التطبيع أم السلام بين السعودية وإسرائيل
مقالات

التطبيع أم السلام بين السعودية وإسرائيل

قبل أن يتسلم بنيامين نتنياهو مقاليد الحكم رسمياً في إسرائيل، أفصح عن هدف حكومته القادمة، وهو السعي من أجل إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، بالتوصل إلى اتفاق مع السعودية، وهو بذلك لا يذّكر بما يعتبره منجزه الأهم خلال جلوسه على مقعد رئيس وزراء إسرائيل طوال ثلاثة عشر عاماً متواصلة، وهي أطول فترة أمضاها رئيس وزراء إسرائيلي في المنصب، وحسب، نقصد اتفاقات أبراهام، لكنه يغمز من قناة خصومه في الحكومة السابقة، الذين فشلوا خلال عام ونصف العام من توليهم الحكم في إنجاز الاتفاق مع السعودية، التي يجمع الإسرائيليون داخلياً، ومعهم الولايات المتحدة، على أن التطبيع هو المسار الذي يولى الأهمية الأولى مع العرب، إلى جانب إجماعهم على الموقف الموحد ضد إيران وبرنامجها النووي، بل وحتى ضد عودة أميركا للالتزام باتفاق 2015 مع إيران.
يعترف الإسرائيليون بأهمية السعودية إقليمياً وحجم وزنها في معادلة الصراع، وأن كل ما عقدوه حتى اللحظة من اتفاقيات أبراهام مع دول الإمارات والبحرين، المغرب والسودان، ومن قبلهم مع مصر والأردن، ليس كافياً، ما دامت السعودية بوزنها ومدى تأثيرها على العرب والمسلمين، خارج إطار اتفاقيات السلام المنفردة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وهي فعلاً فعلت هذا، حتى اتفاقيات أبراهام عقدت اتفاقيتين فقط بشكل مشترك، وتجنبت إسرائيل التوصل لاتفاق جماعي مع العرب، لكن نتنياهو يتجاهل كون السعودية قدمت منذ عشرين عاماً مبادرة سلام تحولت بالقمة العربية في بيروت عام 2002 إلى مبادرة عربية بعد أن تبنتها القمة، وما زالت فلسطين لا توافق عليها فقط، بل وتعتبرها إطاراً مناسباً لتحقيق السلام، لكن إسرائيل من جانبها، رفضت المبادرة، بل وتجاهلتها طوال الوقت، في أحسن أحوالها، وما دام بنيامين نتنياهو قد حدد هدفه السياسي الخارجي الرئيس، خلال حكومته السادسة القادمة، بالسعي للوصول إلى اتفاق مع السعودية لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، حسب ما قاله لصحيفة واشنطن أكزايمر اليمينية الناطقة باسم الإنجيليين المناصرين لإسرائيل، فإن المدخل المناسب لذلك هو أن يعلن نتنياهو قبوله المبادرة السعودية/العربية، حتى يكون سعيه فعلاً من أجل السلام، وليس من أجل التطبيع.
هذه الرغبة، بل والهدف السياسي الإسرائيلي الذي أعلن عنه نتنياهو بكل صراحة، يطرح سؤالاً مهماً بل جوهرياً، وهو: هل هناك فرصة حقيقية أمام إسرائيل، في ظل حكومة نتنياهو السادسة، حتى لو أمضت أربع سنوات في الحكم، لأن يتحقق حلمها أو هدفها المتمثل بعقد اتفاق تطبيع وليس اتفاقية سلام مع السعودية؟ وفي السياسة، كما هو معروف لا تتحقق الأمنيات والأهداف، لا من طرف واحد ولا مجاناً، وللإجابة عن هذا السؤال، لابد من فحص الأمر بكل هدوء وموضوعية، وفي حقيقة الأمر، فإن تطبيع دولتين من دول الخليج، تربطهما علاقات خاصة جداً مع السعودية، شجع الإسرائيليين، ودفعهم فوراً للحديث مواربة أولاً ومن ثم صراحة وعلناً ثانياً، عن أن الهدف التالي هو السعودية، وذلك لأن تطبيعاً مع السعودية سيفتح أبواب العديد من الدول، وهناك عمان، ودول عربية وإسلامية أخرى، لن تصمد بعد ذلك في الاستمرار بإغلاق الباب أمام التطبيع مع إسرائيل. لذا لا بد من القول: إن إسرائيل وإن لم تدفع الثمن من جيب احتلالها لأرض دولة وشعب فلسطين، مقابل عقد اتفاقيات أبراهام، لكنها استغلت مخاوف دولتَي الإمارات والبحرين من الجار الإيراني، ودفعت للمغرب موقفاً أميركياً خاصاً بالصحراء الغربية، أما السودان فدفعت له أميركا أيضاً موقفها تجاهه الخاص بلائحة الإرهاب، وتعويضات عائلات طائرة أميركية، كان اتهم بالضلوع بإسقاطها ناظم عمر البشير.  
فما الذي يمكن أن تدفعه إسرائيل من ثمن للسعودية يدفعها للتطبيع معها، والتطبيع كما أسلفنا هو غير السلام، المبني على أساس المبادرة العربية والقرارات الدولية، والسعودية، لا تخشى إيران كما هو حال الإمارات والبحرين، وليست لها مشاكل حدودية ولا داخلية كما كان حال المغرب والسودان، لذا فإن الوسائل الإعلامية تشير إلى أن مطالب السعودية تتعلق بإطلاق برنامج نووي خاص بها، والتأكيد على التحالف الأميركي السعودي، بل والتعامل معها كدولة شبيهة بدول الناتو، من حيث إمدادها بالسلاح، لدرجة السماح لها باستثمار ما لديها من يورانيوم، لإطلاق برنامج نووي مدني، والسعودية هي دولة عظمى إقليمياً كما هو حال كل من إيران وتركيا وإسرائيل، وربما مصر.  
وهذا يعني أن ثمن التطبيع الذي سيدفع للسعودية سيكون أيضاً من الجيب الأميركي، لكنه يتضمن تجاوزاً للحرص الإسرائيلي الدائم على تفوقها العسكري، ومن ضمن ذلك تحريم الدخول للحقل النووي، حتى بمستواه السلمي، وأن يظل ذلك الحقل مقتصراً عليها في الشرق الأوسط، وأميركا التي دفعت ثمن "اتفاقات أبراهام" من جيبها، كانت بإدارة دونالد ترامب صديق نتنياهو وحليفه الذي قدم له الكثير، باعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان والقدس، وإعداد "صفقة العصر"، لكن أميركا جو بايدن شيء آخر، وبايدن لا يحب نتنياهو، ليس كما ترامب على الأقل، ويتحفظ على شريكَيه من الصهيونية الدينية في الحكم.   
لا يبدو الأمر مع تلك المطالب السعودية مستحيلاً، خاصة بعد أن سمحت السعودية خلال زيارة بايدن لجدة هذا العام للطائرات المدنية الإسرائيلية بالمرور في أجوائها، لكنه أيضاً وبسبب من حرص السعودية على نفوذها ودورها على المستوى العربي والإسلامي، لن يكون بين يوم وليلة، وعلى الأغلب لن يكون خلال ولاية نتنياهو المقبلة، فيما يظل السلام ممكناً ومفضلاً على السعودية، بناء على مبادرتها العربية، لكن ما دفع بالتطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية قبل عامين، هو ظروف إقليمية ودولية، ودخول إسرائيل إلى نقاط ضعف تلك الدول، متمثلة بمحاولة تبديد مخاوفها من جار قوي، كما حدث مع الإمارات والبحرين، أو دفع المقابل السياسي بملفات أثقلت كاهل المغرب والسودان، نعني بذلك قضية الصحراء، وتهمة الإرهاب.  
لكن المستقبل، مع ازدياد حدة الصراع الكوني، ما بين نظام عالمي أحادي القطب قائم حالياً، ونظام متعدد الأقطاب يلوح في الأفق، كذلك في ظل تحولات متعددة في الشرق الأوسط، لن تبقي على إسرائيل، ولن تضمن لها أن تكون هي الدولة الأعظم إقليمياً، تماماً كما لن تكون أميركا الدولة الأعظم عالمياً، كذلك مع تزايد الوعي الشعبي العربي، والتطبيع بين إسرائيل، أي عقد اتفاقيات السلام مع دول عربية منفردة، بمعزل عن إنهاء احتلالها لأرض دولة فلسطين، لم يتجاوز المستوى الرسمي، وهذا واضح في تجارب مصر، الأردن، ثم المغرب والسودان، وحتى البحرين، ولعل التضامن الشعبي العربي، بل والشعبي العالمي مع فلسطين، قد ظهر واضحاً في مونديال قطر. وهكذا فإن التطبيع إنما هو طريق لتأكيد عزلة إسرائيل إقليمياً وعالمياً، فيما السلام وحده، هو الذي يمكن أن يجعل منها دولة طبيعية، ومقبولة وقابلة للعيش بأمن وسلام في الشرق الأوسط والعالم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.