الانتفاضة الشاملة استحقاق موضوعي
خطير الوضع في الضفة الغربية والقدس، خصوصاً ما يتعلق بدوام سياسات دولة الاحتلال، التي لا تبقي زاوية إلّا وتمارس تجاهها كل أشكال القمع والمصادرة والتهويد.
العدوان الإسرائيلي على الوجود والحقوق والكرامة الفلسطينية في الضفة أصبح سمة للحياة اليومية، وينطوي على درجة مرتفعة من التصعيد، ما لا يدع مجالاً للسؤال عن تصعيد إلّا إذا بادرت إسرائيل لشن «سور واقي» آخر، يستهدف إعادة احتلال ما قامت باحتلاله مرات عديدة.
الإسرائيليون أخذوا يحذرون من احتمال اندلاع انتفاضة شاملة في الضفة الغربية، والصحيح أن عليهم أن يحذروا من أن تمتد هذه الانتفاضة في حال اندلاعها إلى أراضي 1948.
السبب الذي يدعو لمثل هذا الاعتقاد هو أن إسرائيل تمارس ضد الفلسطينيين في كل مكان، سياسة عنصرية حقيرة لا تميز بين فلسطيني وآخر، ولا بين جغرافيا وأخرى.
قد تأخذ العنصرية الإسرائيلية في الأرض المحتلة العام 1967 أشكالاً وأساليب أكثر بشاعة، وأشد قمعاً بدواعي وجود مقاومة متزايدة للاحتلال، ولأن المخطط الصهيوني إزاء الضفة والقدس أكثر ضراوة، لكن ذلك لا يمكن أن يقلل من خطورة التمييز العنصري الذي تمارسه سلطات الاحتلال كسياسة رسمية مستندة إلى قانون القومية في أراضي 1948.
الحرب الإسرائيلية على الوجود والحقوق الفلسطينية شاملة وتوظف إسرائيل فيها كل أجهزتها الأمنية والشرطية والعسكرية، بالإضافة إلى المستوطنين وميليشياتهم المدجّجة بالأسلحة والحقد، والتحريض والكراهية.
بين الحين والآخر، يتم الإعلان عن عدد الأسرى من قبل جهات فلسطينية، وغالباً لا يتجاوز الرقم الخمسمائة أسير. ولكن ثمة سؤالا وجيها حول هذا الرقم، أكثر أو أقل قليلاً، ذلك أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تشن يومياً اعتقالات تطال عشرات الفلسطينيين، بالقدر الذي تبدو معه الأرقام التي يتم الإعلان عنها متواضعة أمام الأرقام الحقيقية.
عمليات الاغتيال المتواصلة من قبل الجيش الإسرائيلي تقترب من التسعين شهيداً في الضفة والقدس فقط، أي ما يقرب من ضعف الشهداء الذين سقطوا خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، والذين يصل عددهم إلى خمسين شهيداً.
عن البيوت التي يجري هدمها، والأراضي التي تتم مصادرتها فإن الجواب مفتوح على مصراعيه، بما لا يترك مجالاً حتى للحديث عن دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا.
إسرائيل عملياً تقوم بتجريف كل الحقوق الفلسطينية بالجملة والمفرق، وتمارس أقسى أنواع وأشكال الإرهاب والتمييز، والعالم ينظر ويسجل ويعرف ما يجري بالضبط، لكنه يواصل سياسة الكيل بمكيالين، وإغماض العيون عن كل ما يجري.
الاتحاد الأوروبي دوّخ السلطة الفلسطينية والمجتمع المدني، وأوقف الدعم المادي، بذريعة تتعلق بالمنهاج الفلسطيني، لكنه لا يرى المناهج الإسرائيلية، ولا يرى الممارسات الملموسة، التي تفوق ما يتصور العقل أنه يصدر عن عالم متحضّر أو حتى غير متحضّر.
ثمة مشكلة هنا، وتتصل بالتناول الإعلامي ومن ثم السياسي حتى بالنسبة للفلسطينيين، كفصائل ونشطاء وعاملين في المجال.
كل ما يجري في الضفة والقدس من جرائم وإرهاب وقمع بحق الفلسطينيين أصبح أخباراً عادية، لا تلفت انتباه وسائل الإعلام، إلّا حين تدخل الصواريخ على الخط.
ما عدا ذلك يمرّ مرور الكرام على وسائل الإعلام المحلية وغير المحلية، التي تتعامل مع الأحداث كل الوقت، وكل الأحداث باعتبارها أخباراً عاجلة.
ثمة ترويض واحتواء للوعي الفلسطيني، وكأنّ ما يجري لا يخرج عن طبيعة الحياة وسياقاتها العادية، التي لا تستدعي ردود أفعالٍ غير عادية، يكفي معها الإعلان عن الشجب والاستنكار ومطالبة المجتمع الدولي بالتحرك، أو الإعلان عن الترحيب بهذه العملية البطولية أو تلك، ونعي الشهداء.
حتّى الكتّاب، أخذ بعضهم يميل إلى الخطاب الوصفي، محمولاً على لغة أدبية، تعبّر عن مشاعر وعواطف، من دون مضامين سياسية يستدعيها واقع وآفاق الصراع.
على إسرائيل أن تقلق حين يظهر أمامها جيل من الشباب المدفوعين بالوطنية، ودون انتظار قرارات الفصائل، للقيام بحمل السلاح أو الحجر، أو زجاجات «المولوتوف»، وهم يعرفون ما الذي ينتظرهم.
انتشار ظاهرة السلاح، والتهريب، وظهور المقاومين المسلحين علناً في بعض المدن والمخيمات، وخلال الجنازات، لا شك يؤشر على تطور جديد في أشكال وأساليب مقاومة الاحتلال، بما يضع السلطة والفصائل أمام حرجٍ لأنه يشكل معياراً للوطنية ولجدية الدعوة للمقاومة.
إسرائيل هي التي تتحمّل المسؤولية عن انتشار ظاهرة السلاح والمسلحين، وتصاعد حالات استخدام السلاح الناري ضد الجيش والمستوطنين وفي الدفاع عن أحيائهم وبيوتهم، جرياً وراء القانون المعروف لكلِّ فعلٍ ردّ فعل، ذلك أن الأفعال الإسرائيلية، ستؤدي حتماً إلى نهوض وطني فلسطيني عارم، أو انتفاضة شاملة، تنطوي على إبداعات تجعلها مختلفة عن الانتفاضات السابقة، ويبقى السؤال في ذمّة القيادات السياسية إذا ما كانت ستغير من سياساتها وأولوياتها، بما يستجيب لمتطلبات هذه المواجهة المتصاعدة.