مبادرة الإنقاذ
مقالات

مبادرة الإنقاذ

عندما يغيب الأفق السياسي ‏عن الحالة الفلسطينية ‏المتأزمة. وتتفاقم الازمات الداخلية.. ‏المعبر عنها بالاضرابات، ‏وتعثر ان لم نقل غياب سلطة ‏القانون، كسلطة مركزية ‏قادرة على معالجة الخلل ‏المتفشي في كل جوانب ‏الحياة في مجتمعنا ‏المضطرب.‏


وحين يتمادى الاحتلال في ‏تثبيت امره الواقع بعمل ‏منهجي ودؤوب لفرض ‏سيطرة عميقة وطويلة الأمد ‏على الشعب الفلسطيني ‏مستخدما العصى الغليظة ‏والجزرة، في سباق مع ‏الزمن لجعل إمكانية قيام ‏دولة فلسطينية مستقلة أقرب ‏الى المستحيل.‏


وعندما يذهب العرب الى ‏تطبيع بأشكال ومسميات ‏مختلفة مع إسرائيل بتنسيق ‏تقوده الولايات المتحدة، ‏وعندما تتبنى أمريكا ‏الديموقراطية حل الدولتين ‏مع وقف التنفيذ وامريكا ‏الجمهورية صفقة القرن مع ‏التأجيل.‏


عندما يحدث كل ذلك دفعة ‏واحدة يتساءل الفلسطينيون ‏جميعا بما في ذلك سلطتيهم ‏في الضفة وغزة، وطبقتهم ‏السياسية وما تبقى من ‏منظمة التحرير، وحتى في ‏المنافي القريبة والبعيدة.. ‏يتساءلون ما العمل في ‏مواجهة هذه الجائحة ‏السياسية المتزامنة بمحض ‏الصدفة مع الجائحات ‏الصحية وجائحة الحرب ‏الكونية المنطلقة من أوكرانيا ‏والممتدة على مساحة الكون ‏كله.‏


سلطة الامر الواقع في غزة ‏لا جواب لديها سوى ما هي ‏عليه، مرغمة على انتظار ‏تطورات ما لتخفيف ازمات ‏الحياة الخانقة المطبقة على ‏عنق غزة وأهلها.‏


والسلطة الرسمية في الضفة ‏لديها جواب يزيد الفراغ ‏فراغا فهي تصف ما تفعله ‏إسرائيل بالقرصنة والعدوان، ‏وتناشد المجتمع الدولي ‏بالتدخل وكأن ما تفعله ‏إسرائيل مجرد عدوان على ‏قرارات الأمم المتحدة!!‏


رهانات سلطة غزة وسلطة ‏رام الله هي من الهشاشة ‏والضعف بحيث لا يبنى ‏عليها، فلا معسكر الممانعة ‏الذي تشهر سلطة غزة ‏تحالفا صريحا معه بقادر ‏على فعل شيء بحكم قسوة ‏الظروف التي تعيشها ‏اطرافه جميعا وجسامة ‏التحديات التي تحيط بها .‏


ولا معسكر الاعتدال الذي ‏تجاهد سلطة رام الله على ان ‏تكون جزءا منه بقادر على ‏فعل ما تحتاجه السلطة كي ‏تبقى على قيد الحياة مع قليل ‏من المساحة السياسية التي ‏تبرر رهاناتها.‏


من قلب هذا الواقع الذي لا ‏يستطيع احد انكار مرارته ‏انبثقت مبادرة اسمت نفسها ‏باسم كبير واستراتيجي ‏‏"الإنقاذ" وعرضت توجهها ‏على الجمهور طالبة الدعم ‏والتبني معززة ورقتها ‏بأسماء شخصيات وطنية ‏انتمت فيما مضى بمعظمها ‏للطبقة السياسية الرسمية ، ‏واحتلت في بناه التنظيمية ‏والمؤسساتية مواقع رئيسية ‏من الصف الأول، الا انهم ‏جميعا واعني النخبة الموقعة ‏على برنامج المبادرة ‏يتحدون في وضع متماثل ‏فهم خارج البنى الرسمية ‏للسلطة، فمنهم من خرج ‏بارادته محتجا، ومنهم من ‏اخرج بإرادة خصومه ‏ومنافسيه، ولأنهم جميعا من ‏ساكني الطبقة السياسية ‏الفلسطينية على مدى عقود، ‏فلن يقبلوا بالبقاء طويلا على ‏هامش الحياة السياسية قابعين ‏في بيوتهم، فان لم يكونوا ‏ضمن الأطر الرسمية التي ‏طردوا او طردوا انفسهم ‏منها فينبغي ان لا يلومنهم ‏احد لو شكلوا اطارهم ‏الخاص بهم تحت مسميات ‏يختارونها ومنها طريقة ‏العريضة وجمع التواقيع ‏عليها.‏


مبادرة الإنقاذ التي يجري ‏تداول الحديث عنها، لم تكن ‏الأولى في الحياة السياسية ‏الفلسطينية ولن تكون ‏الأخيرة. ومن المبكر كثيرا ‏الحكم على نجاحها او فشلها ‏بعد أيام من انطلاقتها، غير ‏ان اهم محظور قد تضعها ‏فيه الحالة الفلسطينية العامة ‏هي ان تتحول موضوعيا الى ‏جسم وساطة بين قطبي ‏الحياة السياسية الفلسطينية ‏ومن يدورون في فلكهما.‏


فتح الرسمية واداتها السلطة ‏بكل امكانياتها، وحماس التي ‏تسعى لوراثة فتح من داخلها ‏ومن حولها لن تقبل ان تكون ‏يوما جزءا من حراك ينتقص ‏من حظوظها فيما تتطلع ‏اليه، وفتح الرسمية رغم ‏تراجعاتها الفادحة عن ‏نفوذها البديهي والتقليدي ‏فيقودها مبدأ "اما نحن والا ‏فلا" وهذا يصعب على ‏الاخرين مهماتهم سواء في ‏وراثتها او مشاركتها او ‏اقصائها عن ما تتمتع به من ‏خلال السلطة والتحالفات وما ‏حولها.‏


مبادرة الإنقاذ ومع حسن نية ‏وسلامة طوية الموقعين ‏عليها، سوف تجد نفسها امام ‏شبكة من تقاطعات تجسد ‏صعوبة بالغة في المرور من ‏بين ثناياها، ناهيك عن ‏التحدي الأكبر للجميع ‏المتجسد في عزوف ‏المواطنين عن الانخراط في ‏المحاولات السياسية مهما ‏كانت مسمياتها، خصوصا ‏اذا كان مطلقوها أسماء من ‏داخل نسيج الحياة السياسية ‏الرسمية وعلى مدى طويل.‏


أخيرا أقول... للمبادرين ‏فرصة المحاولة، وللأيام ‏القادمة قرار الحكم نجاحا او ‏فشلا.‏

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.