محاولة لابيد،،،خداع جديد في سياق سياسات قديمة
على هامش الاجتماع ٧٧ للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ينعقد هذه الأيام، تتوالى اللقاءات الثنائية ولقاءات عدد من المجموعات الدولية الخاصة للبحث والتشاور حول القضايا الدولية الناشئة ومجريات الصراع في عدد من مناطق العالم. حيث تتصدر الازمة الاوكرانية أولويات الاهتمام الدولي، إضافة إلى الملف النووي الايراني كما قضايا البيئة والمناخ والطاقة والمهجرين بفعل بؤر الصراع المختلفة والازمة الاقتصادية العالمية في الدول، في وقت تتفاقم به الازمة الدولية نحو منحى خطير سيؤثر على الاستقرار والأمن الدوليين في ظل حديث عن توسيع اشكال الاشتباك التي يقودها الناتو ضد وحدة الاراضي الروسية ولمنع نشؤ نظام دولي جديد متعدد الاقطاب أو أنظمة دولية متعددة، قد يقف العالم في أثرها على شفا حرب أو حروب نووية متفرقة.
وكما في كل عام فقد أخذت قضية شعبنا الفلسطيني خلال الأيام الماضية اهتماما متناميا وشكلت محور هام من محاور الاهتمام الدولي انتظارا لكلمة الأخ الرئيس أبو مازن، حيث عقدت عدد من المجموعات الدولية اجتماعاتها، كما تم العديد من اللقاءات الثنائية مع ممثلين دول مختلفة منها على وجه الخصوص عدد من دول الاتحاد الاوروبي ومسوؤلين اممين للبحث في ما الت اليه الأوضاع على الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيحة تصاعد جرائم الاحتلال وما تشكله هذه الجرائم من تهديد لمستقبل حقوق شعبنا الفلسطيني الثابتة، كما ولحل الدولتين الذي رأى به المجتمع الدولي حلا للصراع القائم منذ عام١٩٣٧.
وقد توالت مواقف تلك الدول من خلال تصريحات عقب تلك اللقاءات تدعوا إلى حماية حل الدولتين وفق حدود عام١٩٦٧ وفقا للقرارات الدولية والقانون الدولي إضافة إلى رفض سياسة الاستيطان التي تنفذها بتسارع حكومات دولة الاحتلال المتعاقبة.
لكن مصداقية المواقف لا تتعلق باصدار بيانات لفظية فقط، في وقت ان تلك التصريحات الاوروبية أصبحت متكررة في رفض الأستيطان أمام واقع اصبح يتلخص اليوم بوجود ما يقارب من مليون مستوطن الذين أصبحوا يشكلون تقريبا ٣٠% من التعداد السكاني لاراضي المحافظات الشمالية للوطن بشكل عام و٦٠% من التعداد السكاني للقدس تحديدا منتشرين في حوالي اربعمائة مستوطنة.
فبدون تدخل دولي حاسم الى جانب كفاح شعبنا اليومي لفرض المساءلة على احتلال غير خاضع للمساءلة حتى الان ، فلا أمل في أن يتم تحقيق حق شعبنا في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال بما يحقق القرارات الاممية في أي وقت في المستقبل المنظور.
كما ان الحديث فقط عن حل الدولتين وربطه بمستقبل الامن والسلام والاستقرار بالمنطقة في وقت أعدمت دولة الاستعمار "إسرائيل" هذا الحل سندا لكيفية رؤية الحركة الصهيونية في شعبنا وكفاحه العادل التحدي الاستراتيجي لدولتهم الاستعمارية واستمرار وجودها ، وذلك من خلال خلق وقائع جديدة على الأرض برفضها اصلا اقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة والمتواصلة جغرافيا على كامل الأراضي التي احتلت عام ٦٧ وبالمقدمة منها القدس الشرقية . ان اشارة يائير لابيد امس امام الجمعية العامة عندما تحدث عن تأيده لحل الدولتين ، دون ان تحمل الدولة الفلسطينية وفق فهمه اي مقومات دولة وفق القانون الدولي وتنفي حق شعبنا في تقرير مصيره والتهرب من استحقاقات القرارات الأممية التي اتخذها مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي كان اولها القرار ١٨١ عام ١٩٤٧ وما تلاها من مئات القرارات الأخرى بشأن القضية الفلسطينية بما فيها القرار ١٩٤، والتي بقيت حبرا على ورق حتى اللحظة سوى ما تعلق منها بشق تاسسيس دولة الاستعمار الاستيطاني قبل اكثر من سبعة عقود سادت خلالها كل أشكال الظلم التاريخي والقهر بحق شعبنا الفلسطيني وتنفيذ مراحل مختلفة من المشروع الصهيوني والديني المزعوم في كل ارض فلسطين الانتدابية وفق كتاب التاناخ الذي اشار له لابيد امس.
حتى أن بعض الدول الاوروبية أصبحت اليوم تتحدث عن مبداء حل الدولتين كحل تفاوضي دون الإشارة إلى مسألة الحدود أو دون الإشارة إلى مكانة القدس كعاصمة لاستحقاق الدولة التي لم تعترف بها تلك الدول حتى اللحظة أسوة بمعظم دول العالم، ودون الحديث احيانا عن ضرورة انهاء الاحتلال والذي بانهائه فقط يتشكل المدخل الأساس لاقامة الدولة، ودون الإشارة إلى حقوق اللاجئين الشرعية، لتتوافق تصريحاتها بذلك مع جوهر صفقة القرن من قريب أو من بعيد او بما قصده رئيس حكومة الاحتلال يوم امس من ذر الرماد بالعيون وتفريغ مبداء حل الدولتين من محتواه القانوني والتاريخي والسياسي واللعب على مسألة إضاعة الوقت. وقد تعمد لابيد في خطابه استباق ما سيقوله الأخ الرئيس أبو مازن في محاولة لوضع العربة أمام الحصان واختراق مفاصل الرأي العام الدولي بخداع جديد بعد أن أصبحت دولة الاحتلال توصف بدولة الفصل العنصري في إطار سياقات سياساتها الاستعمارية منذ نشاتها على حساب حقوق ومقدرات شعبنا وارضه.
لم يأتي يائير لابيد بجديد عندما تحدث عن تاييده لحل الدولتين ، فمعظم زعماء الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال وقبلهم الرؤساء الامريكان قد تحدثوا سابقا عن ذلك بما فيهم نتنياهو عام ٢٠٠٩ وليبرمان واولمرت قبلهم ٢٠٠٧ وكذلك شارون في ١٨ ديسمبر ٢٠٠٣، علما بموافقة الحركة الصهيونية على هذا الحل الذي تمثل بقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، واستغلت إسرائيل ذلك لاحقا في عملية خداع واسعة للعالم بتقديم نفسها كضحية ظلم تاريخي هدف للتوسع في حدودها النظرية من ما خصصه قرار التقسيم لقيامها من مساحة هي ٥١% من اراضي فلسطين التاريخية الى ثلاثة ارباع مساحتها وهو ما تسيطر عليه فعليا اليوم.
فعن اي مساحة أرض متبقية من وطننا التاريخي يتحدث عنها لابيد في اشارته إلى الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين الذي يؤيده؟ دولة دون الانسحاب من كامل اراضيها المحتلة ودون القدس ومع بقاء المستوطنات والأراضي التي أعلن عن ضمها سابقا ودون الاغوار وممر التواصل الجغرافي مع قطاع غزة ودون سيطرة على الحدود والمصادر الطبيعية ، ومع الابقاء على حماية امنهم المزعوم فيها. لقد كانت هذه سيناريوهات سابقة كان قد طرح ما هو متقدم عنها نسبيا والتي كان شعبنا وقيادتنا السياسية قد رفضتها مرارا وتكرارا ، كونها لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية السياسية الثابتة لشعبنا.
وبما أن إسرائيل غير ناضجة لأي نوع من التسوية السياسية في وقت يتمدد فيه التطرف الصهيوني القومي والديني وهي على أعتاب انتخابات تشريعية جديدة قريبا، فهي تسعى اذن بالحكومة الحالية إلى اطالة زمن الصراع وإدارته وكسب الوقت والنقاط لصالحها أمام عدد من دول العالم والى حاجتها إلى مساندة أمريكية بل وأوروبية في احراجنا ومحاولة حصارنا سياسيا وماليا، وتفريغ حل الدولتين من جوهر محتواه حتى يحين وقت تستطيع فيه حسم القضية وفق ما يحقق استراتيجية الفكر الصهيوني كما تتوهم حكوماتهم.
وقد حدد وزير الأمن الإسرائيلي في خطابه الأسبوع الماضي في مؤتمر «إرهاب في عين العاصفة»، الاستراتيجية الإسرائيلية "بأنها تتلخص بالمحافظة على حالة «كيانين» وليس دولتين، الكيان الأول هو إسرائيل كدولة يهودية قوية لها تحالفاتها الدولية والإقليمية، والكيان الثاني هو حكم ذاتي فلسطيني ممثل بالسلطة الفلسطينية (وفق حديثه)، وان إسرائيل تريد لهذا الحكم أن يبقى لأن انهياره سيفتح الباب أمام مطالبات بحقوق متساوية للفلسطينيين، ما يهدد كيان إسرائيل كدولة يهودية. في الوقت نفسه، الذي تريد فيه إسرائيل أن يبقى الحكم الذاتي الفلسطيني فهي حريصة ألا يبقى للفلسطينيين حلفاء وداعمون ايضا"، بحسب ما جاء باقوال الوزير الإسرائيلي.
أن التمسك بالرؤية الفلسطينية للسلام واحراج المجتمع الدولي بضرورة التوقف عن سياسة ازدواجية المعايير من خلال تحديد مواقف تتعلق بالعلاقة مع تلك الدول سندا لخقيقة مواقفها، هي مسألة لا تعيد تعريف البرنامج السياسي الفلسطيني ولا تشكل احراجا لنا، بل إنه يركز على ما يمكن أن يفعله المجتمع الدولي اليوم ويضع مواقفه على محك المصداقية تجاه الشرعية الدولية التي بات شعبنا يفقد الثقة في معانيها، ويعطي معنى لدعواتنا المتكررة لهم بضرورة العمل من أجل انهاء الاحتلال وكافة أشكال الاستيطان اولا الذي بات اليوم وبعد ٥٥ عاما غير معرف بل مختلط في محتواه العسكري أو الاستيطاني بأرض يدعون هم ملكيتها تزويرا.
ولذلك فانه يتوجب على تلك الدول أن تتصرف بشكل فردي وجماعي حيثما أمكن ذلك لفرض سياسة العقوبات على إسرائيل طالما هي دولة احتلال وابرتهايد وحظرها من الانخراط في مشاريع اقليمية اقتصادية وغيرها كما واعادة النظر بالعلاقات الدبلوماسية معها، وذلك تحقيقا لالتزامات تلك الدول بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي هي طرفا فيها ، والتمسك بجوهر ومحتوى مبداء حل الدولتين بوضوح الحدود على أساس ما قبل ٤حزيران١٩٦٧ وبوضع القدس الشرقية كمدينة محتلة وعاصمة للدولة الفلسطينية وفق قرارات مجلس الأمن وغيره من المحافل الاممية و وفق ما جاء بنصوص القانون الدولي وضرورة
الاعتراف بها أسوة باعتراف هذه الدول باسرائيل وسندا للقرار ١٨١ حتى يتسنى للدولتين التفاوض على اسس المرجعيات الأممية والقانون الدولي بما يضمن تنفيذ مبداء حق تقرير المصير.
إنه لجبن ومن هزيمة الذات أن تختبئ بعض الدول وراء الحاجة إلى قرار جماعي يتطلب في الواقع موافقة إسرائيلية على الاعتراف بدولتنا او من أجل العمل على عقابها هي نفسها.
ولحين تشعر دولة الاحتلال بأن استمرار احتلالها لاراضي دولة فلسطين وارتكابها مزيدا من الجرائم اليومية سيكون مكلفا ويهدد مكانتها واستقرارها ونموها كما ومستقبلها، فسيكون لذلك أثرا اَخر.