في ملف شيرين.. أصابت السلطة قليلاً وأخطأت كثيراً
أصابت السلطة حين رفضت مشاركة إسرائيل في لجنة تحقيق، وأصابت حين أدانت الجيش الإسرائيلي مباشرة في قتل شيرين، وأصابت حين ذهبت الى محكمة الجنايات الدولية، ولو بقيت عند هذه الإصابات لكسبنا قضية شيرين، ولأصبحت تعبيرا نابضا ومقنعا عن جرائم الاحتلال الذي قتل كثيرين قبل شيرين وكثيرين بعدها، ذلك أن الاحتلال هو قتل مستمر لشعب ووطن وحاضر ومستقبل، غير ان المبالغة في اظهار "أمريكية شيرين" وهي الفلسطينية بالجملة والتفصيل وعمق الانتماء، انطوى على سطحية مفرطة في السعي وراء موقف امريكي يتطابق او حتى يقترب من الموقف الفلسطيني في ادانة الجيش الإسرائيلي، وهذا ما يمكن اعتباره اول المستحيلات حتى لو ادان عدد من أعضاء الكونجرس الواقعة، دون الإشارة المباشرة الى ان الجيش الإسرائيلي هو من فعل ذلك.
وأخطأت السلطة حين انساقت وراء الجهد الإسرائيلي المنسق مع الأمريكي لترجيح الجانب الجنائي على السياسي في الواقعة، فاكتسبت "الرصاصة" التي قتلت شيرين وضع بطل المشهد، وظهرت مصطلحات تقال عادة في جرائم القتل العادية، مثل فحص الرصاصة ومطابقتها مع البندقية ومن اين جاءت.
وطُلب من الأمريكيين المشاركة في التحقيق فكان ان اعيد تمثيل حكاية تحكيم ابي موسى الاشعري، فخلع الأمريكي روايتنا وثبت رواية صاحبه الإسرائيلي.
لو ان السلطة استعادت وقائع مماثلة حدثت في العديد من عمليات القتل الإسرائيلية من الدرة الى غيره لما دخلت في متاهات التحقيق الجنائي، لأن ذلك افسح في المجال امام الرواية الإسرائيلية الكاذبة أساسا، ومنحها مزيدا من الوقت كي تعمم ادعاءاتها، وفي هذا المجال تملك إسرائيل إمكانيات دعائية متفوقة، فإن لم تكن قادرة على قلب الحقيقة فهي قادرة بالتأكيد في التشويش عليها.
لقد نقلت إسرائيل ومعها أمريكا القضية الى متاهة لها اول وليس لها آخر، ونهضت في السياسة ووسائل الاعلام طروحات سوقتها إسرائيل كمسلمات يقينية مثل ... الفلسطينيون يقاتلون في المناطق المأهولة بالسكان وهذا يحملهم مسؤولية الذي يحدث من سفك دماء ودمار وترويع مع ان وجود الاحتلال بحد ذاته يعني بداهة ان جيشه لا يعمل الا في الأماكن المأهولة بالسكان، ذلك ان مخيم جنين ليس حياً من احياء تل أبيب.
امتلأت الصحف الفلسطينية بتصريحات الإدانة للموقف الأمريكي وكأننا كنا بحاجة الى استدعاء لجنة أمريكية للتحقيق واصدارها بيانا متطابقا مع الرواية الإسرائيلية كي نثبت انحيازها ولنندد به!... "شيء أقرب الى النكتة".
كشفت حكاية الرصاصة ولجان التحقيق والكلام الكثير الذي رافقها، ان السطوة الامريكية مستقرة في تلافيف دماغ السلطة وسلوكها، حتى صديقي نبيل أبو ردينة الذي ادان الموقف الأمريكي وكان محقا في ذلك، وقع في خطأ الطلب من أمريكا ان تكون اكثر توازنا في مواقفها فمن اين يأتي التوازن وامريكا لا تكف عن توجيه الرسائل الصريحة للعالم والفلسطينيين بالذات بأن لإسرائيل ظالمة او ظالمة الأولوية القصوى في السياسة الامريكية، وانها الحليف فوق الاستراتيجي التي يحرّم مجرد الضغط عليها ولو بالكلام.
ثم ما جدوى المطالبة بالتوازن بعد ان انطلقت الرصاصة من البندقية، وهيهات ان تعود الى مخزنها بناء على طلب صديقي أبو ردينة، هل يتوقع ان تعتذر الإدارة عن تصريحاتها مثلا؟؟!!.
بعد أيام سيزورنا الرئيس بايدن، لا تملك السلطة ترف الحرد عن استقباله بل ولا يجوز ذلك، الا ان ما يحتاج فعلا الى تدقيق لا أخال السلطة راغبة فيه، هو معرفة حجم وعمق العلاقة بين أمريكا وإسرائيل لتعرف حجم الرهان على توازن امريكي ومدى واقعيته.
بكل اسف فبعد الذي حدث فان واقعة شيرين مع انها كانت تمتلك مقومات قوية لان تواصل التأثير، الا ان تذويبها في اللجان والتعاطي الجنائي اضعفها كثيرا وكثيرا جدا.