صواعق التفجير في المنطقة متوفّرة بكثرة
بعد ما يقرب من أربعة أشهر على الحرب في أوكرانيا، يتضح أن المسألة لا تتصل بعملية عسكرية خاصة، استدعتها السياسات الأميركية، التي أرادت أن تحوّل أوكرانيا إلى مصدر تهديد مباشر للأمن القومي الروسي.
الولايات المتحدة وحلفاؤها يخوضون حرباً بالوكالة ضد دولة كبرى تحوز على ترسانة نووية هائلة واقتصاد ضعيف بالمعنى النسبي، ولذلك تدّعي الإدارات الغربية، وتتوهم أن بإمكانها الإطاحة بالدبّ الروسي، من خلال تدمير قدراته الاقتصادية من خلال العقوبات، والعزل، وإطالة الحرب حتى لو أدى ذلك إلى تدمير أوكرانيا، ولكي تظهر مفاعيل العقوبات بما يؤدي إلى هزيمة روسيا.
حرب عالمية بوسائل اقتصادية وسياسية ودبلوماسية، مع ضخّ المزيد من الأسلحة والذخائر النوعية، التي تمكن أوكرانيا من مواصلة الحرب لأطول وقت ممكن، إلى أن تنجح العقوبات بانهيار الاقتصاد الروسي الذي يبدي مقاومة عنيدة.
في الواقع فإن الولايات المتحدة تدافع بكل قوة عن مكانتها وعن النظام الدولي الذي تسيّدت عليه منفردة، منذ انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي، وحلف "وارسو" العام 1989.
وبالمقابل فإن روسيا لا تخفي أن من بين أهداف العملية العسكرية، تغيير النظام العالمي، نحو عالمٍ متعدد الأقطاب، وتوظيف قدراتها العسكرية الاستراتيجية، لإبعاد التهديدات الأمنية وتوسيع دائرة نفوذها في مساحة الفعل الدولي.
إن كان هذا ما تسعى إليه روسيا، وأيضاً ما تسعى إليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، فإن الحرب تجاوزت مفاعيل الشرارة الأولى، إلى نيران متقدة، يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى في العالم ذات أبعاد، حيوية واستراتيجية. ثمة مناطق عديدة في العالم، تنطوي على أبعاد خاصة وتنتظر لحظة انفجارها.
ثمة قضية كبرى وخطيرة تتصل بالصين وتايوان، وأخرى تتصل بالكوريتين، وتتحرك الزلازل تحت أرض الشرق الأوسط، والمتغيرات التي يشهدها الصراع، وثمة قضية الصراع المرير على حقوق استخراج وتوصيل الغاز في شرق المتوسط.
القضية الفلسطينية لا تزال مفتوحة بقوة على جملة من المتغيرات، المرتبطة بالمخططات الإسرائيلية في الإقليم، وثمة سباق يأخذ طابعاً انتهازياً، يتأسس على المصالح الخاصة ببعض الدول.
العرب أو بعضهم وهم فاعلون، يأخذون سياقاً استثنائياً غريباً على خلفية مواجهة إيران، ومشاريعها النووية وامتداداتها، وتوسع دائرة نفوذها في المنطقة.
تركيا كدولة إقليمية كبيرة، وفي سياق البحث عن مصالحها، وإقفال ملف بعض التهديدات الاستراتيجية الخاصة بالطموحات الكردية تسعى لتوسيع دائرة وجودها العسكري والمدني في شمال سورية وتسعى، أيضاً، للحصول على حصتها من الاكتشافات النفطية شرق المتوسط.
الكل لديه مشاريع كانت مؤجّلة وحان وقت معالجتها، في ظل الصراع الدولي المحتدم، إلّا العرب، الذين لديهم قضية احتلال إسرائيلي لأرضهم، وقضية النهضة العربية، فضلاً عن ملفات مأزومة مفتوحة، في اليمن وليبيا ولبنان وسورية والعراق، لكنهم غرقوا في الحسابات القطرية، ويسلمون راياتهم لأعدائهم.
تبدو الحروب في منطقة الشرق الأوسط، وتفجر الصراعات الدامية، وكأنها قدر لا مفرّ منه، بعد أن انزلقت مراكبهم، نحو مثلث برمودا الإسرائيلي، فاستبعدوا الحوار مع من يمكن وينبغي الحوار معهم، وفتحوا حواراً عميقاً مع من لا ينبغي الاقتراب منهم إلّا من مربع العداء.
بعد "الربيع العربي" الذي تحول إلى خريف يزداد جفافاً، بفضل السياسات الأميركية والغربية والإسرائيلية، يعود العرب، إلى مرحلةٍ أخرى، نحو تعميق التحولات السلبية الخطيرة، التي ستحيل دولهم إلى دائرة النفوذ الاستعماري المباشر وبالوكالة.
في الحقيقة فإن إسرائيل نجحت في التحريض على مسار عودة المفاوضات الإيرانية الغربية من أجل العودة للاتفاق النووي للعام 2015، الذي كانت انسحبت منه الولايات المتحدة إبّان إدارة ترامب ولم يعد بالإمكان العودة إليه بسهولة.
تتعثر مفاوضات فيينا، التي كانت قبل أشهر قليلة، قاب قوسين أو أدنى من أن تنجح في التوصل إلى اتفاق، فيما إيران ماضية في برنامجها النووي.
بعد زيارة غريبة، ولكنها مسيّسة بالكامل لمدير الوكالة الدولية للطاقة قام بها لإسرائيل، ومن بعد ذلك تنديد الوكالة بالدور الإيراني، قامت إيران، بوقف عمل سبع وعشرين كاميرا لمراقبة نشاطاتها النووية، وتركيب أجهزة طرد مركزي جديدة، وذلك رداً على بيان الوكالة ما وضع عقبة أخرى أمام إمكانية العودة لمفاوضات مثمرة.
وفي إطار التحريض والتخويف، والتمهيد لتوسيع وجودها العسكري والأمني في الخليج، يقول بينيت إن إيران تخصب اليورانيوم، بمعدلات غير مسبوقة وتقترب بشكلٍ خطير من وضع يدها على السلاح النووي، ما لم تبادر الدول الغربية لمنع ذلك.
يتساوق هذا التحريض والتحضير مع دعوة الولايات المتحدة الأميركية، لإقامة حلف دفاعي يشمل عدداً من الدول العربية، وفي القلب منها إسرائيل، ما يشكل خطوةً أخرى على طريق الحلف الإسلامي السنّي، بشراكة إسرائيلية كاملة، ورعاية أميركية.
إسرائيل أصبحت موجودة فعلاً في مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي، ما ينطوي على تهديد أمني استراتيجي بالنسبة لإيران، وفي حقيقة الأمر ينطوي، أيضاً، على تهديد أمني استراتيجي على دول الخليج بما أنها المسؤولة عن استقدام إسرائيل.
زيارة بايدن المرتقبة إلى المنطقة، تسعى لتشجيع هذا المسار، الذي يقتضي استعادة العلاقات السلبية بين بلاده والسعودية، حتى لو أنه سيضطر لابتلاع لسانه بعد أن وصف السعودية بالدولة المنبوذة، وربما يضطر للاعتذار بهذا الشكل أو ذاك، لكي يدمج نفط الخليج في سياسة بلاده من أجل إحباط السياسة الروسية.
لكن بايدن المشغول في الحرب مع روسيا، والصين، يريد أن يملأ الفراغ الذي تركه الانسحاب الأميركي من المنطقة بحلف تقوده عملياً إسرائيل لكي يخوض حرب التغيير في الإقليم بالوكالة.
على مقلب آخر، تواصل إسرائيل مخططاتها العدوانية والعنصرية في الضفة والقدس، وترسل لسورية رسالة خطيرة وغير مسبوقة، من خلال قصف وتعطيل حركة الطيران المدني في مطار دمشق. وفي اتجاه لبنان تسعى إسرائيل لسرقة حقول الغاز في المياه الدولية، التي تعود للبنان،ما ينذر بانفجار شامل.
فوق العربدة الإسرائيلية المعهودة تريد إسرائيل أن تقول إنها لن تسمح لوجود ونفوذ لإيران وحلفائها في الجوار، ولا تتوقف عن ترديد الادعاء بقدرتها على خوض حروبٍ تتفوق فيها على جبهات متعدّدة.
إيران وحلفاؤها، لم يترددوا في توجيه رسائل مضادّة غير مشفّرة، فالمقاومة اللبنانية تحذر من أنها لن تتساهل مع سرقة ثروات الشعب اللبناني، أما قائد البحرية الإيرانية، ومن جزيرة طنب الكبرى التي تحتلها إيران منذ ما يقرب من خمسين عاماً فإنه يقول: "إن منح إسرائيل موطئ قدمٍ في المنطقة لا يهدد الأمن فيها فقط، وإنّما يهدّد أمن الدول التي تسمح بذلك".
لن تتوقف إسرائيل وحلفاؤها الدوليون والإقليميون، ما يدفع نحو صراعٍ مفتوح متعدد الجبهات، والأطراف، ما سيهدد الجغرافيا السياسية في المنطقة ويفتح صفحةً أخرى، نحو تغيير وجه المنطقة.