بايدن على خطى ترامب
أعلن أكثر من مرة عن زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى المنطقة، وهي بالمناسبة زيارته الأولى منذ دخوله إلى البيت الأبيض، لكن موعد الزيارة لم يحدد حتى اللحظة، وإن كان الإعلان الأخير قد حددها في منتصف شهر تموز القادم، ويبدو من خلال الإعلانات المتعاقبة عن الزيارة، بأن عدم تحديد موعدها فضلا عن أجندتها، قد تجاوز الترتيب الذي أشار إلى اعتراض إسرائيلي على ما تضمنه البرنامج من زيارة لبايدن إلى مستشفى المقاصد، أو بعض المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية، بما قد يشير إلى عدم اعترافه بضمها لإسرائيل، إلى ما أعلن عنه الرئيس الأميركي نفسه في آخر تلميح له حول الزيارة مما يتطلع إليه من ضم السعودية لبرنامج الزيارة الذي كان فيما يبدو يقتصر على كل من تل أبيب ورام الله.
وزيارة بايدن إلى كل من رام الله وتل أبيب تستهدف بالأساس محاولة إقناع إسرائيل بتجاوز موقف الحياد الذي اتبعته تجاه الحرب الروسية/الأوكرانية، والذي شجع دولا أخرى، خاصة دول الخليج العربي على اتخاذ الموقف ذاته، فضلا بالطبع عن الهند والبرازيل، ولم تكتف تل أبيب بتجميد التفاوض حول الملف النووي الإيراني، لتنحاز لأميركا في حربها الاقتصادية المعلنة ضد روسيا، لذا فإنه يجيء لإسرائيل حاملا أكثر من هدية، منها محاولته تهدئة الجبهة الفلسطينية الملتهبة في وجه إسرائيل من خلال عدم الاكتفاء بعدم تنفيذ وعده بفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة، وعدم فتح مكتب «م. ت. ف» في واشنطن، فضلا عن رفع «م. ت. ف» عن قائمة الإرهاب، بل ومحاولة منع القيادة الفلسطينية من تصعيد موقفها، إن كان عبر ترجمة قرارات المجلس المركزي إلى أفعال، أو من خلال متابعة رفع القضايا ضد الإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية، وآخرها قضية مقتل شيرين أبو عاقلة، وذلك عبر تجاوز مبدأ الأرض مقابل السلام الذي كان متبعا فيما مضى، إلى ما هو أسوأ من شعار «الاقتصاد مقابل السلام»، ونقصد شعار «المال مقابل السلام».
جل ما يمكن تقديمه، اليوم، للجانب الفلسطيني هو مساعدة السلطة على الالتزام بدفع فاتورة الراتب، تماما كما حدث ويحدث مع «حماس» في غزة، إن كان من خلال تمرير المنحة القطرية، او فتح معبر بيت حانون/إيريز لنحو خمسة عشر ألف عامل فلسطيني، هذا ما يمكن أن يعتبره بايدن هدية منه لإسرائيل، أما الهدية الثانية والأهم، فهي اصطياد سمكة التطبيع الكبيرة، ونقصد بها السعودية.
بالطبع، اعتقد المراقبون، ومنهم الصحافيون الذي سألوا بايدن عن هدف زيارته للسعودية، إن كان له علاقة بأسعار النفط التي من الطبيعي أن ترتفع مع فرض الحظر الأميركي على النفط الروسي، لذا فإن بيد السعودية كان دائما مفتاح التحكم بسعر النفط العالمي، من خلال زيادة معدل إنتاجها، بما يمكنه أن يعني عدم التزامها بما تقرره لها «أوبك»، إلى ما قد أشارت له صحيفة «إسرائيل اليوم» من أن بايدن أكد لصحافيين بأن هدف زيارته للسعودية هو دفع الاتصالات بينها وبين إسرائيل، وبحسب الصحيفة الإسرائيلية فإن بايدن يشير على ما يبدو إلى ما كان قد أعلن عنه بشكل غير رسمي، من وجود خطة إقليمية جوهرها هو ضم السعودية لمحفل التطبيع، وذلك من خلال موافقة إسرائيلية على نقل السيادة عن كل من جزيرتي تيران وصنافير، بين مصر والسعودية والتي تحتاج من أجل أن تتم بشكل نهائي، إلى موافقة إسرائيلية، استنادا لاتفاقيات كامب ديفيد بين كل من مصر وإسرائيل.
لو أن بايدن نجح في هذه المهمة، حتى لو كان ذلك من خلال مجلس التعاون الخليجي، أو من خلال اتفاق أمني خليجي ـ إسرائيلي برعاية أميركية، خاصة مع تقدم التعاون الأمني بين إسرائيل وكل من البحرين والإمارات، فإن بادين يكون قد سار على خطى سلفه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، الذي ظن بأن تقديم الهدايا والتي تضمنت الاعتراف بالسيادة الاحتلالية الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، ثم عدم تعطيل قرار الكونغرس القاضي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، كما فعل الرؤساء الأميركيون السابقون على مدى عقود خلت، ثم وكان هذا الأهم، أو انه هو ظن انه سيكون رافعة إعادة انتخابه رئيسا، ونقصد إنجاز اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية: البحرين، الإمارات، المغرب والسودان.
وكان ترامب قبل ذلك زار السعودية كأول محطة خارجية له، في رحلة حصد من خلالها نحو أربعمائة مليار دولار، وكأن بايدن، يريد أن يعوض ما فاته، ذلك أن ترامب زار السعودية فور دخوله البيت الأبيض، وليس بعد مرور عام ونصف العام وهو ساكنه، وذلك بضرب العصفورين بحجر واحد، أي محاولة منع ارتفاع سعر النفط الأميركي إلى مستوى قياسي، بإقناع السعودية بالحفاظ على سعر معقول للنفط العالمي، ومحاولة تقديم هدية التطبيع لإسرائيل، وذلك في رحلة واحدة.
والحقيقة أن سياسة بايدن الخارجية حتى اللحظة لم تحقق الافتراق عن سياسة ترامب الفجة والعدائية، كما كان يأمل الكثير من المراقبين خاصة في الشرق الأوسط، فهو لم يحقق الأهم فيما يخص ملف إيران النووي، أي إلغاء العقوبات التي فرضها ترامب على إيران، والعودة للعمل باتفاق 2015، ولم يعد فتح قنصلية بلاده في القدس الشرقية المحتلة كما وعد، فضلا عن أنه لم يفتح أفقا للحل السياسي، ويكتفي بأقوال لا تترجم لأفعال حتى اللحظة، وكأن الإدارة الأميركية تشبه بذلك الحكومة الإسرائيلية، التي تتبدل بنتيجة الانتخابات ولا تتغير، فإذا كان نفتالي بينيت لم يختلف عن بنيامين نتنياهو، فإن بايدن بسيره على طريق ترامب، خاصة في ملف التطبيع يمكن القول، إنه لم يختلف كثيرا عن سلفه ترامب.
وربما نحن الذين نقرأ التبدلات في موقع صنع القرار في الدولتين بشكل خاطئ أو غير دقيق، حين نظن بأن خروج رئيس ودخول آخر للموقع الأول يعني تغييرا في سياسة إسرائيل وأميركا الخارجية، لذا فإنه لا بد لنا، بل ربما كان واجبا علينا، أن نفرض التغيير بأنفسنا، بقدر ما نستطيع ونحن نعلم الصعوبة البالغة لهذا الأمر، نظرا لمعادلات السياسة الدولية، والتعقيدات الإقليمية، التي تشمل الجميع، لكن الصراع الدولي من جهة، والحراكات الإقليمية المرتبطة به، والتي تزيد عليها صراعات الإقليم، تعقد ما يخصنا من هدف يتركز على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولتنا المستقلة، حيث لا بد إضافة للكفاح الميداني الذي يجب أن يبقى متواصلا، إضافة المطالبة بالتزام إسرائيل بما سبق لها وان التزمت به من اتفاقيات خاصة مع الجانب الفلسطيني، حيث لا تكفي العودة للتفاوض، ولا حتى التوصل لاتفاق جديد، لأن ذلك لا يضمن التزام إسرائيل بما توقع عليه، تماما كما تطالب إيران بضمانات تلزم أميركا بعدم التنصل من الاتفاق حول الملف النووي، كما فعلت من قبل.