أشرف القيسي لم يشاور أحدا !!
مقالات

أشرف القيسي لم يشاور أحدا !!

من اهم المآثر التي يمكن تسجيلها من يوميات الحياة في غزة بعيدا عن الحديث السياسي والتحليلات وجملة المواقف والنقاش الذي واكب العدوان على قطاع غزة دون الغوص في تفاصيل المشهد الدامي، وما جرى من احداث وكيفية الوصول لتفاهمات متوافق عليها على ارضية وطنية سياسية موحدة، واليات التصرف في اي عدوان قادم بعيدا عن الحديث بالاستراتيجيات، وكلام كبير كما يقال من الاهمية التركيز هنا خارج كل ذلك على حكايا الناس البسطاء، واعمالهم الكبيرة حكايات قطاع غزة تحت الحصار رهائن السجن الكبير البطولات الفردية المعبرة عن حس جمعي عالي قصص من الالم والفرح  فيها الحزن وفيها الكثير فان نرى هؤلاء القوم وهم منا ونحن منهم كيف يتغلبون على الواقع بابداع ورقي وبساطة احدى هذه القصص تحتاج للتوثيق، وان تتناقلها الاجيال وان ترسخ في الاذهان ايضا . 
 اشرف القيسي 46عاما بائع الحلوى المعروف على بسطته الصغيرة في بلوك ج هو المعيل لاسرة مكونة من 8 افراد اتخذ قرارا غريبا لا يقدم عليه احد مهما كان السببب الا ما ندر فان يتمتع انسان بهذه البساطة وهذا العنفوان بهذه الصفة هو مبعث للفخر، القيسي خلال القصف شاهد تدمير منزل جيرانه في رفح جنوب قطاع غزة مشاهد الاطفال الجرحى المحاصرين تحت البناية المهدومة ركام البيت الذي حولته الصواريخ المعتدية الى اثر بعد عين ماذا يعمل؟ كيف يساعد المنكوبين!! ربما سمع او لم يسمع صرخات استغاثة تحت الركام لكن الدماء تحركت في عروقه حسم الامر توجه اشرف لافراد الدفاع المدني طلب منهم هدم بيته وسط استغراب الحاضرين اهدموا بيتي قالها المواطن بائع الحلوى لا مجال للوصول للجرحى الا بهدم البيت في حي الشعوت وسط رفح الفلسطينية بيت متواضع لا يتعدى 65 مترا لم يتردد او يتشاور مع احد هذه المسألة لا تنتظر عندما سأله اين تذهب باسرتك!! وانت لا تملك بيتا اخر اجاب بكل ثقة الى حيث يذهب من قصفت بيوتهم (الله يعوض) هذا السمو البسيط يتعدى لغات وكلمات كبيرة ديباجات تتطلب تحضيرا جيدا، ومطالعة ودراسة هذا هو الحوار الذي نريده وهذه اللغة التي نحتاجها للحوار بيينا في كافة المجالات وهي التجسيد لاسمى ارضيات الوحدة والتكاتف .
فعلا تم هدم البيت المتواضع لانقاذ ضحايا العدوان وعملت فرق الدفاع المدني والاسعاف والطواريء على الوصول لجيران القيسي الذي عبر عن المواطنة الحقة بطريقته الخاصة، وتم التعامل مع الجرحى والمصابين هذه الملحمة سطرها مواطن بسيط هي مثال تتجلى فيه صور البطولة والشهامة في مرحلة خلط اوراق وتراجع الكثير من القيم مؤشر واضح ان البلد رغم كل ما يجري " فيها الخير"  كما يقال ما احوجنا لهذه الافعال الجليلة الصغيرة والعظيمة في آن وسط تزاحم حب الذات، وتنامي الفردية على حساب المجموع، وما جرى يكشف الكثير عن الفرق بين الادعاء والاصالة بين التصنع والكبرياء بين المصلحية الضيقة والايثار في زمن يغلب فيه  محاولات الاستئثار بمغانم الحرب .
من بين العبر التي يمكن استخلاصها بعد الدعوة للجهات المعنية لتوفير كل ما يلزم لايواء القيسي واسرته واعادة بناء بيته هو العمل على تشجيع عشرات المبادرات الشبابية، الحملات التطوعية لجيل الشباب الهبات للتبرع بالدم للمصابين في نابلس وغزة وجنين، مساعدة القرى المهمشة التي تتعرض لاعتداءات الجيش والمستوطنين، الاسر المتعففة في المناطق الاكثر فقرا روح العمل التشاركي والجماعي هي قضايا في غاية الاهمية من شأنها اعادة الاعتبار للكثير من القيم والمعاني، تؤكد معنى الانتماء للبلد هي باقية لم تختفي تحت بدعة الانتظار الطويل على اجندة الممولين القيسي جسد معاني تكاد تتخلخل فيها الكثير من البنى المجتمعية اذ كان بامكانه ان يقول ببساطة جربوا طريقا اخر للوصول للجرحى!! ولن تجد احد يلومه لكنه اصر على هدم بيته  ليس اعز من دماء الناس وبيوتهم التي تتلقى صواريخ المحتل هكذا قالها دون وجل ووسط صمود اسطوري وارادة لا تنكسر هذا النمط من التفكير بحاجة لتعميم الطريقة التي فكر بها القيسي، وقرر فيها وما مثله من نموذج هو بالذات ما نحتاج اليه هناك عشرات بل مئات القصص التي يمكن تطريزها على جبين الفخر، وتروى في زمن الحروب فوقت الشدة تظهر المواقف هذه القصة تصلح ان تكون من اعمال السينما للافلام والمسلسلات ربما ليس البيت قيمته عالية لكنه كل ما يملك القيسي في حياته وجده وتعبه وعرق السنين، ليمنح القيسي وسام التقدير من الدرجة الاولى اسوة بكل الذين ضحوا وقدموا لوطنهم، اعادة اعمار بيته الصغير ومساعدة بائع الحلوى على مواصلة عمله على البسطة، واعالة اسرته، وتوفير لقمة عيش للفئات المهمشة الاصيلة التي تقدم كل ما عندها لم تبخل يوما في بذل كل ما تملك الى جانب اعادة اعمار جميع البيوت المهدمة بفعل الة الدمار الاحتلالية استكمال العمل من خلال الحملات الاغاثية والانسانية مشهد طفلة صغيرة تبحث عن لعبتها بين الانقاض فيه الكثير، واطفال ينشدون ويغنون للفرح خلف الدخان المتصاعد لما تبقى من احلامهم التي يحاولون قتلها تحت القصف صور الاباء يحملون عيون اطفالهم الى مثواهم الاخير هذه الصور لا تنسى ترسخ عميقا في الذاكرة لا تزال رغم عوامل الزمن وان اخفت الابتسامات الكثير مما يحجبه الواقع هي مداد قوة وبقاء لشعب باكمله يصمد يقاوم يبقى ولا تبدله السنين لا يحيد عن الطريق بساطة العيش هي اليوم دليل على صحة وصوابية النهج والعطاء، وان الطريق الى المستقبل لن تمنعه اشرعه الدمار ولن تنكسر العزيمة فشعب انجب اشرف القيسي وامثاله في القدس وغزة وكل شبر من ارجاء وطننا فلسطين هي حكايات المجد والبطولة التي تحمي الحقوق وتصل للنصر .  
 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.