يلا نحكي: صناعة استراتيجيات الإعلام للحكومة الفلسطينية
أظهرت تصريحات الحكومة ووزرائها الأسبوع الفارط بخصوص القرار الإسرائيلي بتحويل رواتب العمال في إسرائيل على البنوك، غياب أيَّ استراتيجية إعلامية لدى مجلس الوزراء وطاقم اعلامه في التعامل مع القضايا التي تهم المواطنين، سوى تلك التصريحات الاستعراضية التي يطلقونها حول ما يدعى أنّه إنجازات أو طموحات؛ وهي باتت مثار سخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المواطن والناشطين. ويكتفي أعضاء مجلس الوزراء وحاشيته من الناطقين باسمه بالاعتماد على التقنيات التقليدية للعلاقات العامة في الستينات والسبعينات من القرن الفارط، أو استخدامات وسائل الإعلام الأحادية الاتجاه وغير الشعبية بطبعها مثل وسائل الإعلام الرسمي، أو تلك الوسائل الحديثة مثل الفيسبوك دون اهتمام بتعليقات روادها وبتجاهل تام لها، وفي ظل تغييب التواصل التفاعلي مع المواطنين والخبراء والمعارضين.
يفتقر الناطقون الاعلاميون والوزراء لأي خلفية للتعامل مع مثل هكذا قرارات، ودون اعتبارات لمدى الثقة المنزوعة منها بنظر المواطنين والفئات المختلفة بالحكومة؛ فبعضهم تعوزه المعلومات والخلفية حول القرار وطبيعته وفوائده ومخاطره السياسية وانعكاساته على الاتفاقيات الموقعة. وبعضهم انبرى للحديث عن فوائد القرار دون أنْ تكون هناك اأَّ فائدة مباشرة للحكومة من القرار الإسرائيلي وبدى كأنه يدافع عن القرار الإسرائيلي، وبعضهم مدافعا عن الحكومة بأنها لن تحصل على أي ضرائب أو حسم من هذه الرواتب. الأمر الذي أظهر بوضوح غياب وجود مجلس أو مجموعة استشارية للاتصال والتواصل تقدم النصح والمشورة للحكومة وأعضائها لكيفية تناول الأحداث وجوانبها خاصة في القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تهم المواطنين وتأثر في حياتهم وعليها.
إنَّ غياب شافية إدارة الحكم لا يتيح فهم آليات اتخاذ القرار، أو جهات المسؤولية فيها، وكيفية اتخاذ القرار، أو على أيّ أسسٍ بُنيّت هذه القرارات. الأمر الذي يشوه تقديم القرار، ويضعف الدفاع عنه، وتظهر عشوائية الردود على الاستفسارات والانتقادات إلى حدِ التناقض، وتجبر الحكومة على التراجع عن قرارات قد تكون صائبة أو استبدالها بقرارات وتصريحات شعبوية تتناقض أحياناً مع قيم الدولة المجسمة في وثيقة إعلان الاستقلال. كما أنَّ غياب خلية التفكير أو مجموعة الاتصال التي تحوي مجموعة من الخبراء في علوم الاتصال والاعلام والاجتماع والسياسة والإدارة العامة، واستمرار الاعتماد على الرجل الأوحد "One Man show"، يجعل التصدي للأحداث والقضايا منقوصا وعشوائيا ويأتي بخسائر أكثر من جني الفوائد.
في ظني أنَّ عدم طرح مسألة التعامل مع القرار الإسرائيلي على طاولة النقاش ووضع سيناريوهات تعامل الحكومة وأركانها معه أدّى إلى معارضة واسعة بين العمال تخوفاً من الحكومة الفلسطينية و"نواياها"، حيث كان أمام الحكومة خيارين للتعامل مع هذا الأمر؛ الأول: تجاهل الحديث عن القرار ذاته باعتبار أنَّه قرار إسرائيلي داخلي يفرض على أرباب العمل الإسرائيليين الامتناع عن التعامل النقدي، أو اتباع خيار ثانٍ للمتحدثين نيابة عن الحكومة كالإعلان عن استعداد الحكومة "وزارة العمل" لمساعدة العمال في حال تعرضهم لأي خروقات من أرباب العمل الإسرائيليين.
ويمكن كذلك في إطار تهدئة مخاوف العمال الفلسطينيين أن تقوم وزارة المالية ووزارة الصحة وكذلك وزارة العمل أو الناطق بلسان الحكومة تقديم بعض الحقائق والمعلومات المتعلقة بالخصومات على رواتب العمال في إسرائيل سواء التي تقتطعها السلطات الإسرائيلية لغايات التقاعد وضريبة المعادلة وفقا للقانون الإسرائيلي ولا يحصل العمال عادة عليها ، أو ضريبة الدخل ورسوم التأمين التي تحول من قبل الجانب الإسرائيلي إلى وزارة المالية عبر المقاصة حسب بروتوكول باريس؛ فعل سبيل المثال يمكن القول أن ضريبة الدخل المحولة للعام 2021 تقدير بحوالي 260 مليون شيكل ورسوم التأمين حوالي 94 مليون شيكل .
مما لا شك فيه أنَّ صناعة "حرفة" استراتيجيات الإعلام والتواصل السياسي تحتاج إلى الايمان بالعمل الجماعي من قبل رئيس الحكومة وحاشيته والعمل بروح الفريق المبني على تنوع وتعدد الخبرات، وعلى الحقائق والمعلومات الدقيقة، ومعرفة القدرة والامكانيات الذاتية، والتوقف عن المراوغة وتجميل الكلام وتخليقه دون فعل أو القدرة على الفعل "أي رح الله امرءٍ عرف قدر نفسه".
فعلى الرغم من معارضة العمال على الحواجز الإسرائيلية لتحول رواتبهم على البنوك إلا أنَّ أكثر من 90 ألف عامل قد وافقوا على فتح حسابات بنكية وفقا لتصريحات المنسق "رئيس الإدارة المدنية" لسبب بسيط كي لا يخسروا تصاريح عملهم في إسرائيل، ودون الدخول في جدل سرقة أموال العمال والخصم منها؛ فهو ببساطة يمتلك قوة الفرض والاغراء في هذه الحالة.