يلا نحكي: التغيرات على المجموعات المسلحة
أظهرت أحداث محافظة جنين ومن ثم مدينة نابلس تغييرات على بنية المجموعات المسلحة الفلسطينية في صدامها مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي وطبيعة العلاقات فيما بينها العابرة "للقوى السياسية" أو بالأحرى المندمجة فيما بينها دون النظر للخلفيات الفكرية والخلافات السياسيات بين مرجعياتها السياسية.
كما أنَّ أغلب الذين ينتمون لهذه المجموعات هم من الشبان الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ 25عاماً، والذين لم تكن لدهم تجربة مسبقة؛ أيّ أنَّ أغلبهم لم ينخرطوا في أعمال قتالية أو نضالية في الانتفاضة الشعبية عام 1987 أو انتفاضة الأقصى عام 2000. لكنهم في ذات الوقت لديهم شعور موحد يتعلق بطبيعة الاحتلال ذاته وممارساته، وتطلعهم للحرية والمساواة مع أبناء جيلهم في أنحاء المعمورة؛ وبرفضهم للقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي وللتطهير العرقي الذي يمارسه الاستعمار اليهودي وللتمييز العنصري الممارس من قبل سلطات الاحتلال وحكومته، وبدفاعهم عن حقهم بتقرير المصير المُعبر عن الشعور الوطني الجامع. ناهيك عن غياب الأفق السياسي لعملية التسوية، وانعدام الأمل لدى الشباب بمستقبل أفضل منشود، واستمرار الأزمات الاجتماعية والاقتصادية؛ كالبطالة المتفشية بين الشباب وضعف الوظائف والأعمال وفقا للمؤهلات التي يحملوها الشباب الفلسطيني، وأعبائها على المواطنين الفلسطيني، واعتبار نسبة كبيرة من المواطنين أنَّ السلطة تحت الاحتلال باتت عبئاً على القضية الوطنية ولن تتمكن من التحول بشكلها الحالي إلى الدولة المستقلة التي توفر الأمن والازدهار والرفاهية الاجتماعية للمواطنين.
تتميز هذه المجموعات بكونها منفصلة أو شبه منفصلة؛ كتلك المجموعات التي يشكلها الشباب الفتحاوي، وهي لا تتلقى دعماً من التنظيم السياسي أو تعليمات حول عملها تقدماً أو تراجعاً بل أنَّ البعضَ منهم يعبر عن معارضته للسياسات المعلنة أو لبعض القيادات السياسية القائمة. في المقابل فإنَّ المجموعات الأخرى التي تنتمي إلى حركتي الجهاد الإسلامي حماس متصلة أو شبه متصلة بالجهاز العسكري المركزي لهما وتتلقى الدعم المادي منه في حين لديها مساحة من حرية التقدير ميدانياً تقدماً أو تراجعاً في الاشتباك وطريقته.
يتمايز العمل الميداني في المواجهة مع قوات الاحتلال وجنوده من موقعة إلى أخرى؛ فغالبا تكون عملية التصدي لقوات الاحتلال داخل المدن مشتركة أي بتنسيقٍ بين هذه المجموعات سواء كان مسبقاً أيّْ منظماً أو لحظياً، فيما العمليات ضد قوات الاحتلال في الضفة الغربية أو في الأراضي المحتلة عام 1948فغالباً ما تكون دون تنسيق مسبق، حيث أنَّ أغلب هذه العمليات هي بالأصل فريدة أو تتصف بالفردانية.
تقوم العلاقة بين هذه المجموعات في بدايتها على العلاقة الشخصية كما هو الحال في مدينة جنين ومخيمها؛ حيث تجمعهم علاقات عائلية أو مصاهرة بالإضافة إلى طبيعة الظروف الصعبة التي عاشها سكان المخيم والمدنية أثناء الاجتياح عام 2002 التي وطدت العلاقات بين هذه العائلات من جهة، وجعلت نموذج المجموعات المشتركة في التصدي لقوات الاحتلال أثناء الاجتياح أيقونة يحافظ عليها الأبناء أو أولئك الصغار الذي وجدوا أنفسهم يشاطرون بعضهم البعض ألم التهجير أثناء الاجتياح أو الذين فقدوا آبائهم أو أخوتهم أو أحبتهم من جهة ثانية. ومن جهة ثالثة أضافت رمزية عملية الهروب المشترك للنجوم الستة من سجن جلبوع متانة العلاقات الميدانية للمجموعات المسلحة في محافظة جنين.
وإنْ كان هذا الأمر طبيعياً في محافظة جنين فإنَّ الأمر مختلف في مدنية نابلس حيث أنَّه نادراً ما توجد علاقات متميزة بين المجموعات المسلحة التي تنتمي لقوى أو توجهات سياسية مختلفة، إلا أن نموذج العلاقات بين المجموعات المسلحة في جنين كان سبباً جوهرياً في هذه العلاقات بين المجموعات من حيث زيادة القوة والقدرة بتبادل الإمكانيات أيّ الاستفادة من الامكانيات المادية/ العسكرية المتوفرة لدى بعضها، أو من النفوذ الحاصل لبعضها الآخر للحماية من الضغوطات المحلية، إضافة إلى الضغط على هذه المجموعات من قبل الاحتلال الإسرائيلي وانكشافها كما حدث في اغتيال قوات الاحتلال لثلاثة عناصر من كتائب شهداء الأقصى في منطقة المخفية بداية هذا العام مما زاد من ضرورات التنسيق أو الولوج إلى تفاهمات لطريقة عملها وحماية ذاتها.
إنَّ فهم التحولات على المجموعات المسلحة يتطلب فهماً عميقاً إضافياً للأسباب المؤدية لعودة هذه الظاهرة في الأصل، والتغييرات على البنى الاجتماعية والاقتصادية تحت الاحتلال ومفاعيله، والقدرة على التصدي له خاصة في المناطق المصنفة ألف وفقاً للاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية المرحلية، وفهم معنى الكرامة الوطنية لدى الشعوب المقهورة.