العدوان الأخير على غزة.. "حرب الاستفراد والتفرقة"!
كتب رئيس التحرير: لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وليد اللحظة بالنسبة لتل أبيب، بل كان نتائج تخطيط وإعداد امتد لأشهر وفق اعترافات جنرالات الاحتلال في حديثهم مع الصحف العبرية، وبقدر ما كان ذلك العدوان مخططاً له، فقد كان مباغتاً للفلسطينيين، وبالأخص لحركة الجهاد الإسلامي التي صُدمت باغتيال كبار قادتها في أولى الضربات، ما أثر على أدائها طيلة أيام العدوان.
كان العدوان الأخير على قطاع غزة مختلفاً سياسياً وعسكرياً، فهو لم يشمل جميع أذرع المقاومة، وإنما تفرّد بحركة الجهاد الإسلامي، وهذا ما اعترفت به تل أبيب علانية، محذرة من دخول حركة حماس إلى الساحة، وهو ما فعلته الحركة تماماً.
جاء العدوان الأخير على قطاع غزة بعد فترة بسيطة من تولي يائير لابيت لرئاسة الوزراء في دولة الاحتلال، وبعد أيام من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة، فيما يرى خبراء ومحللون أن تل أبيب أعدت لهذا العدوان بالتنسيق مع واشنطن وأوروبا ودول عربية.
تل أبيب أرادت من هذا العدوان ضرب الجهاد الإسلامي التي شغلت بالها في الضفة الغربية، إثر عمليات إطلاق نار متكررة نفذتها الحركة، كذلك أرادت تسجيل نقاط سياسية وانتخابية دون تكلفة كبيرة، فهي أعلنت ومنذ اليوم الأول أن الهدف هو الجهاد الإسلامي، أي أنها أزاحت حماس وباقي فصائل المقاومة من المشهد، ما يعني أن ثمن تلك المواجهة كان محسوباً ومقدراً، فالاحتلال لا يريد دفع ثمن كبير، ولا يريد لتلك المواجهة أن تكون سبباً لفشل السياسيين الإسرائيليين الحاليين في الانتخابات المقبلة، بل رصيداً انتخابياً وأصواتاً إضافية.
كذلك أرادت تل أبيب أن تحيّد عنصر التهديد الذي تمثله حركة الجهاد في قطاع غزة، وهي التي كانت ولا تزال ترفض تهدئة وهدنة طويلة الأمد، بعكس حركة حماس التي تؤيد مثل هذه الخطوة، لما تعطيه من انفراجة اقتصادية وسياسية للحركة.
كذلك خرجت تل أبيب من عدوانها على غزة بضرب الجبهة الداخلية في قطاع غزة، وهنا نقصد الشارع الفلسطيني الذي هاجم على وسائل التواصل حركة الجهاد بعد إعلان وقف إطلاق النار ومطالب الحركة لتنفيذه، والتي جاءت هشة بسطية ركيكة، ولم تتعد "تعهد مصر للعمل على إطلاق سراح أسير اثنين من أعضاء الحركة في الضفة"، أيضاً حاولت تل أبيب تفسيخ وشق صف المقاومة في غزة، وتفكيك غرفة العمليات المشتركة من خلال الاستفرد بالجهاد الإسلامي، وهو ما ردت عليه الحركة بتسمية ردها على الاحتلال بعملية "وحدة الساحات" في إشارة إلى توحّد المقاومة.
في نفس الوقت، كانت حركة حماس حريصة على أن لا تظهر بمظر من أدار ظهره لحركة الجهاد، فسخرت وسائل إعلامها لتغطية الحدث بشكل يشير إلى انخراط الحركة في المعركة من خلف الكواليس، وهو ما أشار إليه محللون بقولهم إن حماس وفرت ظهراً للجهاد الإسلامي في معركتها ضد الاحتلال، إلا أن حماس وفي نفس الوقت كانت حريصة أيضاً على عدم الدخول في المعركة، لما فيها من خسائر باهظة كانت ستُمنى بها لو دخلت، ومنها أن الحرب على غزة كانت ستستمر لفترة أطول، وبدمار أكبر وضرب للاقتصاد أعمق، بالتالي تضرر الحركة التي تحكم قطاع غزة، وتراجعها سنوات إضافية للوراء، كذلك فحماس لا تريد أن تخسر الجانب المصري الذي كان في موقف الوسيط، فمصر بالنسبة لحماس رئتها التي تتنفس بها حالياً.
خرجت تل أبيب من العدوان الأخير على غزة بجملة من الإنجازات، منها توجيه ضربة موجعة للجهاد الإسلامي واغتيال كبار قادته في القطاع، إضافة على تسجيل حدث استثنائي بمهاجمة تل أبيب فصيل بعينه دون رد بقية الفصائل وأبرزها حماس، وما يعنيه ذلك من مقدرة تل أبيب على الاستفراد بالفصائل الفلسطينية فصيلاً فصيلاً، فضلاً عن البعد الانتخابي ليائير لابيد وبني غانتس.
يشير العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة أن تل أبيب تنظر إلى حماس في قطاع غزة حالياً على أنها لم تعد مصدر تهديد، وأن باستطاعة الحركة الاستمرار في إدارة قطاع غزة، وربما يتطور الأمر إلى خطوة أخرى بمنحها سلطة وحكماً ذاتية والتعامل معها مباشرة دون وسطاء، وهو ما يعني إنهاء كاملاً للدولة الفلسطينية، وهو ما تريده إسرائيل حرفياً.
لا يقتصر العدوان الإسرائيلي على غزة على ما ذكرناه سابقاً، بل ربما يكون خطوة أولى في مسلسل مواجهات إسرائيلية في جبهة الشمال وإيران، عبر تحييد جبهة قطاع غزة وتبريدها، والاستعداد مستقبلاً لجبهات أخرى، فتل أبيب غير معنية بفتح أكثر من جبهة مرة واحدة.
في مواجهة هذه المخططات الإسرائيلية الدقيقة والعميقة على الفلسطينيين استدراك ما فاتهم، عليهم استعادة وحدتهم وتوسية صفوفهم لمواجهة آلة القتل والردم والإعدام، والتي لا تميز بين فلسطيني وآخر، أو بين فصيل وآخر، أو بين الضفة وغزة.