"حراكنا السياسي في ظل الأزمات القائمة والمتغيرات الدولية الجارية"
مقالات

"حراكنا السياسي في ظل الأزمات القائمة والمتغيرات الدولية الجارية"

في زمن المتغيرات المتسارعة الجارية بالعالم اليوم والهجمة المتصاعدة والوحشية على شعبنا وقضيتنا وتراثنا الوطني التحرري ، وعلى أثر متغيرات معادلات التحالفات بالأقليم خاصة بعد ما سمي باتفاقيات التطبيع المجانية "ابراهام" واستمرار المحاولات المحمومة من الإدارة الأمريكية في محاولة اعادة ترتيب اوراق وأوضاع المنطقة لما يخدم الغطرسة الاسرائيلية خاصة فيما حاول بايدن القيام به من خلال زيارته الأخيرة للمنطقة التي لم تحقق نتائجها المرجوة ، إضافة الى تصريحات نتنياهو امس حول اصراره على استكمال هذه الاتفاقيات مع انظمة دول أخرى الأمر الذي يحقق للعقلية الصهيونية مرادها بتجاوز الحقوق الوطنية لشعبنا في محاولاته ابرام تلك الصفقات التي ترفضها كافة شعوبنا العربية ، كما وتصريحاته التي قال فيها أن السلام الذي يسعى إليه مع الفلسطينيين سيكون على أساس "منحهم صلاحيات لحكم أنفسهم لكن دون سيادة ومع وجود الأمن بيد إسرائيل".

أمام ذلك فانني اتوقف عند أهمية ما قاله الأخ الرئيس في ظل الظروف الحالية ، وذلك قبل اسبوع في لقاء القمة العربية الصينية الهامة لمنحى المتغيرات بالمنطقة ، "إننا نفتقد هذه الأيام لوجود شريك في إسرائيل يؤمن بحل الدولتين على أساس الشرعية الدولية، والاتفاقيات الموقعة، ونبذ العنف والإرهاب، وهي المبادئ التي نحن ملتزمون بها ونعمل بموجبها ، إننا ندعو في هذا الإطار، المجتمع الدولي، إلى عدم التعامل مع أية حكومة إسرائيلية لا تعترف بهذه المبادئ والقيم." 

ورغم ما تحمله هذه الدعوة من أهمية سياسية واضحة المعالم للعالم ، الا أننا لم نجد اي من حكومات دولة الاحتلال منذ نشأتها قد اعترفت بأي من مبادئ وقرارات الشرعية الدولية أو عملت على تنفيذها وبالمقدمة منها القرار الأممي ١٨١ الذي افترض إقامة دولتين وما تبعه من قرارات حتى تاريخ اليوم ، بل ولم تنصاع إلى أي منها ولم تلتزم عمليا باي من الاتفاقيات الموقعة ، الأمر الذي استوجب اتخاذ العديد من القرارات داخل المجلس المركزي وغيره من الهيئات القيادية التي تنتظر التنفيذ الآن وذلك لإعادة صياغة العلاقة بيننا وبين الاحتلال كشعب ما زال تحت الاحتلال ويخوض غمار مرحلة التحرر الوطني . 
فأمام ذلك فإن مصطلح الدولة المارقة وفق تعريفاتها ينطبق تماما على دولة الأحتلال الأستعماري لتلك الأسباب التي ذكرتها إضافة إلى ما تشكله من أخطار على السلم والأمن الدوليين ، ولن نجد فيها حتى القريب القادم من يتعاطى مع الشرعية الدولية .  

أن فضح عنصرية الأحتلال وجرائمه والذي تعاني دولته أزمة حكم وتضارب مصالح داخل البيت الصهيوني ، التي وفي غياب أي يسار إسرائيلي تتسابق قوى اليمين الصهيوني فيها والأكثر يمينية وتطرفا من اليمين الديني الصهيوني لتنفيذ رؤيتها الرافضة لفكرة السلام الحقيقي والعادل على حساب حقوق شعبنا ودمائه ، بالوقت الذي يتوجه مجتمعها اكثر نحو الفكر العنصري الفاشي لتنفيذ الرؤية الصهيونية التوراتية .

فمن أجل محاصرة ومعاقبة وعزل هذه السياسات الصهيونية بالمنطقة بل وبالعالم والتي تشتد علينا في ظل تحالف احزاب صهيونية فاشية ودينية اليوم ، في ظل دعم ومساندة الادارة الامريكية تحت مبررات مختلفة ومحددات سياسية بل واستراتيجية متعددة ، رغم بعض التحفظات اللفظية والتي يتم التراجع عنها سريعا بشان الخوف على ما يسمى "بالهوية الديمقراطية لدولة اسرائيل" ، وإلتى بمضمونها وآثارها اصبحت اليوم تطغى على بعض التوجهات والسياسات في القارة الأوروبية تحديدا ، خاصة مع عدم إمكانية الأوروبين الآن الخروج من دائرة التبعية لسياسات الهيمنة الأمريكية وتحديدا المتعلق منها بفتح الصراع مع الشرق والقوى الناهضة به والمتمثلة بالصين وروسيا وما يرتبط بهما من تحالفات اوراسية ، أو مع غيرها من الدول التي عاشت التغيير مؤخرا بالقارة اللاتينية. 

فأوروبا الان تصرف المليارات كمساعدات لاوكرانيا على حساب احتياجات شعوبها وتنفذ الأملاءات الأمريكية بالخصوص . 
  بل وانها قد استنفذت المخزون العسكري من الأسلحة بسبب ما قدمه الاتحاد الاوروبي لاوكرانيا. 
هذا بالوقت الذي تتصاعد به الإحتجاجات الشعبية بالعديد من دول الاتحاد الاوروبي وبريطانيا ضد سياسات الحكومات الأوروبية المتعلقة بالاساس بزيادة الفقر والبطالة وتدني الأجور والارتفاع الحاد بأسعار الطاقة والسلع الأساسية . 

أن ذلك باعتقادي يجري لسببين ، الأول هو استمرار خضوع دول الاتحاد الأوروبي لسياسات الولايات المتحدة واملاءاتها وتحديدا الآن والمتعلق منها بروسيا وفرض العقوبات الجائرة عليها على قاعدة ازدواجية المعايير ، والثاني هو غياب زعامات سياسية حقيقية بالدول الأوروبية كالتي برزت بالعقود الماضية ، واستحضار مسوؤلين بدلا منهم في مراكز صناعة القرار السياسي مرتبطين بمجموعات ضغط وتأثير مالية لشركات عالمية كبرى جزء منها يخضع لسيطرة المال اليهودي . ولحين احداث التغيير سيدفع المواطن والشعوب الأوروبية ثمنا باهظا ، وستتعرض العلاقات البينية بين دول الاتحاد الأوروبي إلى الانكماش والتوتر وقد يسبب ذلك بتصدع أساس قيام هذا الاتحاد والى اختلافات بالمقاربات السياسية لدول الاتحاد مع الهيمنة الأمريكية .
أمام هذه الظروف المتعلقة بأزمة الاتحاد الأوروبي وحكومات دوله ، فإن قَدرنا الآن ان نضاعف حراكنا السياسي والدبلوماسي ، و أن نكون بين الشعوب ومعها ومع حركاتها ضد الهيمنة والعنصرية والاضطهاد والاستغلال أينما كان ذلك قائما في هذا العالم ، في زمن يتداعى به النظام الدولي احادي القطب وتخرج به الشعوب في مظاهرات واضرابات ستتفاقم مع الايام القادمة من فصل الشتاء مع وجود ٣٥ مليون أوروبي سيكونوا تحت خط فقر الطاقة .   

الآن علينا ان نقترب من مختلف الطيف السياسي الأوروبي بالقدر الذي يقتربون فيه منا في ظل هذه المتغيرات المتسارعة ، وان نكون جزء من الدفاع عن قضايا تلك الشعوب وان نساندهم كي يساندونا ، أن نقف مع الشعوب من أجل الحريات ومبادئ الإنسانية جمعاء وتقدمها في هذا العالم ومن أجل حصار وعزل الاحتلال ونظامه العنصري الفاشي .

وأشير هنا الى تصريحات الأخ محمود العالول نائب رئيس حركة فتح في المؤتمر الأول لمناهضة الابرتهايد الذي دعى فيها ،
"الى ضرورة مواجهة الجرائم الإسرائيلية، ونظام الفصل العنصري من خلال المقاومة الشعبية، وتكثيف الجهد الدبلوماسي في العالم، عبر مختلف مؤسسات الأمم المتحدة، واتباع المسار القانوني من أجل عزل الأحتلال وعنصريته في العالم."

أن تنفيذ ذلك برأيي يتطلب طبعا اولا ، جعل الاحتلال اكثر كلفة بتصعيد المقاومة الشعبية ، والعمل والمثابرة برؤية متجددة بالعمل الدبلوماسي المقاوم من أجل تفعيل دورنا بين قوى الشعوب السياسية والاجتماعية التي لا توالي الأستعمار وقوى الظلم والاضطهاد وبالمقدمة منها دولة الأحتلال الاستعماري ، كما ويتطلب منا تناول كافة القضايا السياسية والقانونية بمزيد من الجرأة والمعرفة والموضوعية والجدية ، حتى ولو أبحرنا في تيار مضطرب ، علينا أن نعمل بانتماء وطني وبجدارة وتميز بين كل تلك المجتمعات وشعوبها وبالمنظمات الدولية .
 ان استنهاض قوى برلمانية، نقابية ، حزبية وجماهيرية ضاغطة على الحكومات في كل العالم هو الأمر الأهم في ظل هذه الازمة الاوروبية التي تعصف بعدد من الحكومات ، الأمر الذي يتطلب إضافة إلى الحراك المستمر لكوادر وزارة خارجيتنا بالزيارات المختلفة ، استنهاض دور سفارتنا حول العالم بالعمل الدبلوماسي الرسمي و الشعبي والعام والرقمي واعتبارها خليات عمل بالتعاون مع اصدقاؤنا في مختلف الدول ، والخروج من حالة  ظاهرة العمل البروتوكولي الرسمي فقط .

علينا أن نستفيد من تأثير هذا التفاعل وهذا الضغط في علاقاتنا الثنائية مع تلك الدول لتطوير مواقفها وانهاء سياساتها بازدواجية المعايير ، وبل بالحد الادنى لمنع تراجع مواقفها الرسمية ، ان لم تتراجع بعد عند بعضها. 
هنالك حاجة لتطوير علاقاتنا المشتركة بالعالم مع دول وأحزاب وقوى اجتماعية تقدمية بما فيها بالولايات المتحدة والتي تتفق مع مطالبنا وحقوقنا المشروعة الغير قابلة للتصرف وبالمقدمة منها حقنا بتقرير المصير دون نفاق سياسي . 
علينا ان نبني على إنجازات شعبنا في مسيرة كفاحه التحرري ، ونعمل على مطالبة الدول بمحاصرة بل ومقاطعة وعزل نظام الفصل العنصري الاستعماري الحديث كما فعلت الشعوب والدول سابقا في قضايا جنوب افريقيا حين قاطعت وعزلت وحاصرت نظامها العنصري البائد.
 وان نتابع الوصول للعضوية الأممية الكاملة لدولتنا العتيدة ، كما واتخاذ قرارات جديدة لادانة إسرائيل في المحافل الدولية ومجالس حقوق الإنسان والمنظمات الأخرى التي يجب أن تتصاعد وتتكاثر ، والتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية دون تردد أو خوف من تهديدات الولايات المتحدة، مما سيساهم فعلا في عزل دولة الاحتلال ونظامها العنصري. وفي هذا الخصوص قد يكون من المفيد في سياق هذه التحركات إعادة التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة لاعادة الاعتبار لقرار مساواة الصهيونية بالعنصرية الذي تم اعتماده عام ١٩٧٣ ومن ثم التراجع عنه نظرا للمتغيرات الدولية عام ١٩٩١، فقد يكون الظرف مناسب الآن.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.