إلى أين تقود حكومة نتنياهو الجديدة إسرائيل؟!
جدل صاخب، لا يخلو من اتهامات، ومخاوف شديدة تتزامن مع الإعلانات، عن توقيع اتفاقيات ائتلافية بين "الليكود" وإيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش تثير جدلاً بشأن الصلاحيات وتأثيرها على بعض الوزارات السيادية، وعلى السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
المخاوف لا تقتصر على الأوضاع الداخلية، والكثير من الشخصيات العامة الحزبية والعسكرية والأمنية والإعلامية، وإنما تخرج إلى الحيّز الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والجاليات اليهودية.
الصلاحيات الممنوحة لبن غفير كوزير للأمن القومي، المسمّى الجديد لوزارة الداخلية، تمنح هذا الإرهابي، المجال لتشكيل جيش على حسابه في الضفة الغربية، من المستوطنين والشرطة، إضافة إلى "حرس الحدود" الذي سيخرج من صلاحيات الجيش.
أما الوزير سموتريتش فإنه سيقتطع من الجيش، أيضاً، صلاحياته تجاه ملف الشؤون المدنية، من خلال تعيين وزير مفوض بصلاحيات فوق صلاحيات وزير الجيش.
هذه الصلاحيات عملياً تعني إطلاق يد الحركتين الفاشيتين اللتين يديرهما كل من بن غفير وسموتريتش، للعمل باستخدام أقصى العنف، ضد الفلسطينيين، قتلاً، واعتقالاً، ومصادرة أراض، وبناء مستوطنات، وتشريع خمسٍ وستين من البؤر غير الشرعية، وهدم وتهجير وتغيير الواقع القائم في المسجد الأقصى.
وقالت رسالة لوزير الجيش المكلف يوآف غالانت: "إذا تولّيت المنصب، حسب الشروط الجديدة والصلاحيات التي سحبها نتنياهو منك لصالح بن غفير وسموتريتش، ستصبح أنت المقاول لتفكيك المنظومة الأمنية والجيش الإسرائيلي، وستكون وزير دفاع من الدرجة الثانية".
الوزير المكلّف غالانت كان قد أعلن موافقته على ما تم الاتفاق عليه بين نتنياهو وكل من بن غفير وسموتريتش، ما يعني أن ثمة مخاوف حقيقية، إزاء تفكك المنظومة الأمنية، وربما نشوء أكثر من جيش، فضلاً عن ميليشيات خارج السيطرة.
رئيس الأركان أفيف كوخافي، أكثر من يستشعر الخطر، بسبب موقعه المسؤول ينتقد الصلاحيات التي ستمنح لسموتريتش، رئيس "حزب الصهيونية الدينية"، ويقول فيما يمكن أن يصل إلى حدّ التمرّد، إنه لن يسمح بالاقتراب من تعيين أي جنرال في الجيش، ويرى بأنه لا يوجد لهذا الاتفاق أي جدوى.
وزير الجيش الأسبق، موشيه يعالون، يخرج عن سياق لغة النقد، والدبلوماسية المعتادة، حيث عبّر عن تنديده، بالوضع الفوضوي السائد، حين يعلن بصريح العبارة، أن "حكومة مجرمين" تقوم هنا.
ويضيف يعالون، إن من يقود نتنياهو في تشكيل حكومة تتألف من مخالفين للقانون هو وزير الأمن القومي الذي يزخر ملفه بثماني إدانات، اثنتان منها هي دعم للإرهاب.
وفي تفسيره لسلوك نتنياهو يقول يعالون، إن فكرة تمزيق أجزاء من وزارات، مصدرها وجود رئيس وزراء، يعمل منذ 2017 على بيع البلاد لخدمة مصالحه بغية النجاة من قفص الاتهام.
ينهي يعالون مقابلته الإذاعية بالتحذير من أن إسرائيل ستحصل على "بطاقات حمراء" من الأميركيين.
في ردود الفعل الأولية على المستوى الدولي، تتحدث الخارجية الأميركية، عن عدم استعدادها للتعامل مع الوزيرين بن غفير وسموتريتش، ويحذر وزير الخارجية من تصعيد العنف، ومن بناء مستوطنات جديدة، أو تغيير الواقع في المسجد الأقصى.
يبدو أن الموقف الأميركي، من المتوقع أن يتطور تجاه العلاقة مع "حكومة المجرمين" كما يسمّيها يعالون، بحسب أدائها وسياساتها اللاحقة، ما سينعكس، أيضاً، على الجالية اليهودية في الولايات المتحدة.
الاتحاد الأوروبي، لم يتأخّر في التعبير عن "قلقه"، واستعداده للتعامل مع الوقائع القادمة، ولكنه يفضل التعبير عن هذا "القلق" من خلال الإعلان عن وقف الاتصال والتواصل مع إسرائيل، بشأن تنفيذ مشروع اتفاقية التعاون الاستخباراتي بين الشرطة الإسرائيلية ومنظمة "اليوروبول" (وكالة تطبيق القوانين الأوروبية).
إسرائيل عبّرت عن غضب حاد إزاء الانتقاد بإعدام الشهيد عمّار مفلح من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا البانيز، والمنسّق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، وتعتبرهما متعاطفين مع الإرهاب. وربما تبادر الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ إجراءات عقابية بحقهما.
الموقف من المبعوثين الدوليين، ينطوي على إشارة إلى طبيعة الردود المجنونة والتي تنطوي على غضب وارتباك، وتشير إلى مخاوف إسرائيل من تصاعد النقد والغضب تجاهها من قبل المجتمع الدولي.
على الصعيد الميداني، ثمة مخاوف من تصعيد إسرائيلي كبير خلال هذه الأيام وقبل إتمام المفاوضات لتشكيل نتنياهو حكومته، ربما بدافع خلط الأوراق، وتعقيد الأوضاع أمام الحكومة المقبلة.
يوم الثلاثاء المنصرم، كان وزير الجيش بيني غانتس قد أصدر تعليمات للجيش بالاستعداد لاحتمال وقوع تصعيد من الفلسطينيين في الضفة، أو وقوع حدث نوعي كبير، ويمكن أن يرتبط ذلك، أيضاً، بغزة وفق تعبيره.
هذا يعني أن إسرائيل ربما تفكر بخلق مثل هذا الحدث لتبرير تصعيد كبير وواسع يشمل قطاع غزة بهدف إرباك الحكومة الجديدة فوق ما تعاني من إرباكات.
في اليوم ذاته وربما على صلة، نقلاً عن "يديعوت أحرونوت" فإن مسؤولا كبيرا سابقا في شرطة الاحتلال يتوقع أن تحدث موجة جديدة من المواجهات في مدن "الداخل" أكبر بكثير من تلك التي حدثت خلال الحرب الأخيرة على غزة، ويحذر من مذابح خطيرة، يمكن أن تندلع في أي لحظة، ودون سابق إنذار وهو يعتقد أن الشرطة غير مستعدة لمثل هذا السيناريو.
في الخلاصة، فما أن يتم نتنياهو اتصالاته لتشكيل "حكومة المجرمين" فإن من المتوقع أن تتسع دائرة الانقسامات والاحتجاجات وربما التمرّدات داخل المؤسسة الإسرائيلية، ومع بداية عمل هذه الحكومة فإن المشهد الدولي تجاه إسرائيل وفلسطين، ينطوي على تغييرات، بالتأكيد ليست في صالح إسرائيل.