النقد الذاتي وترتيب البيت الفتحاوي يجب ان يسبق الحوار الوطني الشامل
من دون شك ان الدعوات التي اطلقها مسؤولون فلسطينييون مؤخرا وكان قد بادر اليها الرئيس محمود عباس في الذكرى الثامنة والخمسين لانطلاقة الثورة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) لحوار وطني شامل ، خطوة بالاتجاه الصحيح ، وان أتت متأخرة لكن خير من لا تاتي ، وربما فيها رسالة فلسطينية واضحة للحكومة الاسرائيلية اليمينية الكاهانية التي يقودها نتنياهو وبن غفير وسمودريتش وامثالثهم من غلاة المتطرفين الاسرائيلين ، ويبدو ان هذه الدعوة ما كانت لتطلق الا لادراك القيادة الفلسطينية حجم التحديات الخطيرة التي تحيط بالساحة الفلسطينية من كل جانب ووصولها كما يبدو الى قناعة ان الوحدة الوطنية الفلسطينية باتت صمام الامان الوحيد للتصدي للمخاطر القادمة ، والتي اخذت ملامحها تظهر من اول يوم استلمت فيه الحكومة الاسرائيلية اليمينية الجديدة مهامها ، حين استعرض بن غفير عضلاته في تحد خطير غير مسبوق لمسؤول اسرائيلي واقتحامه ساحات المسجد الاقصى من باب السلسلة . هذه الدعوة بالرغم من أهميتها الا انها تثيرعدة تساؤلات : هل الحوار الوطني الشامل وحده كفيل بمواجهة التحديات ، فيما حركة فتح رائدة النضال الفلسطيني تعاني من حالة ارتباك في صفوفها وتعصف بها الخلافات ، خاصة في ظل استعار حرب خلافة الرئيس محمود عباس ، والتجييش الحاصل بين قيادات الحركة واعضاء من اللجنة المركزية ؟ ثم اليس من الاجدر ان يجري ترتيب البيت الداخلي الفتحاوي من خلال حوار فتحاوي فتحاوي للملة صفوف حركة فتح قبل الشروع بحوار وطني شامل ؟ الا يجدر ان يقف كل مسؤول امام نفسه وماذا قدم واين نجح واين اخفق في دفاعه عن القضية الفلسطينية ؟
حركة فتح حاليا ليست بوضع يسمح لها قيادة الحركة الوطنية من جديد لاجل ضمان نجاح الحوار الوطني الشامل !! ولكن لماذا ترتيب البيت الفتحاوي ضرورة اساسية لنجاح الحوار الوطني الشامل ؟
نشأنا وتربينا على ان حركة فتح هي العمود الفقري في الجسم الفلسطيني ، فان اختلت فقرة من فقراته اختلت الفقرات المتبقية وصولا الى الاحتضار .. والعكس صحيح ، فهناك حاجة ماسة جدا لفتح قوية تضم تحت جناحها محتلف الافكار والاجتهادات الفتحاوية دون تمييز . لماذا ؟
لان حركة فتح كانت قد نهضت من حطام النكبة فالنكسة فكانت اول الرصاص واول الحجارة ، واستطاعت بنضالاتها ان تصحح البوصلة وتجعل من القضية الفلسطينية ، قضية وطن سليب بعد ان حاول البعض حصرها بقضية انسانية ولاجئين شردوا عن ديارهم ، ويشهد تاريخها انها كانت اول من هزم الجيش الذي كان لا يقهر في معركة الكرامة بعيد نكسة حزيران 1967 ، وكانت المدافع الشرس عن القرار الوطني المستقل ، حاورت وحاربت .. كسبت وخسرت .. لكنها حافظت على قرارها المستقل بعيدا عن التبعيات ، وسطرت اعظم الملاحم البطولية في بيروت وقدمت الشهيد تلو الشهيد ، والجريح تلو الجريح ، والاسير تلو الاسير، وجعلت لون الارض احمرا في شقيف . حركة فتح جمعت بين الفكر الحر الديموقراطي اليميني واليساري ، وكانت دوما السباقة للوحدة الوطنية ، جعلت من مسلكياتها الثورية النضالية سلاحا لكل فلسطيني يصبو الى الحرية والعودة والاستقلال .
فتح ام الجماهير لانها حامية المشروع الوطني وزارعت الامل في الاجيال ، ولها انتصارات حقيقية لا وهمية ، كانت المبادرة دوما للحرب والسلم ، والقاسم المشترك لكل ابناء الشعب الفلسطيني .. ولانها ولانها ولانها .. والمسيرة طويلة .. ولاجل ذلك كله تكالبت قوى محلية واقليمية وعربية واجنبية بتخطيط كولينيالي للنيل منها والحد من سطوتها في الشارع الفلسطيني ، ناهيك عن مجموعة من الحقائق الفتحاوية الداخلية ساعدت هذه القوى في مساعيها الهدامة ومنها :
1. حالة التخبط التي تعيشها الحركة الناجمة عن الصراع الدائر بين قياداتها على المناصب وخاصة خلافة الرئيس محمود عباس ، ويتضح ذلك من التسريبات الاخيرة من اعضاء باللجنة المركزية .
2. انخراطها بسوء اداء السلطة انعكس سلبا جدا على شعبيتها .
3. حالة الجفاء بين القيادات الفتحاوية الحالية المتفردة بالقرار التنظيمي والكادر المتعطش لنهضة فتحاوية تكون على تماس مباشر مع الجماهير .
4. فقدان الثقة بين الهرم والقاعدة .
5. غياب الوعي التنظيمي والتعبئة الفكرية ، وانحراف بوصلة الحركة عن الفكرة السامية التي انطلقت لاجلها .
6. المخالفات التنظيمية المتكررة والتي تساهم بتدمير الحركة خاصة فيما يتعلق بالتعينيات وقرارات الفصل التعسفية لكوادر تنظيمية لها باع طويل وحافل بالمهام التنظيمية والنضالية .
7. تهميش الكفاءات التنظيمية والمهنية والعلمية والاكاديمية ، واستبدالها بمتطفلين وفق حسابات قبلية عشائرية بعيدة عن الواقع التنظيمي .
8. تغليب المصالح الذاتية على المصلحة التنظيمية العليا للحركة ، والانخراط بمشاريع الاسرلة على الوطنية .
9. ليس سرا حينما نقول ان حجم الفساد الكبير الذي دك كوادر الحركة جعل كثيرا ممن تبوأ مناصب قيادية النظر الى الفئات الادنى بالرتب التنظيمية من بروج عاجية .
10. التدخلات الاقليمية والعربية والدولية المبنية على حساباتها البعيدة عن المصلحة الفلسطينية ، بالكثير من القرارات التنظيمية ، وما كانت تلك التدخلات الا لادراك اصحابها بان حركة فتح رقم صعب وصاحبة رؤية وطنية بحتة ، واستطاعت أن تعيد احياء الهوية الوطنية الحضارية للشعب الفلسطيني بعد أن تعرضت للطمس والتذويب ، بالتالي لا امكانية لتمريراي مخططات تصفوية للقضية الفلسطينية الا باضعافها وحرفها عن البوصلة الوطنية وتنصيب قيادات فتحاوية على المقاس الذي يرونه مناسبا.
11. انحراف القيادة الفتحاوية عن خط المقاومة وتمسكها بالخيار السلمي والذي اثبت فشله في اكثر من مناسبة وانعدام الافق السياسي اضر كثيرا بحركة فتح وشعبيتها على الصعيد المحلي .
12. الانقسام بين شطري الوطن وربما قطع الرواتب عن الكثير من تفريغات 2005 بقطاع غزة ساهم في خلخلة موازين الحركة ، مع العلم ان الغزيين يعتبرون المخزون الفتحاوي البشري الاكثر كما .
وربما هناك المزيد ولكن هذا لوحده مجتمعا جعل من فتح اليوم مختلفة عن فتح الامس .. فقد ابتعدت فتح اليوم عن الفكرة التي انطلقت لاجلها !! فاصابها الترهل والوهن واصبحت كالرجل المريض ، غلبت عليها النزعة الفردية المبنية على المصالح الذاتية المغلفة بالانانية المطلقة على النزعة الجماعية ، وتقودها مجموعة من "الرويبضة" اشبه بالمرتزقة .. تنفذوا ونجحوا في حرف البوصلة عن الاهداف التي انطلقت لاجلها .
من رأى الالوف المؤلفة التي خرجت لاحياء الذكرى الثامنة والخمسين لانطلاقة حركة فتح يفي الضفة الغربية وقطاع غزة ، يكاد يجزم ان اي من التنظيمات الاخرى يستطيع ان يهزم حركة فتح في اي انتخابات قد تجري ، ولكن لماذا خسرت الحركة انتخابات 2006 وكادت تخسر الانتخابات الاخيرة التي الغاها الرئيس ابو مازن متذرعا باستبعاد الاحتلال القدس منها !! واضح مما سلف ذكره ان حركة فتح هي المتسبب في خسارة حركة فتح لاي انتخابات ، حيث انقسامها وتعدد "الحردانين" والمرشحين من كوادر الحركة الذين انتابهم شعور بالغضب من الاقصاء والتهميش .
من هنا يمكن القول ان الحوار الوطني الشامل يجب ان يسبقه حوارين : الاول حوار مع الذات خاص بالصف الاول من القيادة ، يجري فيه مراجعة شاملة للمراحل السابقة ومن ثم نقد ذاتي واستنباط مواطن الخلل والاخفاق واسقاط مواطن النجاح ان وجدت على المرحلة القادمة وصولا الى الخروج باستراتيجية جديدة للعمل الوطني.
ومن ثم حوار فتحاوي فتحاوي ، يبدأ بوقف التراشقات بين اعضاء الحركة والالتفات الى المخاطر المحدقة بالمشروع الوطني وترتيب البيت الداخلي لانقاذ الحركة من المنعطف الخطيرالذي تقف امامه ، لان المتعمق بأوضاعها الداخلية يجد ضرورة إلى هزة أو انتفاضة من أجل إعادة إحياء مؤسساتها وانتخاب قيادات وأطر جديدة لها بما في ذلك الموقع الأول ، وحل كافة القضايا العالقة مع نفسها ، لان حركة فتح ليست شأنا خاصا بكوادرها ، فما تقرره وما لا تقرره لا يتعلق بها فقط ، بل يلقي بظلاله على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ومن قبل على كافة الاطر والحركات والفصائل الوطنية الفلسطينية .
اصلاح البيت الفتحاوي ، من دون شك سيقود الى اصلاح الهيكل الوطني الفلسطيني بكافة مشاربه والوانه ، وهو منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في اطار حوار وطني شامل يقود الى تبني استراتيجية وطنية متفق عليها بين كافة الاطر السياسية والاسلامية قائمة على تعزيز الصمود ومواجهة المخاطر والتحديات الداخلية والاسرائيلية والغربية ، تكون بمثابة خطة انقاذ وطني .