إنه إضراب المواجهة
أعلن ثلاثون أسيراً من الأسرى الإداريين على البدء في إضراب مفتوح عن الطعام رفضاً لسياسة سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإعتقالهم دون أي فعل إقترفوه، وبدون أي محاكمة. البعض منهم قضى سنتين في الإعتقال، والبعض الأخر إستمر إعتقاله لأكثر من 8 سنوات بشكل متقطع، بين كل تمديد وآخر عدة أشهر خارج المعتقل. ومن بين هؤلاء الأسرى الذين أمضوا فترات طويلة في السجن الإداري الأسير غسان زواهرة والأسير نضال أبو عكر من مخيم الدهيشة في بيت لحم. وفي هذا المخيم، نصب أهاليه خيمة تضامن مع هؤلاء الأسرى المضربين وذويهم. الأطفال والفتيات والشباب وأمهات الاسرى وزوجاتهم وأبنائهم .. الجميع كان حاضراً ليعبر عن حالة التضامن والصمود إجلالاً لقضية الاسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال، وخاصة الاسرى الاداريين الذين تجاوز عددهم حتى بداية هذا الشهر 743 معتقلا إداريا حسب إحصاءات مؤسسة الضمير.
سألت أحد الأطفال من أبناء الأسرى الإداريين المضربين عن شعوره في هذه الخيمة، فأجاب أنه قلق خوفاً على تدهور صحة أبيه الاربعيني. وأخفت إحدى الأمهات حسرتها أن تفقد إبنها المضرب عن الطعام كما فقدت أخيه شهيداً قبل عدة سنوات على أيد قوات الاحتلال في مظاهرة في مدينة بيت لحم مطالبةً بالافراج عن الأسرى وتحسين أحوالهم. وفي زاوية أخرى في الخيمة، يتحدث أحد الآباء للشباب من حوله حول إعتقالات إبنه الإدارية المتكررة معتزاً بصموده في معركة الأمعاء الخالية أكثر من مرة. وشابة في ركن معاكس، تتجول بين الصفوف، تصور المشهد عن كثب من هاتفها الخلوي، وهي تحبس دموعها خوفاً من تصدع الروح المعنوية لزوجات وأمهات المضربين. الجميع في الخيمة يتحدث، ولكنهم يدركون أنها مسألة وقت حتى يعم الصمت والقلق والخوف جدران هذه الخيمة، حينها سيراقب الجميع فقط الأخبار عن صحة الاسرى المضربين ويدعون الله أن ينتصر الأسرى. إنها معركة الموت، انها معركة للمواجهة، وليس الأسرى وحدهم يخوضونها، وانما الأهل والأصدقاء والأبناء، جميعهم جزء من هذه المعركة، وجميعهم يؤمن بحتمية الانتصار على السجان.
بالرغم من تجريم منظومة القانون الدولي للاعتقال الإداري، الا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تبرر الحبس الإداري بأسباب أمنية لا يمكن الإفصاح عنها أمام المحاكم حسب إدعائهم!. غير أن الواقع لا يؤيد هذا التبرير الإسرائيلي! فأغلبية الأسرى الإداريين يعودون الى المعتقل بعد فترات وجيزة من الافراج عنهم، ولا يعلم أيا منهم سبب إعتقاله. ولو أن مبررات أمنية سرّية دعت "الشاباك" الإسرائيلي لإعتقال أحد المطلوبين إدارياً، لكان من الأولى أن يتم إخباره بفعلته، على الأقل حتى لا يكررها!. من زاوية آخرى، تشير بعض الشواهد على أن عملية الاعتقال الإداري عبثية وتهدف فقط الى كسر إرادة المناضلين السياسيين. على سبيل المثال، أخبر أحد ضباط "الشاباك" الأسير غسان زواهرة أثناء إعتقاله الإداري للمرة الخامسة، بأنه "يدرك أنه لم يفعل شيئاً أثناء خروجه القصير من المعتقل، ولكنه إعتقله مرة أخرى حتى لا يقلق منه مستقبلا" . أسير مناضل آخر اسمه أحمد قطامش تم إعتقاله إداريا لمدة 4 شهور وعمره قد تجاوز 75 عاما. وتكرر نفس المشهد حينما داهمت قوات الاحتلال منزل المناضل عطالله أبو غطاس ليتم إعتقاله إدارياً، فتفاجأ الجنود أنه ثمانيني مقعد في سريره لا يقوى على فعل أي شيء!. هذه الحالات وغيرها توضح لنا أن الهدف من الاعتقال الإداري هو فقط كسر الوعي النضالي وتهشيمه. إنه لا يتعلق بالأمن ولكنه مرتبط بالفكر، فهم يريدون تدمير العقل الفردي والجماعي النضالي لدى الشعب لفلسطيني، إنهم بإختصار، يعتقلون المناضلين الفلسطينيين لكي يخبروهم ويخبروا أهاليهم بأن الاحتلال موجود في كل مكان، يراقبهم حتى في غرف نومهم، يستطيع أن يعتقلهم في أي لحظة وفي أي مكان، والهدف من كل هذا تخويفهم وترويعهم وكسر إرادة المقاومة لديهم. ولكنهم مع كل ما يفعلوه لم يستطيعوا كسر إرادة المعتقلين ولن يستطيعوا، وأبسط دليل على ذلك هو تحدي الاسرى الاداريين لإرادة السجان في هذا الاضراب. انه ليس إضراباً للافراج عنهم، ولكنه أيضاً إضراباً لكسر إرادة السجان، إنه اضراب انتصار الوعي النضالي والاشارة الى أنه لن يركع أو ينكسر حتى لو تكررت مرات الاعتقال الإداري عشرات المرات.