الاستثمار الإسرائيلي في تطوير أدوات القتل
مقالات

الاستثمار الإسرائيلي في تطوير أدوات القتل

يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي لاستخدام الطائرات من دون طيار (المُسيّرة أو الدرونز) في عملياته ضد الناشطين الفلسطينيين في الضفة، التي ترزح كل مدنها وبلداتها منذ عقدين تحت سيطرة الاحتلال الأمنية المطلقة، وباتت منذ وقت طويل عرضة لضرباته المتكررة واقتحاماته اليومية، من دون أي تمييز بين التصنيفات التي اعتمدها اتفاق أوسلو للمناطق.

 فجميع المناطق المصنفة (أ) وهي المدن الرئيسية التي يفترض أن تتولى السلطة الفلسطينية فيها المسؤولية الأمنية الكاملة فضلا عن الإدارية، صارت مستباحة من قبل جيش الاحتلال لتنفيذ اغتيالاته ومداهمات وحملات الاعتقال الجماعية فضلا عن إغلاق المؤسسات، التي لا يروق نشاطها للاحتلال، بالشمع الأحمر.

يمتلك جيش الاحتلال تشكيلة متنوعة من الطائرات المسيرة التي تتنافس في إنتاجها شركات صناعة السلاح، فخر الصناعات الإسرائيلية، بعضها كبيرة الحجم مثل طائرة (ايتان) التي يصل طولها إلى 15 مترا ويزيد وزنها عن خمسة أطنان، وبعضها الآخر صغير الحجم ولا يزيد وزنها عن مئة كلغ. وتستطيع بعض هذه الُمسّيرات حمل أربعة صواريخ جو- أرض، بوزن إجمالي يزيد عن الطن، كما يمكن لها أن تحلق في الجو لمدة تزيد عن 24 ساعة. وتتعدد مهام هذه الطائرات المسيرة بين إطلاق القذائف والصواريخ وحمل المدافع الرشاشة، وتنفيذ عمليات الاغتيالات، وعمليات التصوير الجوي الدقيقة التي تراقب تحركات البشر ونشاطات المسلحين، كما تراقب عمليات البناء وحفر آبار المياه في المناطق المصنفة (ج) ، بالإضافة إلى بعض المهام المدنية مثل مراقبة حركة السير والمساعدة في رسم المخططات الهندسية. كما تملك إسرائيل تشكيلة واسعة من روبوتوت القتل الطائرة التي يجري تحريكها كأسراب جماعية، وهي تشبه الطائرات الصغيرة المستخدمة في عمليات التصوير، مع الفارق أن هذه الروبوتوت هي أدوات فتاكة للقتل والاغتيالات وهي مساندة للطائرات المسيرة التي يتبع بعضها لسلاح الجو وبعضها الآخر لسلاح المدفعية. بدأ استخدام الطائرات المُسيّرة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة في أواخر الانتفاضة الثانية، وهناك اكتسبت هذه الطائرات اسمها المزعج الذي أطلقه عليها الفلسطينيون (الزنّانة)، وفي كل حرب جديدة أو عدوان موسع ضد القطاع كان جيش الاحتلال يدفع بأجيال وانواع جديدة من هذه المُسيرات وكأن الحروب على الشعب الفلسطيني تحولت إلى مختبرات لتجريب مختلف انواع الأسلحة الحديثة، الأميركية والإسرائيلية، التي تحولها شركات صناعة السلاح إلى صفقات بمئات ملايين الدولارات، ولعل ذلك من اسباب الصمت الاميركي والتغاضي الدائم عن جرائم الاحتلال نظرا لما تتمتع به مجمعات صناعة السلاح الأميركية من أهمية في صناعة قرارات الولايات المتحدة.

تحتاج الطائرات المُسيّرة بشكل عام إلى إدارة بشرية يتولاها ضباط وجنود يمكثون في غرف القيادة والسيطرة، فيتلقون المعطيات ويصدرون التعليمات التي هي في الغالب أوامر لإطلاق النار والصواريخ والقذائف. كما طوّرت إسرائيل مسيرات ذاتية التشغيل، تُقاد بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي مع الحد الأدنى من التدخل البشري، وفي جميع الأحوال فإن الطائرات المسيرة والروبوتات الطائرة هي أدوات صماء بكماء للقتل، وهذا ما دفع عددا من منظمات حقوق الإنسان الدولية إلى توجيه انتقادات شديدة لدولة الاحتلال، حيث أكدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقاريرها أن الأسلحة الذاتية التشغيل، أو الروبوتات القاتلة كما اسمتها، لا يمكن لها أن تراعي قواعد القانون الدولي الإنساني، وبخاصة قواعد التناسب والتمييز والضرورة العسكرية، كما أن وسائل القتل هذه تهدد أهم الحقوق الأساسية للبشر وهو حق الحياة، وتتعارض مع مبدأ الكرامة الإنسانية.

من المؤكد أن لجوء إسرائيل للطائرات المسيّرة جاء بعد فشل الأساليب العسكرية التقليدية في لجم ظاهرة انتشار المسلحين والمقاومين الفلسطينيين، على الرغم من أن جميع عمليات الاغتيال والقتل الميداني، التي لم تفلح إلا في تأجيج الغضب ومراكمة خزان القهر والسخط لدى جيل كامل من الفلسطينيين الذين تفتح وعيهم على مشاهد القتل والاعتقالات وعمليات التنكيل والإذلال اليومية، واستباحة المقدسات، وهذا الجيل لم يعد يقتنع بأية طريقة للرد على إرهاب الدولة الرسمي إلا من خلال المقاومة، وخاصة مع انسداد الآفاق أمام اي حل سياسي، وإصرار إسرائيل على فرض الحل التصفوي الذي تريده بقوة الحديد والنار.

وما يشجع دولة الاحتلال على تطوير أدوات القتل واعتماد الوسائل الأكثر فتكا هو ثقتها بأنها وجيشها في مأمن من أية محاسبة او ملاحقة، حتى النصائح "الودية" التي أسدتها لها الإدارة الأميركية بصدد مراجعة تعليمات إطلاق النار، وقواعد الاشتباك، بعد ثبوت مسؤولية إسرائيل عن اغتيال الشهيدة شيرين ابو عاقلة، رفضتها إسرائيل بفظاظة مدعية أن جيشها هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، وراح بعض المسؤولين والمحللين يُذكّرون الأميركيين بما اقترفه جيشهم وقواتهم في العراق وأفغانستان من انتهاكات مروعة كما جرى في سجن أبو غريب.

وإزاء الأزمات السياسية والأمنية المستمرة، ما زالت دولة الاحتلال ترفض البحث عن اية حلول سياسية، وهي تصر على الحل العسكري الذي اعتمدته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وشعارها في ذلك "أن ما لا يحل بالقوة يحل بمزيد من القوة". بعض الدوائر المهنية الأكاديمية والأمنية والعسكرية توصي بين فترة وأخرى باعتماد حلول سياسية إلى جانب تلك الأمنية والاقتصادية، لكن الحلول السياسية تتطلب مسيرة سياسية، وتعاملا مع جوهر المشكلة وهو الاحتلال، بينما تصر الحكومات الإسرائيلية على التعامل مع الظواهر والنتائج مثل ما تسميه "الإرهاب" و"العنف" أو التحريض. ومن الواضح أن المؤسسات الصهيونية الحاكمة على اختلاف تشكيلاتها تجمع الآن على تجاوز حل الدولتين، وفرض حل يقوم على تنفيذ صفقة القرن، ومضمونه تهويد القدس ونهب مزيد من الأراضي الفلسطينية وتكريس الاستيطان، ولذلك فهي ليست معنية ولا مهتمة باي حل سياسي سوى انتظار المستحيل وهو إعلان الاستسلام الفلسطيني.

إسرائيل تستثمر المليات في تطوير أدوات القتل، وهناك في العالم من يهلل ويصفق لنجاحاتها، ساعيا إلى إبرام صفقات لشراء هذه الأسلحة التي طُوِّرت على حساب دمنا، لكن ما لا تدركه إسرائيل، أو تتغاضى عنه هو أن دوامة العنف والدماء لن تقتصر على الفلسطينيين وحدهم، وأن امتلاك التكنولوجيا لن يقتصر في المستقبل على الإسرائيليين وداعميهم. 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.