الزلزال "الفلسطيني" قادم!
لا تذهبوا بعيداً...
أنا أقصد الزلزال السياسي، زلزال الصراع مع دولة الاحتلال، ودولة الفصل العنصري والفاشية، دولة الترحيل الجماعي، ودولة الإبادة إذا أُتيحت لها الفرصة، وإذا توفّرت لها بعض الظروف فقط.
لا أحد يمكنه توقع حدّة الزلازل الطبيعية بحدود ما وصل إليه العلم حتى الآن.
كما أن أحداً لا يمكنه تحديد زمن وقوع هذه الزلازل على وجه الدقّة، ولا حتى على وجه التقريب.
كل ما يُوفّره العلم من معطيات حتى الآن، وبوجود أحدث الأجهزة والتقنيات هو توقع مناطق بعينها، وهنا نتحدث عن "وجه التقريب، أيضاً" لأسباب معروفة من زاوية "ضعف" القشرة الأرضية فيها، وموقعها في مساحات معيّنة من أخاديد، وقنوات، ونقاط التقاء بين القارات أو "تواصلات" جغرافية في بعض المناطق، والتي توصف بأنها "زلزالية"، أي أنها معرّضة أكثر للزلازل والبراكين.
في تفسير أسباب الزلازل الطبيعية توجد اختلافات وتفسيرات واجتهادات عديدة تتراوح بين "الانتقام الإلهي" وبين "القضاء والقدر"، وصولاً إلى التفسيرات والاجتهادات التي تُرجِع تلك الأسباب إلى وقائع طبيعية كامنة في القشرة الأرضية، وإلى هشاشة هذه القشرة في مناطق بعينها، أو إلى التصدُّعات التي يراكمها "الزمن" في هذه القشرة.
لكن الزلازل السياسية أكثر قابلية للتوقع، وأكثر قابلية للقراءة، وحتى أن أسبابها أكثر قابلية للفهم والإدراك. لكن الزلزال "الفلسطيني"، أو زلزال الصراع مع دولة الاحتلال ليس أو ما زال بعيداً عن الفهم والإدراك، وما زال هذا الزلزال "خارج" نطاق التوقعات بالنسبة للأغلبية "الساحقة" من قيادات الشعب الفلسطيني، وبالنسبة لقطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني نفسه، حتى وإن اختلفت زاوية النظر إلى مثل هذا الزلزال.
تكمن المصيبة هنا في أنّ القيادات الفلسطينية (تُراهن بينها وبين نفسها) على معطيات "غيبية" في الواقع، وهي لا ترغب، أو ليست مؤهّلة للقراءة العلمية للواقع تماماً كما هو الحال في قراءة الزلازل الطبيعية بالنسبة للبعض.
ويظهر من خلال سلوك كل هذه القيادات، ودون استثناء يُذكر، أن هذه القيادات تراهن على أن المجتمع الدولي "لن يسمح" لدولة الاحتلال بالمضيّ قُدُماً في إيصال الصراع إلى نقطة "اللاعودة"، أو إلى حدود الإبادة الجماعية، بعد فشل سياسة العقوبات الجماعية، وإلى الترحيل المباشر والكبير، إذا فشل الترحيل الاقتصادي، أو الترحيل الجزئي، أو إذا ما أدّت معطيات الصراع القائمة على الأرض إلى تطوّرات من شأنها إعاقة برامج ومخطّطات دولة الاحتلال في حُلّتها أو نُسختها الفاشية الراهنة.
ناهيكم طبعاً عن مراهنات أخرى على المجتمع الإقليمي، وأحياناً على المجتمع الإسرائيلي بحدود مُعيّنة.
المهم هنا هو أن غالبية الشعب الفلسطيني تُراهن أوّلاً وقبل كل شيء على سواعد أبناء وبنات هذا الشعب، وتُراهن على صمود وإرادة هذا الشعب، وعلى إرثه الكفاحي والبطولي، وعلى شعوب الأمّة وشعوب الأرض كلّها، حتى وإن كان بعض القطاعات من هذا الشعب لا "يقرأ" مآل هذا الصراع في المدى المنظور، أو لا يتمكن حتى الآن من تحديد مستويات الخطر ودوائر الخطط الصهيونية واستهدافاتها.
زلزال الصراع قادم لا محالة، وهو زلزال سيشمل كل فلسطين، وكل الشعب الفلسطيني، وقد تصل ارتداداته إلى الشعوب العربية، ومن المؤكّد أنه سيصل إلى معظم قوى التحرُّر والتقدُّم والحريّة في العالم كلّه.
وهذا الزلزال قادم لأن دولة الاحتلال والعنصرية هي التي ستتسبب فيه، وهي التي ستؤدي سياساتها حتماً لوقوعه، وهي التي تعتبره "فُرصتها" النادرة للوصول إلى الأهداف التي تعمل عليها أثناء هذا الزلزال، وفي سياقه والنتائج التي تسعى إلى تحقيقها في نهايته.
قبل عدة سنوات فقط، كان الحديث عن صعود الفاشية "ضرباً" من الجُنون السياسي، كما كان يوصف الأمر آنذاك، وكان مثل هذا الحديث يبدو وكأنّه أحد أشكال المبالغة السياسية، أو "المجاز" السياسي إذا جاز التعبير.
وكان الحديث عن إمكانية تحوّل برامح دولة الاحتلال نحو تصفية حقوق الشعب الفلسطيني ــ مهما كان الثمن ــ بمثابة "شَطَط سياسي" و"هرطقات" فكرية وثقافية.
وقبل عدّة سنوات فقط، كان الحديث عن السقوط الأخلاقي التام للغرب، وعن مجاهرة الغرب الأميركي على الأقل، "في نهاية الفترة الثانية لولاية الرئيس باراك أوباما" يُعتبر كلاماً "ثورجيّاً" و"يساريّاً" ومتطيّراً ومتطرّفاً إلى أبعد حدود التطرّف، ولم يكن هناك حرج عند البعض بتوصيفه بالكلام العدمي و"الراديكالي".
وكان الحديث عن "التطبيع العربي" مع دولة الاحتلال والعنصرية، والآن مع الفاشية، أيضاً، وكأنّه "هذيان" سياسي و"هلوسة" فكرية.
أمّا، اليوم، فنحن أمام الكثير من الوقائع و"الحقائق" التي تفقأ العيون، وأمام مشهدٍ ملموس، ماثل وقائم أمام أعيننا.
لم يكن لدينا حينذاك قراءة علمية لتطوّرات الواقع الإسرائيلي، ولا لحالة النظام العربي والإقليمي، ولم يكن لدينا أدنى وعي حقيقي بحقائق ومعادلات الصراع الدولي.
الصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال والعنصرية والفاشية يصل بسرعةٍ إلى حدوث الزلزال ووقوعه حتماً، حتى ولو بدأت مقدمات هذا الزلزال بهزّات ما زالت على مقياس نتنياهو، أو "يمين المعارضة" الإسرائيلية، و"وسطها"، أو على مقياس القيادات الفلسطينية بكلّ أنواعها وأشكالها.
وعندما ترتفع درجة هذه الهزّات، وتصبح وتقترب من درجات "الخطر"، ستتكسّر كل المقاييس، وستتجاوز كل "التوقعات" والمراهنات على جانبي معادلة الصراع، وسيكون الزلزال الفلسطيني قد فعل فعله على الأرض.
ما كان بعيداً عن دائرة التوقُّع قبل أقل من عشر سنوات، أصبح، اليوم، أمامنا، وما يبدو وكأنّه ما زال بعيداً الآن، سيكون واقعاً حتمياً ــ كما أرى ــ مع فارقٍ بسيط، لكنّه كبير، وهو أنّ الأمر لن يستغرق سوى بضع سنوات، إن لم نقل أقلّ من ذلك بكثير.