الموقف الفلسطيني والعربي بدد أوهام بايدن وأكد مركزية القضية الفلسطينية
انتهت جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشرق الأوسط دون أن تحقق أي شيء دراماتيكي أو تترك آثارا ً تدل على تحقيق شيء ما. ولا أجازف إذا قلت بأنها كانت زيارة بروتوكولية باهتة.
وإذا كان بايدن قد تعلم شيئا ً من هذه الزيارة فإنه أدرك بأن القضية الفلسطينية هي العقبة التي لا يمكن تجاوزها أو إغفالها وأنها هي المفتاح للأمن والاستقرار في المنطقة.
لقد بدا واضحا ً أن الرئيس بايدن يتبنى عن قناعة ادعاءات إسرائيل بأن الوقت غير مناسب لإحياء العملية السياسية وكرر قول ذلك سواء في القدس المحتلة أم في بيت لحم حيث كرر قوله "أنا شخصيا ً ما زلت أؤيد حل الدولتين لكن من الواضح لي أن هذا لن يحدث قريبا وأنا أعرف بأن حل الدولتين يبدو بعيدا ً جدا ً" ثم عاد وردد في المؤتمر المشترك مع الرئيس عباس بأن الأرض ليست خصبة لإعادة احياء العملية السياسية وحل الدولتين.
وإذ يقول بايدن هذا الكلام فإنه يغفل أو يتغافل عن حقيقة أن الوضع على الأرض متغير باستمرار وأن استمرار الأنشطة الاستيطانية والإجراءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس "تقوض حل الدولتين" – كما قال الرئيس عباس- وينسف فرص الحل السياسي.
فالقول بأن الوقت غير ناضج لأحياء العملية السياسية أو أن التربة ليست خصبة للعمل لإحيائها هو قول لا يمكن تبريره على الصعيد السياسي إلا اذا كان مقرونا ً بوقف وتجميد كافة الأنشطة الاستيطانية والإجراءات والتشريعات التي تُحدث تغييرا ً في الواقع على الأرض، والبدء بإجراءات في الاتجاه المعاكس لتفكيك البنية التحتية للاحتلال وخلق المناخ المناسب للحل السياسي.
وعلى أية حال فإن كل من تابع لقاءات بايدن على الجانب الإسرائيلي والتصريحات التي رافقتها يلاحظ بأن هذه الزيارة جاءت خالية من المضمون وأنها زيارة شكلية وأن أقصى ما يمكن أن يكون بايدن يطمح إليه هو الرياء المفضوح ليهود أمريكا عشية انتخابات النصف للكونغرس التي ستُجرى في نوفمبر القادم علما بأن بايدن يواجه مشكلة كبيرة في بلاده حيث أن هناك أغلبية متزايدة في الحزب الديمقراطي غير راضية عن أدائه وخاصة الشباب الذين يتبنون مواقف أكثر ليبرالية من الأجيال الأكبر سنا ً ، وأنه حسب استطلاعات الرأي الأخيرة في أمريكا فإن 74% من الأمريكيين لا يؤيدون ترشيح بايدن لفترة رئاسية ثانية.
لقد كان بايدن مبتذلا ً في لقاءاته مع الإسرائيليين ومبالغاً في مجاملتهم، مع أن الإسرائيليين الذين التقى معهم باستثناء الرئيس الإسرائيلي اسحق هيرتسوغ لا يتمتعون بالقوة التنفيذية فهم في حكومة تصريف أعمال وفرصهم في البقاء وراء عجلة القيادة تبدو ضئيلة جدا.
وقد كان يعلم قبل حضوره بأن لا قيادة مستقرة أو دائمة في إسرائيل ولكنه برر مجيئه بالقول بأن زيارته هي للشعب الإسرائيلي وليست لحكومته وهذا يؤكد الانطباع بأن زيارته هي لأهداف سياسية داخلية أمريكية تستهدف استدرار دعم الجالية اليهودية لحزبه من جهة، ولأنه أراد أن يتوج حياته السياسية، وهي في نهايتها، بإعلان أنه الصهيوني غير اليهودي الذي أفنى شبابه وشيخوخته في اللهاث وراء الحركة الصهيونية، وقد أفه ذلك على أنه إماطة اللثام عن انتمائه لليمين المسيحي الأكثر صهيونية من اليهود الصهاينة أنفسهم.
لقد حاولت إسرائيل اقصاء الموضوع الفلسطيني الى هامش زيارة بايدن واختزاله بأنه قضية مساعدات مالية تُنسي الفلسطينيين قضيتهم ، والتركيز على مسألة التطبيع مع الدول العربية وتوسيع نطاق ما يسمى اتفاقات أبراهام، ولكن المحصلة جاءت عكس ذلك. فقد فرض الموضوع الفلسطيني نفسه سواء هنا في الأراضي الفلسطينية أو فوق الأراضي السعودية وبحضور عربي بارز.
لقد حددت الكلمة المقتضبة التي ألقاها الأخ الرئيس عباس في المؤتمر الصحفي المشترك مع بايدن وبشكل قوي وواضح كافة المحاور والمرتكزات التي يقوم عليها الموقف السياسي الفلسطيني، وسلطت الضوء على بشاعة الممارسات الإسرائيلية ضد شعبنا وضد السلام، وطالبت بأهمية إعادة تثبيت الأسس التي قامت عليها عملية السلام والمتمثلة بقرارات الشرعية الدولية وهي الأسس التي حاولت وتحاول إسرائيل والإدارة الأمريكية في السنوات الأخيرة التحلل منها وتمييعها وتغيير مرجعية واطار أية تسوية سياسية مستقبلية.
ولقد جاءت كافة الكلمات التي أدلى بها الملوك والرؤساء العرب الذين شاركوا في "قمة جدة للأمن والتنمية" تصب في خانة واحدة، خانة التأكيد بأن لا تطبيع ولا سلام ولا استقرار في المنطقة إلا بحل القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
وقد جاء ذلك وبشكل قاطع على لسان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذين أكدوا بأن لا تطبيع ولا استقرار بالمنطقة إلا بعد تنفيذ مبادرة السلام العربية، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. وليس أدل على خيبة أمل إسرائيل من تلك القمة أكثر من البرود الذي تناولت به تغطية أخبارها وفقدان الحماس الذي كانت تتعاطى به مع زيارة بايدن في بدايتها حيث كانت تحاول تحميل هذه الزيارة أوهام وأحلام الإسرائيليين بالتطبيع واختراق العالم العربي وتصفية القضية الفلسطينية.
وإذا كانت زيارة بايدن قد حققت عكس ما كانت تهدف اليه إذ أعادت القضية الفلسطينية الى المركز السياسي في المنطقة، فإنه لا بد من جهة ثانية الترحيب بالدعم المالي الذي قدمته الى شبكة مستشفيات القدس والأونروا ، وأنا أستغرب مهاجمة البعض لذلك لأن علينا أن لا نرفض أي دعم أو مساعدات غير مشروطة وقبولنا لتلك المساعدات لا يعني تخلينا عن حقوقنا أو عن اصرارنا على مواصلة النضال حتى تحقق اهدافنا الوطنية ، ولا بد من فهم أن أية مساعدات لشعبنا تخفف عنه العبء وتساعده على الاستمرار في الصمود فوق أرضه هي مساعدات مباركة أيا ً كان مصدرها فهي حق لنا ونرحب بها. بل وبنفس الوقت لا بد من استمرار الضغط لتحقيق المزيد مما يمكن أن يخفف الأعباء عن كاهل أبناء شعبنا.
وأخيرا ً أقول بأنه لا بد من جولة للرئيس عباس وبأقرب وقت ممكن، يطوف بها عواصم الدول العربية التي وقفت معنا في قمة جدة لشكر هذه الدول من جهة ولتوطيد أواصر العمل المشترك معها من أجل فلسطين ومن أجل القدس ومن أجل تبديد أوهام الإسرائيليين وإفشال التطبيع المجاني معهم.