يلا نحكي: تخليد الانقسام بالانفصال الكياناتي
مرت في الأسبوع الفارط الذكرى الخامسة عشر على الانقسام الفلسطيني السياسي دون وجود أفق لإنهائه أو لآليات تُمكّن من التوصل مستقبلاً لحلول محتملة تستعيد الوحدة وتنهي الانقسام، بل على العكس تماماً يتم تعزيز الانقسام ليصبح الانفصال السياسي خالدا كما هو الانفصال الجغرافي قائما.
وفي الذكرى الخامسة عشر للانقسام لم يعد التطرق أو الحديث المعسول عن المصالحة وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة أمام وسائل الاعلام، أو عقد لقاءات في ردهات القصور أو قاعات الفنادق وبهوها أو غرف أجهزة الأمن من عاصمة عربية إلى أخرى أجنبية بعد أن تبخرت الجهود التي قادتها الجزائر الشقيق بداية هذا العام، للقول إن الأطراف الفلسطينية ما زالت ترغب في إنهاء الانقسام للضحك على ذقون الفلسطينيين ومنحهم الأمل بزواله.
فالتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني على طريق الحرية من أجل إعمال حقه في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الديمقراطية وحقه في العودة وفقا للقرارات الأممية باتت وهماً في ظل هذا الانفصال الكياناتي الذي تم ترسيخه في الخمسة عشر عاماً بترسيم كيانين سياسيين في التجمعيين الرئيسيين للبقعة الجغرافية الممكنة لإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة المتخيلة؛ الكيان الأول في قطاع غزة، حيث يتشكل فيها نظام سياسي؛ حكومة "لجنة متابعة العمل الحكومي ومجلس تشريعي "كتلة حماس" ومؤسسات حكومية وقضائية متكاملة الأركان، يتمتع بسيطرة على الأرض والسكان. لكنه في بالحصول على الاعتراف الدولي، وفي فرض هيمنته على الفضاء الاجتماعي ببسط قيم جماعة المسيطرين على الحكم التي يؤمنون بها؛ فلا هو قادر على أن يكون على غرار طالبان الأفغانية أو أردوغان التركي كنماذج متعارضة للحكم الإسلامي. والكيان الثاني في الضفة الغربية لديه أركان النظام السياسي؛ رئيس دولة وحكومة ومؤسسات حكومية وقضائية متكاملة الأركان، ويحظى باعتراف دولي دون سيطرة "سيادة" على الأرض، وينقصه المجلس التشريعي الذي بات يستعيض عنه بالمجلس المركزي. ويحاول أن يهمين على الفضاء الاجتماعي بخلاف قيم الدولة المستند إليها في حكمه سواء تلك القيم المجسدة في وثيقة إعلان الاستقلال أو المجسمة في القانون الأساسي.
كلا الكيانين لم يقدما نموذجاً يعبر عن أحلام الفلسطينيين، ولا هما يرغبان في دفع أثمان استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام لوقف استعصاء الحالة الفلسطينية، بل هما يلهثان لتكريس سلطتهم، وزيادة غنائمهم المادية، ويتسابقان لتوسيع نفوذهم وسلطتهم للاستحواذ على مقدرات الشعب الفلسطيني ولإضاعة ما تبقى من أحلامه بالانعتاق من الاحتلال وبمستقبل أفضل لأبنائه، وذلك لتخليد الانقسام بالانفصال الكياناتي.