إنجازاتنا وأوهام إنجازاتهم
مقالات

إنجازاتنا وأوهام إنجازاتهم

ثمّة شعور عارم لدى النخب المجتمعية والسياسية الفلسطينية، بالإحباط والتشاؤم إزاء مجريات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على خلفية استمرار وتعمّق الأزمات التي تعصف منذ كثير من الوقت بالحركة الوطنية الفلسطينية والنظام السياسي.
يتعمّق هذا الشعور حين يتبصّر الإنسان ما يجري حوله في المنطقة والإقليم من تطورات، لم يكن يتخيّلها في أسوأ كوابيسه قبل سنوات.
المنظومة العربية الرسمية تنهار أمام السياسات الأميركية، الداعمة لإسرائيل والتي تحقق الإنجاز تلو الآخر، عبر اتفاقات سلام مزعوم، لا تحمل الحدّ الأدنى من الخير للعرب أو الفلسطينيين.
المشهد على هذا النحو سوداوي انطلاقاً من تضارب وصراع السياسات والاستراتيجيات على المستوى الفصائلي والسلطوي والرسمي الفلسطيني، ما يتيح لإسرائيل التقدم بمخططاتها على مختلف الجبهات.
بالكاد تجد من يقرأ الأوضاع، من خلال نصف الكأس الممتلئ، لكن الأمر سيختلف حين يقف الإنسان أمام المشهد بكلّيته وفي إطار رؤية غيرة مستعجلة للصراع ومآلاته، وبمقارنة اليوم بالأمس بالنسبة لمكانة القضية الفلسطينية، ومكانة الشعب الفلسطيني.
كنت أتمنّى لو أن مركزاً أكاديمياً، أو مجتمعياً فلسطينياً يختص بمتابعة الحراكات التي تحصل على مستوى المجتمع الدولي، وتتّسع دوائره في الاتجاه الذي يلاحظ ما تحققه القضية الفلسطينية على مستوى تعميق وتفعيل وعي المجتمعات الدولية، إزاء مكانة وهوية وطبيعة الاحتلال الصهيوني وسياساته وروايته المزوّرة للصراع.
من قلب المعاناة، التي تتحمل عنها المسؤولية، الفصائل والسياسات العامة لا بد من تسجيل ملاحظة مهمة وأساسية، وهي أن الشعب الفلسطيني موحَّد، وراسخ ومتجذّر في الأرض، وعميق الالتزام بحقوقه وعدالة قضيته، ومستعد أكثر من أي وقتٍ مضى لمواجهة التحدّيات والمخططات الصهيونية.
لم أسمع يوماً، ولا أرجّح أن أحداً سمع فلسطينياً يساوره الشك حول وجود الشعب الفلسطيني، بينما تجتاح الشكوك حتى الطبقة السياسية في إسرائيل مخاوف حول وجودها، وعمرها المفترض.
كيف يمكن أن تتسّرب مثل هذه الشكوك والمخاوف لشعب موجود على أرضه يقاوم ويدفع الثمن، وهو جزء من أمة عربية عظيمة، حتى لو أن أنظمتها السياسية وقياداتها، غادرت منذ زمنٍ منطق العقل، والمصلحة القومية، لصالح المنطق القبائلي، ودفع أثمانٍ باهظة مقابل ولشراء أوهام الأمن والاستقرار وضمان المصالح القطرية والخاصة؟
إسرائيل ليست أبداً دولة محصّنة، إذ إنها بحكم تركيبتها المجتمعية والسياسية، والجينية، تعاني من أزماتٍ متعددة، لا يخفف منها أبداً، ما تحققه أو تدّعيه من إنجازات على الصعيدين العربي والإقليمي.
في غمرة الإنجازات، يسقط نتنياهو، ويعاني النظام السياسي من غياب القدرة على انتخاب حكومة مستقرة، وفي غمرة الإنجازات الموجودة والمرتقبة، تسقط حكومة «الكوكتيل»، وتعلن فشلها، لتبدأ الأزمة من جديد.
إذا فشل نتنياهو في منع الكنيست من الموافقة على قانون حلّ نفسه، والذهاب إلى الانتخابات فستكون الخامسة خلال أربع سنوات.
يقول نتنياهو إنه سيعمل على تشكيل حكومة من اليمين بأمل أن يجد متمرداً أو أكثر من الائتلاف الحكومي، يقبل الرشوة مقابل الانحياز لـ «الليكود».
في الحقيقة فإن وزير الجيش بيني غانتس يدعو لتشكيل حكومة وحدة من اليمين واليسار، غير أن هذه الاحتمالات، وبالرغم من أن كل الاحتمالات واردة، تحظى بصفر فرصة، حسب إيلي كوهين من «الليكود».
مرض الذاتية والحسابات الخاصة والحزبية ليس حكراً على الفلسطينيين أو العرب، وإنما هو كما يتضح مرض إسرائيلي أصيل، فالطبقة السياسية في إسرائيل التي يسيطر عليها اليمين بالكامل، لا تختلف على الاستراتيجيات وكلها تعمل على تحقيق المخططات الصهيونية العنصرية والتوسعية.
المهم لزعماء المرحلة الإسرائيليين، أن يسجل في سيرته الذاتية، أنه كان يوماً رئيساً للحكومة، هكذا حصل بالنسبة لبينيت، وهكذا قد يحصل للابيد، وهو أمل لغانتس وساعر.
الانتهازية انتقلت على نحوٍ مخجل لمنصور عباس، الذي لم يعد لديه خطوط من أي لون، فهو يعود ويصرّح بأنه مستعد للانضمام إلى أي حكومة بما في ذلك التي يشكلها نتنياهو مع بن غفير، أو أي شخصيات موتورة أخرى.
مجريات أزمة النظام السياسي في إسرائيل تكرّس كلّ يوم، أنها أحد التعبيرات الواضحة عن الأزمة الوجودية، التي لا تنفع في معالجتها، كل أشكال وأنواع الدعم الأميركي والغربي، وحتى العربي.
يتجلّى كل يوم أمام الجميع أن هذه دولة الجيش والأمن، التي شكلها ويديرها، ما يخالف قوانين طبيعة تشكل المجتمعات والهويات القومية.
دولة الجيش الذي لا يُقهر، والإمكانيات الأمنية والاستخبارية، والتكنولوجية الهائلة تسقط كما تدّعي صحيفة «يديعوت أحرونوت»، بسبب الخلافات التي عصفت بحكومتها، وأدّت إلى تفكّك الائتلاف، على خلفية العمليات التي وقعت في الداخل المحتل خلال الأشهر المنصرمة.
ليس الائتلاف الذي يتفكك فقط ويؤدي إلى سقوط حكومة «الكوكتيل»، بل إن أحزاب الائتلاف تشهد هي الأخرى تفكُّكاً، واحتجاجات، إذ يشكل إعلان كل من غيداء ريناوي زعبي، ومازن غنايم، أنهما لن يترشّحا في الانتخابات المقبلة، يشكل ذلك مجرد مؤشر نحو مزيد من حالات التمرد.
بالنظر إلى نصف الكأس الممتلئ، أدعو لمتابعة انعكاسات السياسات الاحتلالية العنصرية على المجتمع الدولي إذ لا يكاد يمرّ يوم إلّا وتنحاز مؤسسة أو دولة أو حزب لصالح وصف إسرائيل بالعنصرية والدعوة لمحاسبتها.
في الواقع لم تبقَ مؤسسة أممية لها علاقة بحقوق الإنسان، والعدالة، إلّا وعبّرت عن رفضها وإدانتها للعنصرية الإسرائيلية، ليس فقط تجاه الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس وغزة، وإنما في إسرائيل ذاتها.
قبل أيّام أصدر مؤتمر الحزب الديمقراطي في كارولاينا الشمالية، بياناً، يحمل عدداً من القرارات، التي تتطابق مع أي بيان يصدره فصيل فلسطيني بحق العنصرية الإسرائيلية وسياساتها الاحتلالية.
وفي ظل الإنجازات الإسرائيلية الموهومة تتخذ النرويج قراراً بوسم البضائع القادمة من المستوطنات.
وفي سابقة قانونية جريئة، تتوجّه لجنة مناهضة التعذيب لمحكمة الجنايات الدولية، بشكوى ضد إسرائيل وتتهمّها بتنفيذ جرائم حرب فيما يتعلق بالمعتقلين والأسرى الفلسطينيين، وتطالب بالمحاسبة.
ألا يدعو ذلك للتفاؤل، ويطالب الفلسطينيين بتكثيف جهودهم في العمل على تغيير وعي وسلوك المجتمعات التي تتجاهل أنظمتها السياسية الحقوق الفلسطينية؟.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.