غرور نتنياهو السياسي وفنتازيا السلام المعكوس
مقالات

غرور نتنياهو السياسي وفنتازيا السلام المعكوس

في لقائه مؤخرا مع محطة (ديلي وير) الامريكية تحدث نتنياهو عن رؤيته للسلام مع الفلسطينيين وعقد مزيد من اتفاقات التطبيع مع الحكام العرب في إشارة الى ان هذه الاتفاقات تسهل التوصل لهذا السلام , وقد لجاء الى هذه الاستراتيجية بعدما تأكد ان الفلسطينيين يرفضون قبول الدولة اليهودية ويرفضون المفاوضات معها لانهم يريدون امتلاك الأرض ,وزعم انه على مدار ثلاثين عاما التي مضت لم يصنع أي من العرب السلام مع دولة الاحتلال بسبب اعتقادهم ان السلام يأتي بعد السلام مع الفلسطينيين , وقال انه " لا يستطع انتظار الفلسطينيين قرن او نصف قرن اخر ليصنعوا السلام مع دولته دون ان يذكر أي شيء عن اتفاقات أوسلو 1993 والفترة الانتقالية التي تضمنها هذا الاتفاق وانسحاب دولة الاحتلال من كل الاتفاقيات من طرف واحد حاليا ,وانكر ان يكون الفلسطينيون قد سعوا الى هذا السلام ومازالوا متمسكين به كخيار استراتيجي , وقال انا "عكست هذا التوجه بدلاً من صنع السلام مع الفلسطينيين ثم السلام مع العرب قلت "انه يجب صنع السلام مع العرب ومن ثم يأتي السلام مع الفلسطينيين عن طريق العرب" . سلام مزعوم وتطبيع على ورق فقط سرعان ما كشفت الشعوب زيفه في مونديال قطر لكنه مازال يصر على التوصل لمزيد من الاتفاقيات مع دول مركزية بالإقليم، وهنا يضيف نتنياهو "إذا لم يكن الفلسطينيون جاهزين للسلام فانه يكون قد صنع السلام مع 99% من العرب". جمله من الأكاذيب استعرضها نتنياهو في كتابه الشهير ((Bibi: my story . فنتازيا التطبيع المزيف والسلام المعكوس تعشعش في عقل نتنياهو من جديد وستكون هي الخطوط الرئيسية لسياسته بالمنطقة باعتبارها الاستراتيجية الوحيدة التي يستطع من خلالها إطالة امد الصراع وتمكنه من نهب الأرض الفلسطينية وحشر الفلسطينيين في زاوية امام خيار وحيد ليس اكثر وهو القبول بهذا السلام المعكوس والدخول في اتونه مستعينا في ذات الوقت بسياسة الاستيطان والضم واقتحام المدن الفلسطينية وتنفيذ الاعدامات الميدانية والاعتقال والحصار وتجريد السلطة الفلسطينية من كافة عناصر سيادتها على الأرض.

لم يكتف نتنياهو بهذا الحديث وانما اجرى لقاء اخر مع الإذاعة الوطنية الامريكية تحدث عن رؤيته للسلام مع الفلسطينيين والذي يؤمن به وقال "ان السلام الوحيد الذي يصمد هو السلام الذي يمكننا الدفاع عنه والشيء الذي يمكن لدولة الاحتلال الدفاع عنه هو الذي يمتلك فيه الفلسطينيون كل السلطات ليحكموا أنفسهم لكن بسلطات لا تهددنا" , هذا يعني ان الفلسطينيين ليس لهم الحق في دولة ولا كيان مستقل عن الحكم العسكري والاحتلال الإسرائيلي الذي سيبقي جاثما علي صدورهم تحت ادعاءات امنية وستبقي سلطاتهم وسيادتهم على ارضهم وثرواتهم ومواردهم وحتى بيوتهم ومستقبل أبنائهم وتربيتهم وتعليمهم تحت السيادة الإسرائيلية . حاول نتنياهو ان يوضح ان هذا الحل ناقشه مع الرئيس الأمريكي (جو بايدن) عندما كان نائبا للرئيس الأمريكي الأسبق ( باراك أوباما ) عندما قال له الأخير "ان هذه الحلول لا تعطي الفلسطينيين السيادة على ارضهم" فرد نتنياهو" انت على حق لكن هذا هو الامر الوحيد الذي سيدوم "!!.

كثافة ظهور نتنياهو على وسائل الاعلام لم يأت من فراغ وليس لأجل الدعاية لكن من اجل وضع حدود لأية دخول دولة الاحتلال في عملية سياسية مع الفلسطينيين ومداها امام إدارة بايدن التي ما زالت تؤمن بان حل الدولتين هو الحل الأنسب والقابل للحياة وبالتالي فان نتنياهو عندما يتحدث عن رؤيته للسلام مع الفلسطينيين والسلام مع العرب يتحدث عن البرنامج السياسي لحكومته التي كثر الحديث عن تطرفها وفاشيتها وحذرت إدارة بايدن من تطرف كل من بن غفير وسموترتيش ومخططاتهم العنصرية , كما يريد نتنياهو ان يضع الخطوط السياسية لحكومته امام العالم من ضمن رؤية سياسية لم تتغير منذ اكثر من عقد من الزمان ,وفي ذات الوقت يوصل رسائل للفلسطينيين انه ليس امامهم الا هذه الحلول وعليهم ان ينسوا مسالة الدولة وان لا يحلموا بكيان مستقل وكامل السيادة عن دولة الاحتلال, اما موضوع القدس فلم يأت نتنياهو على ذكرها لا من قريب ولا من بعيد وكانه يقول ان "القدس " كقضية ليست من قضايا الصراع وما باتت موضوعا مطروحا للتفاوض او على طاولة الحل فقد اخرجها نتنياهو تماما من دائرة الصراع.

مازال نتنياهو يعتقد ان الوصول الى أكبر عدد ممكن من الاتفاقيات مع الدول العربية وعلى راسها العربية السعودية يمكن ان يسهل التوصل الى السلام مع الفلسطينيين حسب رؤيته التي طرحها امام الاعلام ليس أكثر باعتبار ان الفلسطينيين سيتم حصارهم باتفاقات تطبيع ضمن السلام الابراهيمي الذي لا يرى نتنياهو غيره يصلح للتعايش السلمي في المنطقة العربية وهو الكفيل بإحداث حالة من الامن والاستقرار طويل الأمد وفي النهاية لا خيار امام الفلسطينيين سوي الاندماج في هذا السلام وهنا تتحقق رؤيته , نتنياهو يؤمن انه قدم دولته من خلال هذه الاتفاقات كدولة اقتصادية قوية تمتلك جيشا قويا يستطع ان يحمي هذه الدولة التي تمتلك تكنولوجيا متطورة ومتقدمة في المجالات العسكرية والأمنية وامتلاك العديد من برامج التجسس والمراقبة بالإضافة للتقدم في الصناعة الطبية والمدنية. 

وهم يسيطر على معتقدات نتنياهو مرتبط بفنتازيا العظمة والغرور السياسي الذي صور له انه قد يكون وريث (ثيودور هرتزل) الذي تحدث عنه كثيرا في كتابه وصف نفسه بانه سليل مؤسسي الدولة اليهودية , وكيف اثر والدة كمفكر سياسي يهودي في المجتمع الأمريكي لدعم هذه الدولة وكرر اكثر من مره في لقائه مع تلفزيون( ديلي وير) الأمريكي ان والدة كان دائما يتحدث عن الدولة اليهودية , وهو أي بنيامين نتنياهو الذي سيكمل هذا الحلم بإقامة دولة يهودية خالصة القومية على ارض فلسطين وسيعيش العرب الفلسطينيون تحت الحماية والسيادة الإسرائيلية للابد.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.