يلا نحكي: الحوار الاستراتيجي في الجامعات الفلسطينية!
مما لا شك فيه أنَّ الجامعات الفلسطينية، على مدار السنوات الخمسين الماضية، شكلت قلاعاً وطنية ومنارات علمٍ، كما أنَّ مجتمعاتها وآليات عملها شكلت أدوات تغيير فاعلة في البنى الثقافية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني (في الضفة الغربية وقطاع غزة) على طريق بناء المجتمع التقدمي؛ لما يحمله ذاك المجتمع "مجتمع الجامعة" من قدرة على التعديل الذاتي من خلال ميكانيزمات النزاع والحفاظ على الذات والتقدم في الفضاء الجامعي باعتباره مساحة تفاعلية قادرة على الحفاظ على مجتمع الجامعة والانتصار للجامعة ذاتها كقيمة معنوية ومادية.
شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الضربات الموجعة لمجتمع الجامعة في فلسطين سواء بتراجع قدرتها على إحداث التغيير الاجتماعية والثقافية في المجتمع الفلسطيني، أو تراجع السلوك الاجتماعي داخلها وبين أطرافها كانعكاس لتراجع القيم الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني على سلوك البعض في الجامعات تمثل في طرق حل الخلافات الفردية والجماعية، وباستخدام وسائل عنيفة في الخلافات، وبتدني الخطاب بين مكونات مجتمع الجامعة، وبالانغلاق والتوتر بين أطراف المجتمع الثلاثة، وبصعوبة الوصول إلى حلول للخلافات وانقضاء مدد زمنية للقدرة على التوصل إلى حلول للنزاعات؛ في أغلب الأحيان متجزئة تؤسس لنزاع جديد في الجامعة ومرحلة لها بدلا من بناء وترسيخ الحلول الدائمة. الأمر الذي أثر بشكل جلي على روح التعاون بين مكونات مجتمع الجامعة ومدى التفهم لمصالح الآخرين فيه.
إنّ الحوار الاستراتيجي الشامل بين مكونات مجتمع الجامعة (الإدارة والعاملين والطلبة) على المستوى الوطني لا يحمل فقط طريق الحماية لها من النزاعات الداخلية واستمرار العملية الاكاديمية فقط، بل هو وسيلة لإعادة تفعيل ميكانيزمات التغيير الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني وإعادة بناء المجتمع التقدمي الذي نادت به وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني؛ وذلك من خلال الحفاظ على مجتمع جامعي منفتح ديمقراطي يمارس بشكل فعلي قواعد النظام الديمقراطي؛ كانتخاب ممثلي الطلبة والعاملين، وتحترم إدارة الجامعة فيه سيادة القانون "القانون والأنظمة المعتمدة"، وتعتمد أطرافه الحوار كآلية لحل الخلاف وفض النزاعات، ويتمتع كل طرف حساسية عالية لمصالح واهتمامات الأطراف الأخرى ومستجيب للمصلحة الكلية للجامعة.
في ظني أنَّ انعقاد مؤتمر يجمع رؤساء الجامعات الفلسطينية ورؤساء نقابات العاملين وممثلي مجالس الطلبة للبدء بحوار استراتيجي شامل؛ من أجل حماية الجامعات الفلسطينية من الاستهداف الاحتلالي، والحفاظ على اشعاعها الاجتماعي والثقافي، وتطوير أدوات الحوار الداخلي في الجامعات وآلياته، وإعادة الروح الديمقراطية لمجتمع الجامعة، وتعزيز آليات الحوار ومراعاة مصالح الأطراف، يعد مطلباً وطنياً ومجتمعياً ضرورياً لتجنب الانحدار المتسارع لمكانة الجامعة في المجتمع الفلسطيني وتراجع دور الفضاء الجامعي في بناء المجتمع الفلسطيني التقدمي.
ملاحظة: فكرة عقد مؤتمر لممثلي مكونات الجامعات تشاركت بها مع الصديق ماجد العاروري وتم طرحها على رئيس جامعة القدس قبل أسبوعين؛ أي قبل الانخراط في مبادرة الوساطة المجتمعية للمساهمة في حل أزمة جامعة بيرزيت.