يلا نحكي: عودة نتنياهو وصعود الفاشية الاسرائيلية
أبرزت انتخابات الكنيست الإسرائيلية الأخيرة "نوفمبر 2022" مسألتين رئيسيتين في المجتمع الإسرائيلي هما (1) عودة نتنياهو للحكم رغم محاولات التحالف لدحره بين الكتل الانتخابية الإسرائيلية ووجود قضايا فساد في المحكمة. و(2) صعود الأحزاب الفاشية الإسرائيلية "الصهيونية اليهودية والقوة اليهودية" التي لها موقف رفضوي لوجود الفلسطينيين أو أي عملية سياسية مع الفلسطينيين من حيث المبدأ.
لكن السؤال الذي يدور في أوساط الصحفيين خاصة الأجانب منهم يتعلق بمدى تأثير هذه الانتخابات على الأوضاع الفلسطينية والسيناريوهات المحتملة الناجمة عن عودة نتنياهو وارتكاز الائتلاف الحكومي على الأحزاب الفاشية الصاعدة وطبيعة السياسات الإسرائيلية واحتمال الوصول إلى "انتفاضة" أي مواجهة عنيفة مفتوحة "انتفاضة".
في ظني أن اختلاف الحكومات الإسرائيلية على مدار سنوات الاستعمار الإسرائيلي الخمسة والخمسين الفارطة لم يغير من السياسات المرسومة للسيطرة والهيمنة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إلا في لحظات تاريخية مؤقتة مثل "نوايا" الوصول إلى سلام في عهد اسحق رابين عام 1994 وإيهود أولمرت 2008، ودونهما لم تأتِ أي حكومة إسرائيلية تحمل من هذه الرغبة أو الإرادة شيئاً. وارتكزت جميع سياسات الحكومات الإسرائيلية على زيادة الاستيطان في الضفة وتهويد مدينة القدس، وإبقاء السيطرة العسكرية على الأرض والشعب والفضاء الجوي والمياه الإقليمية لدولة فلسطين المتخيلة. واعتمدت في إطار استمرار الهيمنة على سياسات الترغيب والتهديد؛ أي التحسين الاقتصادي للسكان من خلال زيادة العمالة بفتح سوق العمل في إسرائيل، مقابل القمع المادي وفرض العقوبات الجماعية على المواطنين لإخماد مقاومة الفلسطينيين في مواجهة أدوات الاستعمار ومظاهرة في الأراضي المحتلة.
إنَّ صعود أحزاب ذات الطابع الفاشي "الصهيونية اليهودية والقوة اليهودية" في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بحصولها على أربعة عشر مقعدا يعبر عن تحولات في المجتمع الإسرائيلي على مدار الخمسين عاما الفارطة بالانزياح نحو اليمين المتطرف؛ فمن مقعد واحد استطاع زعيم حركة "كاخ" مائير كاهانا الحصول عليه في انتخابات 1984 بعد محاولات بدأت في انتخابات عام 1972 إلى أربعة عشر مقعدا في انتخابات 2022؛ أي حوالي 12% من مجمل مقاعد الكنيست الأمر الذي يوضح التحولات الاجتماعية في المجتمع اليهودي في إسرائيل من جهة، ويظهر قدرة المستوطنين وتأثيرهم على الحكومة الإسرائيلية وفي سياساتها وركائز حكمها.
في المقابل يعيش الفلسطينيون في أتون مواجهة عنيفة مع الاحتلال ومركباته وتبعاته وهي من واحدة من موجات المواجهة المتتابعة تحديداً منذ العام 2015 إثر فقدان الأمل بإنهاء الاحتلال في المستقبل القريب، وانسداد الأفق السياسي الذي مارسته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتراجع تأييد البرنامج السياسي القائم على خيار حل الدولتين، واستمرار الاحتلال بسلسلة جرائمه ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتهويد مدينة القدس وبالاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، والتوسع الاستيطاني وشرعنته من قبل الحكومات الإسرائيلية المختلفة.
في ظني أن الفلسطينيين لا يرون من حيث الجوهر أي تغيير في السياسات الإسرائيلية القائمة على الهيمنة والسيطرة والتمييز العنصري لإطالة أمد الاستعمار والاحتلال العسكري الأمر الذي لا يزيد من الإحساس بالظلم بل بالكرامة الوطنية وتعاظمها لدى فئات واسعة من الجمهور الفلسطيني وهي تزداد بشكل طردي مع سياسات الاستعمار الإسرائيلي القمعية بغض النظر عن شكل وطبيعة الحكومة الإسرائيلية القائمة أو القادمة.