الطريق الى القدس
قد يبدو للقارىء من العنوان ان الحديث يدور عن دليل سياحي او خارطة تشمل اهم المواقع الواجب زيارتها حين الوصول الى مدينة القدس .
ويغيب عنه ان الطريق الى القدس مليء بالمنعطفات الخطرة ، وحافل بالمطبات الوعرة ، لكنه زاخر بلآلىء لا ماسية ولا ذهبية ولا فضية ولا حتى برونزية ، انما بشرية تزين الارض بلون احمر لو اقتضى الامر يعكس " زرقاوة " سمائها .
القدس وعلى مر التاريخ هي لب الصراع القائم في العالم أجمع ، ولعل تأجيل قضية القدس إلى المرحلة النهاية كان من الاخطاء الكبيرة بعملية السلام التي انطلقت في مدريد عام 1991 ، وذلك لصعوبة وضعها وادراك الاحتلال وداعميه ان الحل يبدأ من قضية القدس ، لما تحمله من قيم بالوصول الى سلام حقيقي يضمن العيش بكرامة وحرية للجميع ، لكن ساسة اسرائيل كانوا قد ارغموا حينها على الدخول في معترك السلام الذي يعتبرونه عدوهم الاول ، فبادروا ولاجل اجهاض العملية السلمية الى المطالبة بتاجيل قضية القدس ، لوجود مخططات خبيثة تستهدفها بشكل اساسي ، والابقاء على عملية سلام تراوح مكانها وملهاة للعرب والفلسطينيين .
من دون شك ان إن العمل من أجل إنقاذ القدس وتحريرها والدفاع عنها طويل وشاق تفرضه طبيعة الصراع التاريخي والمستقبلي بين المشروع الصهيوني التوسعي الاستيطاني الخطير من جهة ، والمشروع النهضوي العربي من جهة أخرى ، وإن أي جهد موحد يبذل في خضم هذا الصراع سوف يصب في نجاح المشروع العربي وانتصاره. كما أن مناصرة القدس أمر يحتاج إلى مزيد من الخطط والاستراتيجيات ، والمشروعات التي تسهم في الحفاظ على المدينة ومقدساتها الاسلامية والمسيحية وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك .
حتى اللحظة بكل اسف فان الموقف العربي الرسمي تجاه مدينة القدس مؤسف ومحزن الى درجة التخاذل ولا يرقى إلى المستوى المطلوب ولا يلبي أدنى الاحتياجات التي تحتاجها المدينة ، ولا يعدو عن عقد مؤتمرات على أعلى المستويات ، قراراتها وتوصياتها في الغالب تبقى حبراً على ورق ، شعارها البارز: نشجب ، نستنكر، ندين ، نناشد ، ندعو، إلى غير ذلك من العبارات والتعابير المطاطة التي لا تسمن ولا تغني من جوع .
اما الموقف العربي الشعبي فكله اندفاع نحو فلسطين والقدس وعلى استعداد للتضحية بالغالي والنفيس لاجل ركعة يصليها المواطن المغلوب على امره في المسجد الاقصى او إضاءة شمعة في كنيسة القيامة ، بالرغم من الفقر " المبرمج " الذي يغرق فيه هذا المواطن وتعرضه للقمع والاحباط ، ما يدفعه الى الهروب والتنصل من الواجب الملقى على عاتقه تحسبا لما سيتعرض له من بطش قد يطاله وافراد اسرته ، ويكتفي باضعف الايمان وهو الدعاء !!
اصوات كثيرة علت من قبل تحذر من خطورة الاوضاع في مدنية القدس ، الشهيد فيصل الحسيني دعا مرارا وتكرارا الى " شراء زمن في القدس " ، الشيخ رائد صلاح صرخ باعلى صوته : " القدس في خطر " آملين ان تلقى صرخاتهم آذانا صاغية في الوطن العربي ، ولكن دون جدوى ، ما يعكس حالة الوهن الذي تعيشه الامتين العربية والاسلامية .
وهنا السؤال : بالرغم من حالة الضعف العربية ، هل هناك امكانية لدعم عربي ، ليس بالضرورة حشد الجيوش واطلاق المدافع والقذائف وتدمير دولة الكيان وتحرير الارض العربية المغتصبة ؟
بكل بساطة ، نعم بالامكان لو توفرت الارادة الحقيقية والحرص العربي على الحفاظ على الطابع العربي الاسلامي المسيحي التاريخي لمدينة القدس ، الى ان ينظر الله في امر كان مفعولا . ولكن كيف ؟
من خلال الابقاء على قضية القدس على سلم الاولويات العربية ، رسميا وشعبيا والشروع بتوظيف الامكانيات بشتى المجالات السياسية والاكاديمية والاقتصادية والمالية والاعلامية ، والخروج من دائرة المطالبات المفرغة من المضمون ، والانتقال الى دوائر الفعل والتاثير المقاوم للاحتلال واجراءاته وسياساته التهويدية للحجر والبشر ، والعمل على تبني استراتيجية عربية اسلامية موحدة مبنية على تعزيزصمود ابناء الشعب الفلسطيني ، والمقدسيين على وجه الخصوص ، كونهم يشكلون الدرع الواقي وخط الدفاع الاول للامتين العربية والاسلامية ، استراتيجية يتحصنون بها وتمكنهم من التصدي للمخططات الاسرائيلية الخبيثة والحفاظ على الطابع التاريخي الاسلامي المسيحي للمدينة المقدسة ، وبذلك قد يكون باستطاعتهم بما يتوفر لديهم من امكانيات درء الخطر الاسرائيلي الاستعماري الذي سيطال الوطن العربي من محيطه الى خليجه .
سياسيا : الاستمرار في فضح جرائم الاحتلال بالمحافل الدولية والضغط لاستصدار قرارات ملزمة تكبح جماح الاحتلال وتحد من ممارساته القمعية للشعب الفلسطيني وتحاصر سياساته التوسعية في مدينة القدس.
اعلاميا : تخصيص مساحة واسعة في الفضائيات العربية وبرامج مؤثرة تختص بالقدس وتاريخها ومكانتها وجرائم الاحتلال بحقها واهلها ، بجميع اللغات للوصول الى المجتمعات الاخرى ، ما من شأن ذلك تشكيل رأي عام عالمي مبني على الوعي بما يدور في هذه المدينة المكلومة .
اكاديميا : الزام مدارسنا وجامعاتنا وبكافة المراحل التعليمية ، بتدريس منهاج الزامي عن القدس وتشجيع اعمال البحث والدراسات عن المدينة .
بعد ايام ستستضيف العاصمة المصرية – القاهرة - ، مؤتمرا مخصص للقدس ، تحت عنوان " تعزيز صمود ، وتنمية استثمار " جرى التحضير له بالتنسيق ما بين ما اقره المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الاخيرة ال 31 بتوحيد المرجعيات في مدينة القدس تحت مسمى " المرجعيات الرسمية للقدس " ووزارتي الخارجية وشؤون القدس وبتعليمات من القيادة الفلسطينية ومؤسسة الرئاسة ، وسيحضره مستوى رسمي عربي على رأسه الرئيس محمود عباس الذي سيلقي كلمة هامة على الغالب سيدعو فيها الامة العربية الى موقف جدي مؤثر قادر على محاصرة المخططات الاسرائيلية التوسعية وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني .
مؤتمر مشابه ، كان قد عقد قبل عشر سنوات " عام 2012 " في العاصمة القطرية – الدوحة – اعلن فيه عن نصف مليار دولار لدعم القدس ، ولكن وكما يبدو ان العرب ما زالوا يجمعون المبلغ المعلن عنه !!
الرئيس محمود عباس كان قد اصدر مرسوما باقتطاع شيكل واحد من كل فاتورة اتصالات لدعم القدس ، فلماذا لا يقدم الزعماء العرب على مثل هذه الخطوة دون اية اعباء ترهقهم ماليا ، ومن دون شك ان المواطن العربي ( المنهك ) على استعداد لتقديم اكثر من ذلك لاجل القدس ، بالتالي ما سيجبى من مثل هذه الخطوة كفيل بانعاش المدينة المقدسة واهلها ومؤسساتها .
مؤتمر القدس في القاهرة له دلالات هامة ويعول عليه المقدسيين كثيرا خاصة وان مدينتهم باتت على حافة الهاوية امام المخاطر التي تتهدد القدس هويتها العربية والإسلامية والمسيحية ، والتي كانت قد تضاعفت بعد إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها ، وتصتعد حملة الاسنهداف من غلاة المتطرفيم في اليمين الاسرائيلي والذي تبوء سدة الحكم في دولة الكيان ، الأمر الذي جعل القدس أمام تحد صعب ، إما أن تكون عربية أو أن تنسلخ عن عروبتها .
فالعمل الفلسطيني العربي الاسلامي المشترك بات ضرورة ملحة لانقاذ القدس ، للتخفيف من حدة ألآلام في ازقتها وحواريها ، وقد يكون بداية الطريق لانقاذ هويتها وتذليل العقبات وإزالة النطبات وتصحيح المنعطفات .