏وذلك يتطلب ان يُنتج النظام ‏السياسي من المفاعل الوحيد ‏الذي يمنح الشرعية الحقيقية ‏وهو الشعب، ولذلك وسيلة ‏واحدة لم تخترع البشرية ‏بديلا عنها وهي الانتخابات، ‏شريطة ان لا تكون كما هي ‏الان عندنا انتقائية يتحدد ‏اجرائها من عدمه وفق ‏حسابات الاجندات، فتجري ‏بيسر وسهولة في قطاع ‏معين وتحجب عن قطاع ‏آخر، فالبلديات وبعض ‏النقابات ممكنة وفي متناول ‏اليد ولا عائق لها، اما ‏الرئاسية والعامة فهي ‏مستحيلة!.‏
ان النظام الحقيقي الشرعي ‏والفعال هو ان ينتجه ‏صندوق الاقتراع، فهو ‏الوسيلة الشعبية الوحيدة التي ‏تمنح الشرعية لأصغر ‏جمعية خيرية في أصغر ‏قرية الى البرلمانية ‏والرئاسية، وفي حال الذهاب ‏الى خيارات مختلف عليها ‏فهنالك الاستفتاء الذي ان ‏مرر قرارا او منعه، فالناس ‏هم المسؤولون عن نعمهم او ‏لائهم.‏
هذا البديهي الذي اتحدث عنه ‏يبدو مستحيلا اذا وجد ‏نافذون يعترضونه ويمنعونه ‏تحت ذرائع شتى، اما اذا ‏وجدت الإرادة وقد وجدت ‏كثيرا في حياة هذا الشعب، ‏فهو اسهل الممكن والأكثر ‏جاهزية لأن يتحقق، الم ‏نصل قبل سنة الى مقربة من ‏صناديق الاقتراع ثم احجمنا ‏عنها قبل أيام؟؟؟
ليتوقف الفلسطينيون ومطابخ ‏الاجندات الداخلية والخارجية ‏منها عن الحديث عن زعامة ‏فلسطينية قوامها اشخاص، ‏ولينصرف الحديث والجهد ‏نحو صيغة نظام محترم ‏يوفر للفلسطينيين وضعا يليق ‏بمؤهلاتهم وقوة حضورهم ‏وعدالة حقوقهم وغزارة ‏ابداعهم حيثما ارتحلوا او ‏حلّو، وهذا وان كان حاجة ‏ومصلحة فلسطينية ملحة، ‏فهو حاجة ومصلحة وضمانة ‏لاستقرار منطقة وحياة ، قدر ‏ما هي القضية الفلسطينية ‏مفاعلا نشطا للأحداث، ‏واسألوا إسرائيل وامريكا ‏والعالم عن ما حدث في ‏رمضان وايار هذا العام الذي ‏كان يعرف بعام أوكرانيا وما ‏حولها.‏

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.