المشهد السياسي الحالي وأدوار البعض
مقالات

المشهد السياسي الحالي وأدوار البعض

منذ بداية العام الحالي تتسع جرائم الاحتلال باشكالها المتعددة ، قرارات ببناء وحدات استيطانية جديدة ، تصعيد جرائم الاغتيال بحق شبابنا بدم بارد وآخرها في جنين مرة أخرى يوم أول أمس بارتقاء ثلاث شهداء ليصل عددهم إلى اكثر من ٥٥ شهيدا منذ بداية العام الحالي ، مصادرة اراضي ما بين اريحا والقدس ومخطط المنتزة الاستيطاني وغيرها من المناطق بشكل غير مسبوق وفق تقارير المنظمات الدولية العاملة ، قرارات هدم ١٧ منزل في مسافر يطا ضمن مسلسل التطهير العرقي ، اعتداءات الأيام الماضية في كفر قدوم وكفر الديك وايقاع إصابات بين ابناء شعبنا هنالك ، استمرار جرائم المستوطنين وقوات الاحتلال بالقدس والاعتداء على مقدساتها وتوسيع الاستيطان بالمدينة واجراءات التهويد المتلاحقة فيها و بالاغوار والخليل واستمرار تشديد الحصار على غزة بما فيها من استمرار عمليات القصف والعدوان والقتل والتدمير ضد شعبنا هنالك واعمال القمع المتزايدة ضد ابطال الحرية بسجون الاحتلال وزيادة اعداد الاعتقالات اليومية .

في ظل كل ذلك يستمر منصور عباس وجماعته من القائمة الموحدة الذين ذهبوا الى اسفل القاع يُشرعون ويشاركون في عمل حكومة الاحتلال الأستيطاني منذ بداية الشهر الأول من تشكيلها من خلال السياسات والجرائم ضد شعبنا الفلسطيني بتأيد وتمرير عدد من الاجراءات والقوانين التي تستهدف الهوية القومية والمساواة لابناء شعبنا وصموده الاسطوري في كل فلسطين التاريخية  ، ومحاولات تمرير قانون السيادة الإسرائيلية على المستوطنين باراضي دولة فلسطين المحتلة ، وهم اي منصور عباس وجماعته لا يمانعون الانتقال من دعم حكومة بينيت إلى دعم حكومة نتنياهو في ظل تنافسهم على اضطهاد شعبنا ، فكلاهما واحد بالنسبة لهم كما المُعلم واحد. 

 فبئساً وعاراً لمنصور عباس وللحركة الاسلامية الجنوبية وما تمثله "انجازاتها" ضد مصالح شعبنا الفلسطيني بما يَستكمل محاولات اسيادهم من حركة الاخوان المسلمين العالمية وارتباطاتها وادوارها المختلفة منذ تاسيسها في مصر بدعم الاستعمار البريطاني بدايات القرن الماضي ، وشركائهم ذوي الفكر الانقلابي الاقصائي في فلسطين في محاولات  ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية وصمودها في كل فلسطين التاريخية، من خلال عملهم الذي أصبح مكشوفا في تجسيد ما يسمى " بالانقسام " ، ومن خلال دورهم المطلوب في إطار المشروع الأمريكي السياسي الجديد القديم بخصوص الفوضى الخلاقة سابقا والشرق الأوسط الجديد واحلافه الأمنية بزعامة اسرائيل الذي ابتداء العمل به منذ عقدين من الزمن لانهاء كيانات الدولة الوطنية العربية بالاقطار المختلفة ، ويستكمل الان بترويج اتفاقيات التطبيع وتوسيعها وما سيتمخض عن زيارة بايدن المرتقبة والتي باتت معالمها واهدافها واضحة ، والتي اتمنى بأن لا تلاقي قبولا من الأقربون. 

ان ما يُسرب عن زيارة بايدن في حال تنفيذها هو ما تسعى له الولايات المتحدة وبعض الانظمة الحاكمة بالغرب المتحالفة معها رغم تباين المواقف ، من أجل الحفاظ على تفوق فكرة دولة الاحتلال الاستيطاني واستدامة الاحتلال على الارض وتجسيد الضم والاستيطان بالامر الواقع وتجسيد فكرة الكانتونات وفصل قطاع غزة الحبيب والمخطوف عنوة عن شرعيتنا الوطنية من الانقلابين ، وتحقيق قيادة إسرائيل لهذه الحلف الأمني الذي يتم الحديث عنه في مواجهة "العدو الفارسي" الجديد الذي ابتدعوه للعرب ، ولتكون إسرائيل كدولة احتلال شريكة بل من يتزعم الجغرافيا السياسية والاقتصادية الجديدة للمنطقة التي تسعى لتكوينها أمريكيا بدعم ممن يدورون حتى الآن في فلكها من عرب وعجم ، وهم غير مدركين تهاوي هذه الإمبراطورية الكاذبة الان على المستويات الداخلية والخارجية لها في إطار ازمتها الاقتصادية وسياسات العداء للشرق ولحرية الشعوب المستضعفة التي ما زالت تنتهجها في مقارعة نهوض شعوب أمريكيا اللاتينية وعدد من المناطق في اسيا وأفريقيا وامام ما يجري بأوروبا الان من حربها بالوكالة  ، وما تسببه سياساتها من مخاطر لها في إطار ما تفرضه من عقوبات على روسيا  الان ، والذي ينعكس سلبا على الاوروبين ، ما قد يؤدي الى التفكك بين دول الاتحاد الاوروبي والخروج عن التبعية الأمريكية لعدد من الدول ، وقد تدفع النتيجة النهائية للانتخابات البرلمانية بفرنسا اليوم الأحد إلى المسارعة في هذه التحولات في حال حقق اليسار الجديد الموحد نسب عالية بالبرلمان  ، وهو ما تسعى له الشعوب الأوروبية من تحول بعلاقاتها مع الولايات المتحدة والى مواجهة اليمين المتطرف فيها بعد ان عانت ويلات الحروب سابقا وجرائم النازية التي تحاول ان تطل برأسها من جديد باوكرانيا وغيرها بتوافق مع الفاشية الحاكمة باسرائيل. 

ان وجود علاقات سرية بين الخاطفين لغزة هاشم من الانقلابيين والدولة العميقة بالولايات المتحدة وغيرها الان كما كان يجري ذلك مع قيادات الاخوان بمصر وغيرها سابقا ، يندرج في إطار هذا المشروع لتصفية القضية الفلسطينية التي لم تعد قضية كل العرب للاسف ، ولمحاولة ايضا إثارة الفوضى في قلاعنا الداخلية بنسخ تجربة غزة ،  ولرفع الاحراج عن دولة الاحتلال ولمنع تجسيد دولتنا على الأرض ، وضرب وحدة وتراث الفكر السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير وعمودها الفقري "حركة فتح " ، التي يجب والقوى الوطنية الشريكة أن تستنهض حالتها وتصويب اوضاعها لترتقي الى مستوى مواجهة الاحداث الجارية ، من خلال التمسك بتاريخ مسيرة الكفاح الوطني الذي قدم فيه شعبنا قافلة طويلة من الشهداء والاسرى بمراحل معقدة من ظروف العمل ، التي بالتأكيد رافقتها بعض الأخطاء التي قد تحصل في صفوف اي ثورة بالعالم ، اخطاء يجب تجاوزها دون البحث عن تبريرات لها الآن. 

حركتنا الوطنية ايضا راكمت انجازات واضحة حققنا فيها صمود شعبنا ومقاومتنا باشكالها المختلفة  من خلال مراحل الثورة والانتفاضتين والعمل السياسي والمقاومة الشعبية في زمن الاحتلال  ، وثبات شعبنا في وطنه الذي لا نملك سواه  ، وهو ما يتوجب الحفاظ عليه وتطوير اساليبه وادواته وفق رؤية متجددة تاخذ بالاعتبار التطورات الجارية بالعالم والمنطقة وتعتمد تقييم جريئ لتجربتنا الكفاحية الطويلة بهدف تحصينها اليوم ، أمام اقتراب انتهاء عهد القطبية الواحدة في هذا العالم والبناء على ما سيرافق ذلك من متغيرات بغرض الاستفادة منها .

ان اعتراف العالم بهويتنا الوطنية وبوجودنا في كل المحافل الدولية لتمثيل شعبنا ولفضح جرائم الاحتلال العنصري وحصاد التضامن الدولي من خلال التعاون مع الأصدقاء الديمقراطيين والتقدميين بالعالم من حكومات وشعوب واحزاب ونقابات الذين تحركوا لمناصرتنا خاصة بالفترة الأخيرة ضد جرائم التطهير العرقي والابرتهايد بمظاهرات وفعاليات حاشدة في كل معظم مدن العالم كما كان يحدث سابقا  ، هو امر يجب البناء عليه بشكل متواصل باعتبار اننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني لانهاء الاحتلال ، وذلك دون حصر العلاقات مع الجهات الرسمية في تلك الدول فقط رغم أهميتها ايضا بالمفهوم الدبلوماسي ،  من اجل احراج وعزل دولة الاحتلال وطابعها الفاشي والعنصري.

هذا التضامن الدولي الشعبي والذي كان اخره قرار البرلمان الكاتالوني حول دولة الابرتهايد وقبله قرارات البرلمانات الأوروبية لدعوة حكوماتها للاعتراف بدولة فلسطين إضافة إلى العديد من مواقف بلديات أوروبية والقرار الاوروبي مؤخرا باعادة تقديم مساهمته المالية ، أدى الى احداث بعض التغير حتى في سياسات بعض الدول الاوروبية او على الاقل منع انحدارها بالعلاقات مع اسرائيل ، هو أيضا نتيجة للعمل الوطني السياسي العقلاني المقاوم لقوى شعبنا ولمؤسسات دولتنا في مواجهة اعتى القوى والامبراطوريات التي قلنا  لمشاريعها التي تنتقص من حقوقنا الثابتة الوطنية  " لا " من خلال ثبات مواقف قيادتنا السياسية في منظمة التحرير ورؤيتنا الواضحة لاطلاق اي مسار سياسي جدي يحقق السلام دون استمرار الاحتكار الأمريكي المنحاز لاستدامة الاحتلال في مضمونه. 

كما ايضا هنالك ضرورة لوضع مزيدا من الضغط على الأوروبيين وحتى الإدارة الأمريكية لتحركهم من أجل إتاحة الفرصة امام شعبنا باستكمال الآليات الديمقراطية للانتخابات العامة وفق الاتفاقيات الخاصة بذلك بما فيها القدس المحتلة ، بعد ان انجزنا انتخابات المجالس المحلية رغم منع القوة القائمة بالانقلاب في اجرائها بالرئة الجنوبية من الوطن الواحد ، لوضعهم أمام مسوؤلياتهم الاخلاقية بالغرب  بشأن ادعائتهم بخصوص الديمقراطية وحقوق المواطن  . 

هذا النهوض من التضامن الدولي الذي يجب ان يُستثمر في اشاعة روايتنا التاريخية أمام زيف الرواية الاسرائيلية التوراتية المزعومة التي تلاقي قبولا لدى اوساط غربية وفق إمكانيات الإعلام الواسعة ، يتطلب قيامنا بتوسيع قاعدة علاقاتنا مع هذه القوى وادواتها لفضح إسرائيل كدولة فوق القانون الدولي ومضمون هذه الدولة الاستعماري . 

هذا ما يجب ان يستمر من موقف أمام العالم ، بالتمسك بقولنا " لا " العقلانية والواقعية أمام مشاريع بعض القوى وخاصة الولايات المتحدة والتي تستهدف حقوقنا التاريخية السياسية دون ان تنهي الاحتلال الاستيطاني كاملاً الذي يشكل جذر المشكلة وعدم الاستقرار في منطقتنا .

ورغم اشتداد أشكال الضغوطات والتاَمر السياسي علينا ، فإن شعبنا صاحب المئة الف شهيد لن يقبل بأقل من تنفيذ حقوقنا الغير قابلة للتصرف وبالمقدمة منها حقنا في تقرير المصير وتنفيذ القرارات الاممية وأولها القرار ١٩٤ بخصوص قضية لاجئينا الذين شردوا من ديارهم الأصلية،  وتجسيد دولتنا التي يجب أن نحقق فيها وحدتنا وقيم الديمقراطية والعدالة والتقدم الاجتماعي واستقلالنا الوطني من هذا الاحتلال القذر الذي يجب ان يتصدر مطلب انهائه حديثنا ومشاوراتنا السياسية أمام ومع الجميع ، كاولوية وطنية وسياسية لنا قبل الخوض باي تفاصيل ، وذلك لمنع استدامته وفق محاولات فرض اجراءات شكلية هنا وهنالك سياتي بها الرئيس بايدن تحت عناوين مختلفة في اطار سياسة ادارة الازمة فقط وحماية امن اسرائيل وتطوير ادوارها بالمنطقة وفق ما ذكرته سابقا ، ما يؤهل لتنفيذ مشروع  "إسرائيل الكبرى " التي تسعى له الحركة الصهيونية العالمية وحلفائها من تاسيس هذه الدولة الاستعمارية التي عملت على استغلال المسألة اليهودية والتحريض خلال العقود الماضية حتى الآن بموضوع عدم الخراط اليهود في مجتماعاتهم ودفعهم إلى الهجرة الاستيطانية إلى جانب موضوع فزاعة واكذوبة ما يسمى بمعاداة السامية وحتى الهولوكوست والتي تورطت بها جهات دولية أخرى في فترات مختلفة من الزمن .

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.