عن مشاريع تهويد الجليل: إرث السلف
أول تصريح أدلى به الوزير الإسرائيلي الجديد لما تسمّى "شؤون الجليل والنقب والأطراف والمنعة القومية"، وهو من حزب "عظمة يهودية" (أو القوة اليهودية في ترجمة ذائعة) الكهانيّ بزعامة المتطرف إيتمار بن غفير، أنه يرى مهمته الرئيسية في دعم الأشخاص المعنيين بازدهار إسرائيل وتطوير الجليل والنقب على قاعدة تعزيز الهوية اليهودية. وحرص أكثر شيء على أن يؤكّد أن موقفه هذا هو خير استمرار لإرث كل السلف الصهيوني على شتى أطيافه. وعمومًا، مثلما تُثبت الوقائع، وقف في صلب سعي الإستراتيجية الإسرائيلية الصهيونية لتعزيز الهوية اليهودية هدف "ضمان أغلبية يهودية"، وجرى التركيز أيضًا على الجغرافيا، سيما على منطقتي الجليل والنقب، وأنشئت لأجلهما الوزارة المذكورة عام 2005. وتشدّد هذه الوزارة بالأساس على أن الوجود اليهودي في الجليل والنقب إستراتيجي، غير أنه مُهدّد بـ"خطر ديموغرافي ملموس" يتمثل بنزعة السكان اليهود إلى تفضيل السكن في "متروبولين غوش دان" (وسط إسرائيل)، والهجرة التدريجية من المنطقتين.
وفيما تشكّل منطقة "غوش دان"، الممتدة من مدينة نتانيا في الشمال وحتى مدينة رحوفوت في الجنوب، نحو 7% فقط من مساحة إسرائيل، ويسكن فيها اليوم نحو 41% من مجموع السكّان، تشكّل منطقة النقب، الممتدة من غور بئر السبع وحتى مدينة إيلات، نحو 60% من مساحة إسرائيل ويسكن فيها نحو 8% فقط من مجموع السكان في إسرائيل، بينما تشكل منطقة الجليل، الممتدّة من منطقة الحدود مع لبنان حتى مرج بن عامر، نحو 16% من مساحة إسرائيل، ويسكن فيها نحو 15% فقط من مجموع سكان الدولة. وقبل عامين، أجملت دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مترتبات هذا "الخطر"، حين أشارت إلى أن اختلال الميزان الديموغرافي في الجليل والنقب "ينطوي على خطر جيوسياسي يتهدّد إسرائيل". وهو برأيها خطرٌ يحدّده، بالأساس، التاريخ الدولي الذي يفيد بأن "الأقليات التي تتمتع بوعي وطني ولديها قيادات وطنية، والتي تشكّل أغلبية سكانية في منطقة جغرافية خاصة بها، تجنح، في العادة، إلى تحقيق تطلعاتها القومية من خلال المطالبة، العنيفة أو الهادئة على حد سواء، بـ"الاستقلال الذاتي" (كتالونيا في إسبانيا) أو بالالتحاق بدولة أخرى قد تكون ذات حدودٍ مشتركة (شبه جزيرة القرم). وبناء على هذا، ليس من المستبعد أن يتحرّك السكان العرب في إسرائيل (يعبرون باستمرار عن عدم الرضى من الوضع القائم السياسي والاجتماعي في الدولة) بمثل ما فعلت أقليات أخرى في العالم من قبل".
لمنع ذلك، ترصد إسرائيل ميزانيات طائلة جدًا تحت عناوين مختلفة، أبرزها "تطوير النقب والجليل"، الذي كان ولا يزال يعني تهويد المنطقتين، ولا تجد السلطات الإسرائيلية أي حرج في إشهاره. وكان أول من قاد تهويد الجليل تحديدًا رئيس الحكومة العمّالي، ليفي أشكول، منذ عام 1964، محذّرًا من أن انعدام غالبية يهودية فيه يشكّل خطرًا على المشروع الصهيوني برمته، وكان من مشاريعه إقامة مدينة كرميئيل في منطقة الشاغور لتكون مدينة يهودية في قلب الجليل العربي، وإنشاء كتل استيطانية بالقرب من منطقة الحدود مع لبنان، وفي منطقة البطوف.
كما رفعت حكومة إسحاق رابين الأولى (1974 - 1979) لواء تهويد الجليل عن طريق إنشاء ما عرف باسم "قرى صناعية"، هدفها أن تجذب أيدي عاملة يهودية من منطقة الوسط للشغل والإقامة الدائمة. ومما تسرده الوثائق الرسمية لهذه الحكومة أنه في 1976 وقف رابين وراء إطلاق خطة جديدة لتهويد الجليل من خلال إقامة 50 مستوطنة يهودية جديدة فيه. كما تنقل هذه الوثائق عن رئيس قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية في ذلك الوقت، رعنان فايتس، وهو من قادة حزب رابين، قوله: "علينا أن نعلن غاية تهويد الجليل علنًا وعلى مسامع الجميع ... لسنا ملزمين بتاتًا بأن نخفي أن منطقة مثل الجليل توجد فيها أغلبية كبيرة من السكان العرب تعتبر مثار قلق لإسرائيل، وبناء على ذلك ستعمل مؤسسات هذه الأخيرة بكل ما تمتلك من قوة لتهويدها".