الفلسطيني يبحث عن كرامته بين رامون وجسر الملك حسين!
كتب رئيس التحرير : يبحث الفلسطينيون بين أكوام الموت والقتل والدمار عن حياةٍ أقل تعقيداً وإهانة ومذلة.
آخر الملفات التي أثارت جدلاً واسعاً على الصعيد الفلسطيني والأردني هي ملف مطار رامون، ما أثار غضباً في صفوف برلمانيين في عمان، ووصلت الأمور إلى حد مهاجمة الفلسطينيين والتشكيك في وطنيتهم من قبل أحد البرلمانيين.
باختصار، وجد الفلسطينيون أو على الأقل هذا ما وعدوا به بمطار رامون فرصة لوقف استنزاف جيوبهم وكرامتهم ووقتهم وجهدهم على 3 معابر وهي جميعاً معبر واحد يفصل الضفة الغربية عن الضفة الشرقية، ورغم الجدل الداخلي الفلسطيني إلا أن حسبة بسيطة تظهر سبب احتمالية موافقة الفلسطينيين على استخدام رامون بدل الجسر، فالتكلفة أقل، والوقت أقل، والاكتظاظ لا وجود له، عدا عن الراحة!
المعادلة هنا هي إسرائيلية بامتياز، وعلاجها أردني بامتياز! لكن كيف؟
على الأردن الشقيق وقف هذا المخطط وإحباطه من خلال سد الذرائع الإسرائيلية للترويج للمطار الجديد، على الأردن الضغط لجعل السفر على الجسر 24 ساعة على مدار الأسبوع، وتطوير آليات نقل الحقائب والركاب، وحتى تنقل الفلسطينيين بمركباتهم الخاصة من الأردن إلى الضفة الغربية، عليها إلغاء ضريبة الدخول للأردن، وبهذه الأمور والخطوات يمكن للفلسطيني أن يشطب رامون من دماغه.
لماذا يوصم الفلسطيني بقلة الوطنية والخيانة إذا بحث عن متنفس؟ أليس من حقه عيش ما تبقى من حياته كباقي البشر؟
لماذا يهاجم الفلسطيني ولا تهاجم حكومة الاحتلال أو حتى حكومة الأردن التي لم تقم بأي خطوات ملموسة لتسهيل حركة الفلسطينيين على الجسر، لماذا لا تقاتل عمّان تل أبيب سياسياً لانتزاع حق الفلسطيني للسفر عبر الجسر بأي وقت، حتى لا يضطر الفلسطيني للبحث عن بديل يوفر من خلال قوت أطفاله وإهدار كرامته.
على البرلمانيين الأردنيين وقبل مهاجمة الفلسطينيين والتشكيك فيهم أن يضغطوا على حكومة بلادهم لجعل الجسر معبراً دولياً حقيقياً، لا أن يكون سرداباً يدخل الفلسطيني منه مختنقاً ويخرج مختنقاً.
هي حقيقة لا لبس فيها عندما نقول إن ما يجري على الجسر هي خطة إسرائيلية محكمة كان هدفها دفع الفلسطينيين للاشمئزاز من هذا المعبر، والقبول بأي بديل قد يطرح، وهو ما حدث فعلاً، فاختلقت تل أبيب الأزمات على المعبر، وبعد أيام فقط طرحت فكرة مطار رامون، فهل هذا الأمر بريء؟ لا أبداً.
عندما يبحث الفلسطيني عن الأسهل لحياته هو لا يطعن الأردن، ولا ينكر فضل المملكة الهاشمية، وهي الدولة العربية الوحيدة تقريباً التي لم تدر ظهرها يوماً للشعب الفلسطيني، وهي الدولة العربية الوحيدة التي يتنقل منها وإليها الفلسطيني دون قيود تقريباً، وهي الدولة العربية الوحيدة التي لم يترك ملكها فلسطين وقيادتها وحيدين، فالملك عبد الله عندما اشتد الخناق على الفلسطينيين وقيادتهم طار إلى رام الله ليقول للعالم إن الأردن وفلسطين جسم واحد.
إذن، فالحل والخطوات العملية يجب أن تخرج من الحكومة الأردنية، وأن يكون لها موقف واضح عملي وسياسي حول مطار رامون واستخدامه، وحول جسر الملك حسين ووضعه وتطويره، أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فالكل يعلم أن لا حول لها ولا قوة ولا سيادة على المعابر، وهي في موقف أضعف من أن تشترط على إسرائيل أو ترغمها على شيء دون أن تضع يدها في يد الأردن.
على الأردن والتي ستخسر فعلاً اقتصادياً إذا عزف أهالي الضفة الغربية عن استخدام مطارالملكة علياء أن تقوم بخطوات فعالة وقوية وعملية لمنع هذا العزوف "المتوقع"، لا من خلال التخوين، ولغة التهديد، بل من خلال خطوات تقنع الفلسطيني أن السلطات الأردنية تعامله كشقيق لا كمصدر دخل.
على البرلمان الأردني وأعضائه أن يؤمنوا ويعرفوا أن الفلسطيني لا يتجه إلى ما هو إسرائيلي إلا مجبراً، وأنه إن وجد البديل العربي فإنه يختاره دون أدنى تفكير، فجسر الملك حسين هو خيار الفلسطينيين الأول إذا تم تصويب وضعه، حتى لو أنشئ ألف مطار إسرائيلي، والأردن هو عمق كل فلسطيني حتى لو أرادت إسرائيل دق إسفين بين الشعبين الشقيقين دماً وتاريخاً.
على من خرج يهاجم الفلسطينيين من البرلمانيين والسياسيين الأردنيين أن يعيد التفكير مرة أخرى، وأن يختار الوقوف مع الفلسطيني، والأخذ بيده، لا أن يعتبره سلعة يفطن إليها إن تضررت حكومة بلاده اقتصادياً.
في هذه المعادلة ستكون تل أبيب مستفيدة جداً، فهي قد شغلت مطاراً مهملاً، وما يعنيه ذلك من أرباح، وفي نفس الوقت خرجت من الحرج الدولي في قضية تسهيل تحركات الفلسطينيين، عدا عن توجيه ضربة للأردن، أو التلويح بها في وجه عمان لإجبار الأخيرة على دفع ثمن سياسي، وهنا لا بد من الإشارة وربط الموضوع بالوصاية الأردنية على المسجد الأقصى والمقدسات في القدس، فتل أبيب لا تروق لها هذه الوصاية، وهي تعمل جاهدة لإلغائها، وربما استخدمت أو ستستخدم هذا الملف لفرض مزيد من الضغط على عمان.
كذلك تنسف تل أبيب في مطارها هذا فكرة أو مشروع إقامة أي مطار فلسطيني مستتقبلاً، وتدفن نهائياً المطلب الفلسطيني بافتتاح مطار قلنديا أو أي مطار فلسطيني على أراضي الضفة الغربية وحتى فكرة إعادة تشغيل مطار غزة الدولي.
في النهاية، التشابك الفلسطيني الأردني، اجتماعياً وسياسياً سيكون أقوى كثير من أي خطوات قد تقوم بها تل أبيب، أو تصريحات غير مسؤولة يلقيها مسؤولون أردنيون، فما بين الأردن وفلسطين أكبر من مطار رامون، وأشد تجذراً من "أزمة الجسر".