نعم.. هناك أزمة مالية و"سوء إدارة حكومية"!
صدى نيوز - رئيس التحرير: من يُنكر الأزمة المالية التي تعاني منها فلسطين إما أنه جاهل بالحسابات الرياضية، أو أنه يريد لنفسه أن لا تقتنع، فالأزمة حقيقة لا لُبس فيها، وهي أزمة ليست سهلة، لكن ما يُزيدها تعقيداً هو سوء الإدارة الحكومية لها!
تعاني فلسطين من حصار وضغوط سياسية واقتصادية من القريب والبعيد، فالدعم العربي والأوروبي والأمريكي يلامس الصفر حيث لم تتلق الحكومة في 2021 على طولها سوى 30 مليون دولار مساعدات خارجية، بانخفاض 90 بالمئة عن المقدر في الموازنة العام الماضي، أضف إلى ذلك الاقتطاعات الإسرائيلية المليونية شهرياً من أموال المقاصة، ما خلق عجزاً كبيراً في موازنة السلطة، أثرت على كل مناحي الحياة، شركات الأدوية، الموردين، القطاع الخاص، وأثرت كذلك على رواتب الموظفين في الدرجة الأولى، تلك الرواتب التي كانت ولا تزال المحرك الرئيسي لعجلة الاقتصاد الفلسطيني.
في ظل هذا الواقع المعقد الذي لم تشهده دولة في الشرق الأوسط في العصر الحديث من غياب للمجلس التشريعي واختلاط السلطات الثلاث دون فاصل بينهن، تتفرد الحكومة الفلسطينية بقراراتها المالية والسياسية والإدارية، وكأنها في واقع وردي لا تحتاج فيه إلى عقل تشاوره أو إلى مؤسسات أو فصائل أو أفراد أو نقابات أو مجتمع مدني تستند إليه وتشاوره فيما "وقعت فيه".
تحمل الحكومة الفلسطينية الحالية شعار التقشف وهي بعيدة عنه بعد السماء عن الأرض، فأين التقشف والمواكب مستمرة في طوافها وحركتها، أين التشقف وشراء السيارات الحديثة مستمر، ونثريات الوزراء لا تُمس؟ أين التقشف وبعض الوزراء يمتلكون 3 و4 سيارات حكومية يُبدلونها "حتى لا يملوا"! .. أين التقشف يا حكومة والوزراء تكاد أقدامهم لا تطأ الأرض لكثرة سفرهم وطيرانهم!
قبل أيام عرضنا في صدى نيوز أرقاماً صادمة عن تكلفة السفارات الفلسطينية للخزينة العامة، حيث تصرف سنوياً ربع مليار شيقل، وما المردود؟ المردود يكاد يلامس عتبة الصفر، فأين الجهود الدبلوماسية مقابل ربع مليار شيقل؟ ولماذا ينخفض التأييد الدولي والتصويت في الأمم المتحدة لصالح فلسطين في بعض القرارات؟
أين التقشف مرة أخرى وكل هذا المال يُهدر في حين قررت دول عظمى تقليص تمثيلها الخارجي لتقليص تأثيرات جائحة كورونا الاقتصادية!
الحكومة الفلسطينية التي وجدت في جيبة الموظفين حلاً سهلاً لإدارة أزمتها الاقتصادية، لم تنجح في فتح ملف الماء والكهرباء مع الشركات والبلديات، علماً أن ما تقتطعه دولة الاحتلال من اموال المقاصة بدل فواتير الماء والكهرباء 47% من مجمل الاقتطاعات!
الحكومة أعلنت سابقاً أن البنوك منحتها الحد الأعلى من القروض، وأن لا إمكانية لقروض جديدة، واستخدمت نفوذها وانقضت على حقوق الموظفين واستغلت رواتبهم وصندوق تقاعدهم، حيث أن قيمة ما تمتنع الحكومة عن سداده ثلاثة مليارات دولار لصندوق التقاعد ومليارا شيكل عجز في دفع الرواتب دون ان تدفع أي فائدة لصندوق التقاعد أو لحساب الموظف والذي فرضت عليه فوائد وغرامات بسبب عجزه عن سداد قروضه أو شيكاته، بل بعضهم دخل السجون وتجرجر على عتبات المحاكم، وآخرين لم يستطيعوا تعليم أبنائهم في الجامعات، أو حتى توفير مستلزمات بيوتهم الأساسية، دون أن تُحرك الحكومة ساكناً أو حتى تشكرهم على صمتهم في ظل غياب أجسام نقابية تدافع عنهم وعن حقوقهم.
الحكومات المتعاقبة فرضت ضرائب جديدة على المواطن والموظف بلغت تقريبا 43% من دخله دون منحه أي مقابل لذلك، فهل العلاج المجاني والامن متوفر؟ وهل التعليم في المدارس والجامعات مجاني؟ وهل هناك قروض سكنية ميسرة؟ وهل يتوفر فرص عمل للجميع؟ بالطبع (لا).
على الحكومة دون تردد تحمل مسؤوليتها ودفع مستحقات الموظفين والمستشفيات والشركات وفق أولويات مقنعة، مع الحفاظ على الحقوق لهم بدفع الفوائد المستحقة شهريا كما تدفع للبنوك، والموظف والمواطن المخنوق لن يحتمل لشهور أخرى أو سنوات قادمة في ظل صمت الحكومة وعدم تقديمها حلولاً قريبة الأجل، حتى بات الحديث في الشارع عن قرار في الخفاء بتخفيض دائم لرواتب الموظفين إلى 80%.
على مجلس الوزراء أن يكون عند مسؤولياته، وأن يدير هذه الأزمة بشكل صحيح، وأن يشرك المجتمع في قراراته -حتى يأذن الله بإحياء المجلس التشريعي- وأن يعالج مشكلة أقساط الجامعات لأبناء الموظفين والبحث عن حل لفواتير الماء والكهرباء والشيكات التي تراكمت على الموظفين الذين لم يرحمهم أحد، لا البلديات ولا المجالس القروية ولا الجامعات ولا صاحب البقالة!
على الحكومة أن تبحث بجد عن حلول على حسابها هي، لا على حساب الموظف وجيبه "المثقوب"!