بقيت ورقة توت بين السلطة وإسرائيل
من يتابع ما يقول القادة الإسرائيليون عن السلطة وما يطلبونه منها، وما يحرضون الاخرين عليها، يَخرج بنتيجة واحدة هي ان إسرائيل تريد من السلطة ان تكون مجرد وكيل امني، لقاء مرتب شهري يزيد وينقص حسب ما تقرره إسرائيل من جودة الأداء.
معنى الوكيل ان تكون قوة نشطة فعالة في منظومة الامن الإسرائيلية، وخصوصا في مناطق الخطر واشهرها الان الجبهة الشمالية نابلس جنين.
والمرتب الشهري هو منحها أموالها المستحقة مع تفاوت الخصومات التي تصل دائما الى نسبة مئوية من مداخيل السلطة ومحورها "المقاصة".
العلاقات الأمنية التي اصطلح على تسميتها بالتنسيق كانت فيما مضى أي زمن الأفق السياسي التفاوضي، احد الاعمدة الأساسية في منظومة العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، التي ارست أسسها وحددت مساراتها اتفاقات وتفاهمات أوسلو. كانت هذه العلاقات وان لم تكن مقبولة لدى قطاع واسع من الشعب الفلسطيني الا انها متفهمة بل ومبررة وكان ممكنا الدفاع عنها بجملة واحدة، "هي ضرورية ما دامت جزءا من ترتيبات متبادلة ستفضي الى دولة فلسطينية".
مر على أوسلو سنوات طويلة وفي أيامنا هذه لم يتبق منها الا العلاقة الأمنية التي تسمى بالتنسيق، وهي ان لم تكن فعالة بالقدر الذي كانت عليه في زمن الأفق السياسي والمفاوضات، الا انها ما تزال ولو كمصطلح بمثابة ورقة التوت التي تغطي عُري العلاقة المفترض ان تكون سياسية بين السلطة وإسرائيل.
الحكومة الإسرائيلية من خلال اقوالها وافعالها تريد نزع ورقة التوت هذه لتظهر السلطة امام شعبها وامام العالم على ان لا فرصة لها في الحياة او الاستمرار في حدودها الدنيا الا اذا منحتها إسرائيل شهادة جدارة امنية، أي ان تكون قادرة على فرض هدوء مطلق على الضفة كلها، كي يتحقق القول الذي شاع في بدايات أوسلو، "الامن يعني لو سقطت ابرة في رام الله يُسمع رنينها في تل ابيب".
الحكومة الإسرائيلية تمارس ازدواجية متناقضة في هذا الاتجاه فهي تريد السلطة قوية في مجال فرض الهدوء والامن، وتريدها بل وتعمل على ان تكون ضعيفة في المجالات الأخرى أي ان تكون بلا هيبة ولو شكلية على الصعيد المعنوي، ومشلولة القدرات على الصعيد السياسي، ولا تكتفي الحكومة الإسرائيلية بذلك بل تعمل على تجنيد العالم لمؤازرتها في هذه السياسة المزدوجة وإدخال وسطاء عرب وغير عرب لترويض السلطة وجعلها وكيلا امنيا فعالا حتى دون ورقة التوت.
السلطة بواقعها الحالي مضغوطة بين شقي رحا شديد الثقل والقسوة، شق حاجاتها المالية المتحكم إسرائيليا بالجزء الأساسي منها، والشق الاخر غياب البعد السياسي في علاقاتها مع إسرائيل التي تريدها كالمنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى.
إسرائيل تدرك اكثر من غيرها بأن السلطة لا تستطيع أداء ما تريده منها لسببين، = الأول ضعفها في مجال السيطرة وهذا ما تكثر إسرائيل من الحديث عنه.
= وثانيا فقدان المبرر والغاية، فكل ما هو مطلوب منها الان ان تعمل لقاء مجرد البقاء على قيد الحياة، فلا دولة في الأفق ولا حتى ورقة توت، تستر عري العلاقة السياسية المتلاشية.
وإسرائيل اما انها غير منتبهة الى النتائج العكسية التي تفضي اليها سياساتها المزدوجة والمتناقضة واما انها تعرف ماذا تفعل وتعرف الهدف الذي تسعى اليه، وهذا ما لا يجب استبعاده فهي لا تريد رؤية سلطة فلسطينية جدية تقود استقرارا راسخا حتى ضمن حدود الحكم الذاتي المتفق عليه، فما تفعل لا يحقق سوى امر واحد ان يظل الفلسطينيون في حالة اضطراب دائم واحتياج دائم وابتعاد دائم عن حلم الاستقلال الوطني.
الا ان الذي تعرفه إسرائيل وتتجاهله هو ان حالا كهذا وبالقدر الذي يتعب الفلسطينيين فهو يتعبهم كذلك بفعل مبدأ قاد البشرية كلها عبر كل العصور، مفاده ان الاحتلال اشبه بسكين ذي حدين، واحد على رقبة الضحية والآخر على رقبة الجلاد، وهذا ليس كلاما فلسطينيا خالصا بل هو كلام ويقين ذوي العقل وبعض الحكمة في إسرائيل.