إنجاز أممي ذو دلالات هامة ولكن..
مقالات

إنجاز أممي ذو دلالات هامة ولكن..

رغم ان عدد من المتابعين قد تناول هذا الموضوع خلال الايام الماضية ، الا انه ولاهميته ولأنني لست من الذين ينظرون للأمور بطريقة سلبية وأيضا لست من أولئك الذين ينظرون إلى نتائج حسابية فقط دون الخوض في تفاصيل المعادلات ، فأنتي ساحاول هنا تناول هذا الأمر من حيث التفاصيل .

لقد كان من الضروري بمكان بل ومهما ما صدر عن جهاتنا الرسمية بالترحيب بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام محدودة بآخر يوم من عام ٢٠٢٢ بخصوص الموافقة بالاغلبية على طلب فلسطين فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية حول ماهية الاحتلال ، وهو مشروع القانون الخاص بممارسات الاحتلال التي تمس حقوق الإنسان الفلسطيني بالاراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية .
لقد صوتت ٨٧ دولة إلى جانب هذا القرار الأممي بمقابل ٢٦ عارضت وامتناع ٥٣ دولة عن التصويت بتاريخ ٣١ كانون الأول الماضي .

وفي تاريخ ١١ تشرين الثاني الماضي كانت قد صوتت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع القرار نفسه .
 
حيث تمت الموافقة في حينه على مشروع القرار بأغلبية ٩٨صوتا مقابل ١٧ صوتا معارضا وامتناع ٥٢ عضوا عن التصويت. بينما اتخذ عدد قليل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي موقف التصويت الايجابي لصالح مشروع القرار بما في ذلك بلجيكا وأيرلندا ومالطا وبولندا والبرتغال فقط ، لكن دول الاتحاد الاوروبي الاخرى وعدد من الدول الافريقية تخلت عن مسؤولياتها القانونية الدولية وامتنعت عن الإدلاء بأصواتها أو حتى ما هو أسوأ حين صوتت ضد أحالة الموضوع الى محكمة العدل الدولية بطلب الفتوى والرأي الاستشاري من أعلى جهة قضائية دولية .

بالنسبة لنا في دولة فلسطين المحتلة ، قد يعني ذلك رأيا رسميا حول عملية الاستيطان والاستعمار الإسرائيلي غير القانونيين من قبل أهم محكمة قانون دولي في العالم ، وما له من تداعيات إيجابية مختلفة اذا تم متابعتها بشكل سليم ، خاصة وان محكمة العدل الدولية قد اقرت رأيا قانونيا استشاريا في عام ٢٠٠٤ حول جدار الفصل العنصري وطالبت بالتوقف عن بنائة وهدم ما تم منه .

الأمر الذي تستدعي المسوؤلية الوطنية الوقوف عند نتائج تصويت القرار الجديد وفي دراسة معادلات عملية التصويت بين الأجتماعين والمتعلق بالتغير في منحى التصويت والمتمثل بتدني عدد الأصوات الايجابية المؤيدة بِ١٢ صوت ، وبزيادة عدد الاصوات السلبية والممتنعة من ٦٩ صوت إلى ٧٩ من جانب هذه الدول والتي ازداد عددها بعشر اصوات خلال فترة شهر ونصف فقط . وهو ما يشكل بمثابة تقديم الحماية لدولة الاحتلال الاسرائيلي أمام أي نوع من المحاسبة القانونية ، ووضع معايير مزدوجة في نظام حقوق الإنسان الدولي على أساس أجندات سياسية لتلك الدول الأوروبية وغيرها التي عارضت القرار أو امتنعت . لأنها اما ما زالت غير قادرة على معارضة نهج سياسة الهيمنة للولايات المتحدة وهو حال دول الاتحاد الأوروبي التي تعتمد سياسات لا تلبي مصالح ومواقف شعوبها بشكل عام بل وتتناقض مع مواقف برلمانات تلك الدول التي اوصت حكوماتها بأوقات سابقة بضرورة الأعتراف بدولة فلسطين ، وايضا مع توجهات البرلمان الأوروبي الذي دعى قبل ايام لانعقاد مؤتمر دولي للسلام حفاظا على حل الدولتين المفترض رغم واقعه المعقد أو حتى شبه المستحيل مع هذا التطور الجاري في دولة الاحتلال حتى الآن بانتقالها إلى مرحلة الصهيونية الفاشية التوراتية .

برأيي هنالك اسباب أخرى لهذا التراجع بمواقف تلك الدول عن السنوات الماضية في تاييد مشاريع القرارات المتعلقة بفلسطين لها علاقة بتصاعد حكم احزاب اليمين واليمين الشعبوي في بعض منها اليوم ، إضافة إلى خوفها من تهديدات الحركة الصهيونية وتدخلاتها الاقتصادية خاصة في قضايا المال والطاقة وترهيبها بشأن شماعة معاداة السامية .

لكن قد يكون هنالك اسباب ذاتية أخرى لهذا التراجع وخاصة خلال شهر ونصف قد تتعلق بأداء ممثلياتنا الدبلوماسية العاملة في تلك الدول التي يبدوا انها لم تتابع العمل بنشاط بين الأجتماعين مع دوائر صناعة القرار او مع الاحزاب والرأي العام الذي يؤثر بالقرار في تلك الدول لضمان الحفاظ عل اصواتها بالحد الأدنى ، وفي مواجهة مثابرة الضغوط لدولة الأحتلال ومناصريها .

ان تراجع تلك الدول في منحى تصويتها خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة فقط ، رغم ان عدد من تلك الدول رغم حكم اليمين فيها قد اعتادت على التصويت الى جانب القرارات المتعلقة بفلسطين خلال السنوات السابقة مثل اليونان ، فرنسا وغيرها ، يجب أن يدق ناقوسا هاما أمامنا لمستوى عملنا وعلاقاتنا .

لذا فانه بات من الضروري أيضا بمكان ان يتم التعاطي مع تلك الدول التي لم تصوت إلى جانب القرار بإبداء الاستهجان والاعتراض امامها حسب الاصول عبر القنوات الدبلوماسية وابداء الانتقاد السياسي لها . كما وتقييم العلاقات الثنائية معها لما يمثله منحى تصويتهم السلبي أو الممتنع عن تناقض مواقفهم مع ما اقرته الشرعية الدولية لنا من حقوق ولأن ذلك أيضا لا يتسم مع القوانين الدولية بشأن قضايا الاستعمار والاحتلال ، بل وايضا يشكل تناقضا مع مبادئ نشؤ الاتحاد الأوروبي نفسه او بشأن دساتيرهم الوطنية التي تدعوا إلى حق تقرير المصير وحماية حقوق الإنسان ومعارضة أسس الاستعمار .
ومن جانب آخر هنالك ضرورة لمراجعة وتقييم عمل ممثلياتنا الدبلوماسية في تلك الدول الأوروبية وبعدد منها بالقرن الافريقي لمعرفة مكامن القصور فيها التي أصبحت لا تخدم توجيهات الأخ الرئيس وقيادتنا السياسية بشأن ضرورات وسرعة تكثيف العمل الدبلوماسي الرسمي والشعبي لحشد التأييد الدولي لقضايانا الوطنية وحصار وعزل دولة الأحتلال الأستعماري وتقديمها للمحاسبة والعقاب الدولي .
 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.