خفايا اضطراب التغذية والأكل
مقالات

خفايا اضطراب التغذية والأكل

يعتبر تناول الطّعام من الحاجات الأساسيّة التّي يجب أن تُشبَع، وبدون الطّعام لا يستطيع الإنسانُ الاستمرار في الحياة، لأنَ الطّعامَ هو الّذي يمدّ الإنسان بالاحتياجات اللازمة؛ كي تقوم أجهزته الحيويّة بالعمل بشكل مناسب. 

 والطعام له تعابير أكبر من مجرد تناوله؛ فالشخص يدلّل نفسه من خلال تناوله طعامه المفضّل، والأكل مع الآخرين يحملُ في طياته روح الألفة، والولائم تلعب دوراً مهما في منح الإحساس بالانتماء للمجموعة، كما أنّ الأكل تعبيرٌ عن التقارب الاجتماعيّ، بالإضافة إلى كونه وسيلةً للتعبير عن الامتثال الدينيّ من خلال الصّيام لأوقات معيّنة، والامتناع عن تناول أصناف من الطّعام حرمها الدّين، أيّ أنّ للأكل وظائفَ نفسيّة إلى جانب وظائفه الفسيولوجيّة.

سلوك الأكل الطبيعي الغريزيّ، هو ذلك السّلوك الّذي ينظم تناول الطّعام من خلال الشّهيّة والمشاعر والجّوع والشّبع، بحيث يتمّ تناول المواد الغذائيّة اللّازمة بكميّة مناسبة لسدّ حاجة الجسم، ولكنْ قد يُصاب الشّخصُ باضطراب في تنظيم هذه العمليّة؛ فيختلّ سلوك الأكل لديه، فيفرط في تناول كمّيات كبيرة من الأكل، أو تصيبه حالة من فقد الشّهية والعزوف عن الطّعام وتظهر لديه اضطرابات التّغذية والأكل.

وتمثل اضطرابات الأكل العلاقة بين الحالة النفسيّة للفرد والرّغبة في المزيد من الطّعام أو العزوف عنه؛ حيث تُعرف اضطرابات التّغذية والأكل على أّنها اختلال في سلوك تناول الطّعام وعدم الانتظام في تناول الوجبات، ما بين الامتناع القهريّ عن تناول الطعام، أو التّكرار القهريّ لتناوله في مواعيده المحدّدة، وبكميات تزيد أو تنقص عمّا تتطلبه حاجة الفرد.

وهناك ثمانية أنواع من اضطرابات التّغذية والأكل، وهي تشكّل حالة صحية عقلية ومعقدة، تؤثر على أداء الفرد الصحيّ والنفسيّ والاجتماعيّ والعقليّ. وهذه الأنواع هي: شهوة الطّين، اضطراب الاجترار، اضطراب تناول الطعام التجنبيّ/ المقيد، فقدان الشّهيّة العصبيّ، النهم العصبيّ، اضطرابات الشّراهة للطّعام، اضطراب التّغذية أو الأكل المحدد الآخر، اضطراب التّغذية أو الأكل غير المحدد.

ولكل نوع من هذه الأنواع الثّمانية أعراض وخصائص ومسببات تختلف من نوع إلى آخر، وتتميز اضطرابات التّغذية والأكل باضطراب مستمر في الأكل، أو سلوك متعلق بالأكل ممّا ينتج عنه استهلاك متغير للغذاء، وهذا يضعفُ إلى حد كبير الّصحة الجسمية أو الأداء النفسيّ الاجتماعيّ. وتُنتج اضطرابات الّتغذية والأكل جملة من المشكلات النفسيّة والاجتماعيّة لدى الأفراد، منها: عدم الرضا عن الصّورة الجسميّة، وفي بعض الحالات يكون الفرد ضحيّة الاضطراب، ما يجعله يعاني من زيادة في حدّة الاضطرابات النفسيّة؛ حيث تختلف أعراض اضطرابات التّغذية والأكل بناءً على نوع الاضطراب، لكنّها تركز على كافّة الأمور المتعلّقة بالطّعام أو الوزن وشكل الجسم. ومن أعراض اضطرابات التّغذية والأكل الفكريّة والسلوكيّة: القلق الدائم حيال الوزن وشكل الجسم، وتغيرات في المزاج، مثل: الانطواء، والقلق، والاكتئاب، وتجنب الأحداث والمواقف الاجتماعيّة، وتناول كميات قليلة جدّاً من الطّعام أو تخطي بعض الوجبات، والتقيّؤ واستعمال أدوية الإسهال للتخلّص من الطّعام. ومن أعراض اضطرابات التّغذية والأكل الجسميّة التي قد تدل على الإصابة باضطراب في التغذيّة والأكل: فقدان الوزن السّريع، أو زيادة الوزن، والشّعور بالتّعب بسرعة والدّوران، وعسر الهضم، ومشكلات في الأسنان والعظام والعضلات، وتأخر علامات البلوغ، مثل: عدم نزول الحيض، أو انقطاع الدّورة الشهريّة عند النّساء. كما قد تحدث اضطرابات التغذيّة والأكل جنب إلى جنب مع الاضطرابات الأخرى، مثل: اضطراب تشوه الجسم، والوسواس القهريّ، واضطراب القلق الاجتماعيّ، واضطراب القلق المعمم.
ومن العوامل التي ثبت تسبب اضطرابات الأكل: العوامل العضويّة، والعوامل النفسيّة، والعوامل الاجتماعيّة، والعوامل الثقافيّة، فالعوامل العضويّة، أي من ناحية وراثيّة. وبناءً على نتائج الدراسات في مجال الأسرة فاضطرابات الأكل أكثر حدوثا لدى المرضى الذين تربطهم صلة قرابة بمرضى يعانون من اضطرابات التّغذية والأكل،  ومن ناحية نفسيّة، فالاضطرابات المتعلقة بالأكل تنبع من الحاجة للتّقدير والنزعة للمثاليّة والكمال، وتعبر عن محاولات السّيطرة على الجسد، لاسيما خلال مرحلة المراهقة، أيّ أنّ اضطرابات التّغذية والأكل ما هي إلا وسيلة دفاع نرجسيّة لتحقيق الكمال والمثاليّة. ومن ناحية اجتماعيّة، فالأسرة تعتبر من العوامل الرئيسة التّي تؤثر على سلوك الأكل لدى الأبناء؛ حيث يمثل الوالدان خاصّة الأمّ مؤسسة التنشئة الاجتماعيّة الأولى التي تنقل رسالة للأبناء حول المظهر وممارسات الأكل، أيّ أنها تؤثر على نظام الطّعام لدى أبنائها بطريقتين، فهي التّي تقدّم الطّعام وتحدد نوعيته ومحتوياته، كما أنّها تؤثّر على تفضيلات الطّعام والعادات المتعلقة بالأكل، ومن ناحية العوامل الثقافيّة، فهناك من يرى أن اضطرابات التغذيّة والأكل ما هي إلا استجابة للمطلب الثقافيّ الملحّ الّذي يعتبر القوام الرّشيق هو معيار الجمال، وهو الذي يعني النجاح وانتزاع الإعجاب في مجالات العمل والزواج، والقبول الاجتماعي. كما أن لكل ثقافة معايير خاصّة حول صورة الجّسد المرغوبة، ورضا الفرد عن صورة جسده يرتبط بما يصدره الآخرون من أحكام عنّه، كما تشكّل وسائل الإعلام ضغطا ثقافيّا تجاه الرّشاقة، مما يساعد على شيوع وانتشار اضطرابات الأكل وبخاصّة لدى الإناث.

فالإنسان يحتاج لإشباع بعض الحاجات الجسديّة والنفسيّة والاجتماعيّة وغيرها، ويعدّ الغذاء من أولى الحاجات التي يطلّبها الإنسان لاستمرار حياته ووجوده، وقد تتخذ سلوكات تناول الطعام أشكالاً غير سويّة، تؤدي إلى تطور اضطرابات التّغذية والأكل. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار اضطرابات التّغذية والأكل بأنواعها المختلفة، وبدأ الاهتمام بها جلياً، من هنا لابدّ من ضرورة توظيف النّظريات الإرشادية وأدوات التقييم والتشخيص الموثوقة، والتدخلات الإرشادية والعلاجية المتخصصة، وبالتالي المساهمة في التعامل مع الأفراد الّذين يعانون من تلك الاضطرابات، وتفعيل الدّور الإيجابيّ للنظريّات النفسيّة في التعامل مع شتّى الاضطرابات النفسيّة، من خلال الاستراتيجيّات والفنيّات المختلفة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.