حكاية الهولوكوست في السياق الألماني والإسرائيلي
رغم التوضيحات الكافية التي صدرت عن الرئيس محمود عباس، والتي أكد فيها ادانته للهولوكوست النازية واعتبارها واحدة من افدح جرائم العصر، الا ان الجانبين الالماني والاسرائيلي واصلا التصعيد الاعلامي والسياسي في توظيف متبادل للواقعة.
الالمان وجريا على العادة في الاستجابة للتوظيف الاسرائيلي لهذه الحكاية، وصلوا حد المبالغة كالشروع في فتح تحقيق مع الرئيس عباس، والاعلان عن مراجعة للمساعدات الالمانية المقدمة للسلطة مع تلميح الى احتمال قطعها او تخفيضها او تغيير مسارها.
اما الاسرائيليون فقد ادخلوا الحكاية في لعبة التنافس الانتخابي الحاد الذي يقتتل فيه المتسابقون على الاصوات، في من هو الاكثر تشهيرا بالفلسطينيين والاكثر تهديدا بالانتقام منهم.
المبالغة الالمانية المتساوقة مع الضراوة الاسرائيلية ينبغي ان ينظر اليها فلسطينيا على انها تعكس هشاشة في العلاقات مع الالمان ثم الاوروبيين عموما، ثم الهشاشة المفرطة في العلاقات مع اسرائيل التي بلغت درجة غير مسبوقة في العداء والتهديد والوعيد، ما يظهر سعيا اسرائيليا مدروسا وممنهجا لتدمير اي امكانية مهما تضاءلت لايجاد افق سياسي للحوار والمفاوضات او حتى الاتصالات، ناهيك عن السلوك الميداني حيث الاجتياحات لجميع المناطق الفلسطينية والتصرف بها كسلطة عليا بالجملة والتفصيل، دون اغفال ان من بين اهداف هذا السلوك تدمير ما تبقى للسلطة من هيبة لدى مواطنيها ما يعني عمليا وربما نهائيا اهالة التراب على هوامش اوسلو واستبدالها بامر واقع يضاعف سيطرة الاحتلال على البلاد والناس، مع استخدام مدروس للاحتياطي الفعال وهو الجزرة التي تغطي فعل العصا.
هشاشة العلاقة مع المانيا تبدو في الازمة الراهنة حالة تقترب من التطابق مع هشاشة العلاقة مع اوروبا، حيث هبط الموقف الاوروبي من الموضوع الفلسطيني الى ما دون حدوده الدنيا في كافة المجالات، مع تذكر ضعف الموقف والدور حتى حين كانت اوروبا متوغلة في دعم "مسيرة السلام" وتبنيها وتوفير المال اللازم لها والتوسط لارخاء القبضة الاسرائيلية الممسكة بالعنق الفلسطيني حتى الخنق دون فاعلية تذكر.
هشاشة العلاقة الموروثة عن اوسلو مع الاسرائيليين يضاعف تأثيرها السلبي ليس فقط هشاشة العلاقة مع اوروبا، وانما انحراف العلاقة عن مجراها الايجابي النسبي الذي كان في فترة ما مع الامريكيين حيث يشكل الثلاثة وان بوسائل مختلفة حاجزا يحول دون المسعى الفلسطيني لايجاد افق سياسي للعلاقة مع اسرائيل بعد تبني الحل الاقتصادي كخط رئيسي واستخدام شعار حل الدولتين كغطاء يفضله الاوروبيون والامريكيون مع تنصل اسرائيل منه مبدئيا وعمليا.
السلطة المغلوبة على امرها والرئيس عباس المظلوم حتى التجني في حكاية الهولوكوست، يبدوان مغلولي اليد والسلوك بحكم الحاجة ازاء هذا الوضع غير المسبوق في حدته وخطورته منذ انطلاق مشروع السلام وعبر كل فصوله وتعثراته، واذا ما اعتبرنا الشكوى للمجتمع الدولي خيارا متاحا وربما وحيدا، فهو بكل المقاييس العملية قليل الفاعلية ما دام لن يتجاوز التعاطف بالتصويت والتصريحات، واذا ما نظرنا للمحيط العربي فإن رد الفعل على هذا التدهور المروع في الوضع اقل بكثير من حدوده الدنيا التي تعودنا عليها في اوقات سابقة.
السلطة الفلسطينية اي منظمة التحرير كذلك هي المسؤول الاول والاخير عن الشأن الفلسطيني من كل جوانبه والعالم كله يعترف بذلك، وما هو مطلوب من السلطة والمنظمة كجسم واحد ان تتجاوز في معالجاتها الشكوى والمناشدة واستنفار مكامن الاخلاق والعدالة لدى المجتمع الدولي الى عمل اكثر فاعلية مبتدأه هنا على ارض الوطن.
ان هذا التدهور المروع في الجانب السياسي والانقلاب في العلاقات والاتجاهات يملي اولولية قصوى لا مجال للتردد فيها عنوانها ودون اطناب وتكرار في الشرح هو ترتيب البيت وتقوية اساسات واعمدة صموده وهذا ما لا تُرى اي خطوات جدية نحوه ولا حتى وعدا بذلك.