يلا نحكي: أفول الافندية
أُطلق خطأً على الحكومة الثامنة عشر بأنَّها حكومة الأفندية في استعارة لإثارة "صراع طبقي" بين الباشوات أي الأغنياء أو الطبقة البرجوازية الوطنية من جهة والأفندية أبناء الفقراء أو الطبقة المتوسطة في المجتمع الفلسطيني. وهي ليست من سياق التحولات الاجتماعية في فلسطين بشيء. وفي كلا الحالتين فإن لقب الباشا والأفندي هما للمستخدمين لدى السلطان أو الخديوي التي شاع استعمالها في مصر والسودان في تلك الأزمنة في عصر المماليك والعثمانيين إلى أواسط الخمسينات من القرن الماضي للحديث عن المكانة السياسية والاجتماعية للأشخاص الذين يتقلدون هذه الألقاب. وذات الخطأ وقع عند وصف البعض رأس المال الوطني بالبورجوازية الكومبرادورية للتعبير عن الصراع الطبقي "الاجتماعي" في الوقت الذي لا تتفق خصائصها مع ما ذهبت إليّه أصول هذه الكلمة والمعاني القائمة في الترجمة للمصطلح الصيني ودلالاته لأعضائها.
إنَّ التوصيف الفارط للحكومة الثامنة عشر باعتبارها نابعة من الفئات الأكثر هشاشة ومن أعماقها، أو أنَّها الأقرب إلى المجتمع لم يكن في مكانه، وقد استحضر كإسقاط من أجل المناكفة السياسية أكثر من فهم التحولات الاجتماعية في السياق الفلسطيني، خاصة أن هذا التحول لم يكن مرتبط بالصراع الاجتماعي بقدر ما ارتبط بالصراع مع الاحتلال العسكري وخاصة بعد العام 1967. والصراع الاجتماعي (إذا ما جاز التعبير) هنا أثير على "امتلاك" قيادة المجتمع أو الحصول على الشرعية "القبول" لقيادة المجتمع الفلسطيني في عملية المواجهة لتحديد وسائل المواجهة ذاتها؛ أيّ أنَّ "الصراع" لم يكن على الحكم المعنى الواسع وتوزيع الثروات بل على من يحرك الجماهير ويقودها وفقا للأساليب والوسائل التي يعتقد أنَّها الأقرب إلى التحرر أو الأقدر على المواجهة، وعلى من يتحمل أعباء أكثر في عملية المواجهة.
ومن جهة ثانية فإن عصر الأفندية قد انكفأ وأفل حتى في الدول التي انتشر بها هذا المصطلح بعد أنْ أصبح التعليم ممكنا للجميع والحصول على الشهادات العلمية بات لغير المقتدرين الذين يملكون الاطيان أو الموظفين الحكوميين، وكذلك بعد أنْ تغيّرت طبيعة الحكومات التي لم تعد تمنح ألقاباً لتصنيف المستأجرين لديها أو تمنحهم أراضٍ كمعاش عند إحالتهم للتقاعد، أو ملاك الأراضي من أَفْدِنة وفَدَادينُ/ دونمات.
وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن المصطلحات أو أصول القادمين إلى الحكومة، فإنَّ الحكم على أيِّ حكومة نجاحاً وفشلاً هما ثلاثة أمور جوهرية؛ الأول: مدى تنفيذ برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإحداث الفارق في حياة الناس والاستثمار الأمثل للمقدرات والموارد الوطنية "الاقتصادية والمالية والبشرية ... الخ". والثاني: احترام سيادة القانون والوفاء بترجمة نصوص وثيقة إعلان الاستقلال وأحكام القانون الأساسي في تعاطيها مع المتطلبات السياسية لإقامة الدولة الديمقراطية ومؤسساتها، ولإحداث التغيير الاجتماعي المنشود لبناء المجتمع الفلسطيني التقدمي، والالتزام بتعزيز نزاهة الحكم في سلوكها وفي سيرها وتحصين مؤسساتها من الفساد ومحاربته. والثالث: الحصول المستمر على ثقة المواطنين بالحكومة ورضاهم عن أدائها باعتبارهما أساس أيَّ شرعية لحكومة قائمة بغض النظر عن كونها حكومة أفندية أو باشوات، أو حكومة تكنقراط أو سياسيين، أو حكومة وطنية أو وفاق وطني.