هل يمكن تعديل سرج الحصان وسط العاصفة والذهاب نحو وحدة الخنادق السياسية؟!!
عبرت نتائج الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة عن توجه يعتمل داخل المجتمع الإسرائيلي منذ مطلع الألفية الثالثة،ويدفع بهذا المجتمع أكثر فأكثر نحو اليمين القومي والديني المتطرف، وتمثل الديمغرافيا عاملاً مهماً وحاسما في هذا التغيير الذي تشهده دولة الاحتلال، إذ تثبت الأرقام أن المستوطنين لديهم أعلى معدل ولادات في المجتمع الاسرائيلي، وقد قدمت نتائج الإنتخابات الإسرائيلية صورة واضحة لا لبس فيها عن هذا المجتمع، الذي عبر بوضوح عن دعمه القوي لليمين المتشدد، الذي ينادي بصوت واضح بأن لدولة الإحتلال الحق في ممارسة سيادتها على القدس والضفة الغربية، وتعزيز تفوقها الديمغرافي اليهودي ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن، لنخلص إلى نتيجة مفادها أن دولة الاحتلال هي دولة عنصرية بامتياز، وأن أغلبية مواطنيها يؤيدون نظام الفصل العنصري في الأراضي المحتلة، وأن هذه الحكومة المتطرفة انتخبت لتكون وفيه لما انتخبت من اجله، عبر تعزيز السيطرة العسكرية على الفلسطينيين، وتوسيع المشروع الاستيطاني في الضفة والقدس، وهي تعمل بكل جد على تغييب الحل السياسي بشكل كامل، وتغلق أي أفق للحل، ولم يعد هناك من اعذار بالنسبة للقيادة الفلسطينية لتواصل نهجها الحالي، وذلك لأن نتائج الإنتخابات الإسرائيلية تفرض عليها أن تتبنى نهجا سياسياً جديداً، يتجاوب مع نبض الشارع الفلسطيني، ويوفر له شروط تصعيد المقاومة متعددة الأشكال، بغية التصدي لتتار العصر ودعاة العنصرية والفاشية الذين يتربعون على سدة الحكم في دولة الاحتلال، فتشكيل هذه الحكومة المتطرفة يعني عمليا القضاء على اي إمكانية لعقد أتفاق سياسي ينهي الإحتلال في الضفة الغربية والقدس، وتعني أيضا انتصار للفكر اليميني المتطرف الذي يؤمن بفكرة أرض إسرائيل الكبرى، فدولة الاحتلال تمر بأزمة هوية وتعيد تعريف نفسها لتنتقل من مربع الدولة العلمانية إلى مربع الدولة الدينية، وتسعى لفرض السيطرة اليهودية الخالصة على المسجد الأقصى وبناء كنيس يهودي في باحاته، وتحاول فرض عقوبة الاعدام ضد الأسرى الفلسطينيين، وتدعم وبشكل معلن الجرائم التي يرتكبها جنود الاحتلال في الضفة والقدس، وتشرعن وجود البؤر الاستيطانية في الضفة، وتمارس تطهير عرقي ضد كل ما هو فلسطيني، وقد بدأت فعليا تطبيق سياساتها العدائية ضد الفلسطينيين وفرض رؤيتها المتطرفة لإنهاء القضية الفلسطينية، وهي إشارات متتالية بأن الشعب الفلسطيني بات اليوم يواجه حكومة فاشية وعنصرية تبدو متعجلة لحسم الصراع مع الفلسطينيين بالقوة، في دلالة واضحة تشير بأن نذر المواجهة المفتوحة قد بدأت تلوح في الأفق، وتتصاعد يوما بعد يوم، وهنا يتبادر إلى الأذهان عدة أسئلة، كيف لنا كفلسطينيين أن نواجه هذه الحكومة النازية التي تمارس ابشع صور العنصرية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني على اختلاف تياراته السياسية؟وهل باستطاعة السلطة الفلسطينية بنهجها الحالي أن تصمد في مواجهة هذه الحكومة؟ وما هو السبيل لمقاومتها؟
في خضم هذا المشهد الدراماتيكي وضبابية الصورة السياسية والميدانية وقتامتها، خاصة ونحن نرى رأي العين كيف توغل حكومة الاحتلال المتطرفة في الدم الفلسطيني بالقتل والتقتيل، وتزيد من وتيرة استيطانها وتسعى لاقتلاع الفلسطينيين عبر سياسة التطهير العرقي، الامر الذي يهدد أصل القضية الفلسطينية، لا يمكن الانتظار على قارعة طريق العاصفة السياسية، وغير جائز الانحناء في وجه هذه العاصفة اللعينة، بل يجب الوقوف في وجهها واتخاذ إجراءات فلسطينية تدفع الاحتلال لإعادة حساباته، فالشعب الفلسطيني -شعب عنقاء خضراء -بكل مكوناته السياسية والاجتماعية -موالاة ومعارضة- ما زالوا يخوضون غمار مرحلة التحرر الوطني المترافقة مع حالة مخاض عسير، وتستدعي وضع الاستراتيجيات والبرامج السياسية والميدانية التي تقودنا نحو تحقيق الأهداف الوطنية وحلم الدولة المنشودة، وتقرير المصير برؤية وأفق فلسطيني تشاركي في تطبيق وتنفيذ القرارات المصيرية لإسقاط مفهوم التكيف السياسي مع الواقع الاحتلالي المفروض بقوة السلاح والدعم الأمريكي والأوروبي الاستعماري، ويحتاج الواقع الفلسطيني الراهن إلى تفعيل كل المؤسسات الشعبية والرسمية لتعمل على رعاية الحياة اليومية لكل الشرائح الفلسطينية في حركة تكاملية ما بين السياسي والاجتماعي والاقتصادي والاكاديمي والثقافي، واعادة اللحمة الجماهيرية والشعبية ببعدها الجماعي والمجتمعي، بعد ردم وجسر حالة الإنقسام الاسود البغيض، ووضع القضية الفلسطينية على طاولة الأجندة السياسة الدولية ذات الأهمية القصوى والارتقاء لمستوى المخاطر والتحديات الاحتلالية المتمثلة في تصفية القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق لعله من نافلة القول بأن اولى خطوات مواجهة هذه الحكومة المتطرفة هو تحقيق المصالحة الفلسطينية لتعيد ثقة الشعب الفلسطيني بقيادته، وهذه الخطوة بلا شك تواجه العديد من المصاعب السياسية، وبقراءة متأنية لكابوس الانقسام الآثم، كان من الجلي بأنه وفقا لحسابات الرياضيات السياسية، بان الانقسام كان شرك ومنزلق خطير شكل أرضية خصبة للعدوان تلو العدوان، وايضا بيئة مريحة لتخفيف الضغط عن حرج التواطؤ العربي، ليعلقوا على شماعة الانقسام الفلسطيني الدامي تاريخ عجزهم وخذلانهم وتخاذلهم، وكانت النتيجة للغالب والمغلوب صفر، فوفقا للمنطق السياسي خسر طرفا اللعبة بالسلب وليس بالتعادل، وكان الخاسر الأكبر من هذا الانقسام هو شعبنا العظيم، وربح العدو الصهيوني واستثمر هذا الانقسام كغطاء التهويد والاستيطان والمجازر والتوسع، فاكتملت اركان النكبة الجديدة ضمن مؤامرة سياسية نسج خيوطها كبار رؤوس الشر، وتحول الشعب الفلسطيني لركام انسان، لذا فإن المصالحة هي العودة الميمونة لحضن الشعب المكلوم وطوق نجاة ستغير كل حسابات الصديق والعدو، ومهما بلغت الامور من صعوبة خطوط العودة، الا أن إصلاح ما أفسده دهر الانقسام افضل من المكابرة وترسيخه لصالح أعداء الوطن وتجار الشعارات الوطنية، ان ما وصلنا إليه كان كارثة وطنية وسياسية استعصى فهمها على دهماء القوم، الذين يركضون خلف الوهم ولم يقضبوا بأيديهم غير الرياح، واطلق الشعب صرخته العظيمة مرارا في صحراء العدم خوفا على مصير الوطن، فكان تعديل سرج الحصان المنفلت وسط أنواء العاصفة السياسية أمرا شبه مستحيل وتهمشت مرافىء الالتقاء.
ولا يخفى على العارفين ببواطن الامور السياسية بان تعطيل المصالحة كان بسبب بعض الأيدي الآثمة والعابثة بحرمة وقداسة الدم الفلسطيني، فكانت وما زالت تلك القوى الشيطانية تعيق المصالحة لتعزف على اوتار الإنقسام، بحيث بدا للناظر بأن الإرادة الفلسطينية تتقاذفها عروض رخيصة في سوق النخاسة السياسي، حتى أصبحت المصالحة الفلسطينية واعادة شطري الوطن إلى وحدة الخنادق السياسية المقاومة هدفا لبعض القوى العربية والإقليمية والدولية التي تقاطعت مصالحهم مع الاحتلال لتعطيل المصالحة، ورغم محاولة البعض التشبث بالعربة المسافرة صوب محطة الكهنة الأخيرة، فأننا اليوم لا نملك سوى خشبة خلاص واحدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا وطن، ففي نهاية المطاف التوافق الوطني يعني المصالحة ،والذهاب إلى الانتخابات التي ينتج عنها توافق وطني ،فالعدو الصهيوني يمارس لعبة القفز فوق الحبال من خلال الاستفادة من التناقضات الفلسطينية لاستمرار الانقسام الكارثي.
وما بين يدي سيناريو المواجهة مع الاحتلال، فان الانتخابات هي الحكم الفعلي لماهية البرنامج الذي يجب أن تتبناه منظمة التحرير وقيادة الشعب الفلسطيني بديلا لحالة الفشل السابق، وستنهي كل حالات التفرد بالقرار ايا كان موقعها السياسي أو الجغرافي، اذ من شأنها أن تفرز منظومة تعددية سياسية تجبر جميع الأحزاب والقوى السياسية بالقبول بمبدأ الشراكة والمشاركة، وتتيح للشعب اختيار ممثليهم واختيار النهج الفلسطيني، وستؤدي إلى إعادة التوازن للنظام السياسي الفلسطيني بين السلطات الثلاث، بعد أن فقد لصالح هيمنة السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى، وتعزيز الشرعية الفلسطينية أمام المحيط العربي والدولي، وتفرض هذه الانتخابات البرنامج الكفاحي الفلسطيني الجديد .
لقد تكررت المطالب الفلسطينية بإجراء الانتخابات العامة بوصفها الحل الامثل لمواجهة التحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية، فالانتخابات هي مخرج من عنق الزجاجة لتحقيق الوحدة الوطنية العصية على التحقق راهنا، وتدور مطالب غالبية القوى حول البدء باحراء انتخابات تشريعية ورئاسية تمهيدا لاتمام الخطوة اللاحقة بإجراء انتخابات المجلس الوطني، وافراز قيادة فلسطينية تمضي قدما نحو إعداد قاعدة خصبة من التوافق والعمل الوطني المشترك ،غير أن هذه المطالب من شأنها الدوران في حلقة مفرغة في حال فشل مساعي المصالحة في ظل غياب الاستراتيجية الوطنية الموحدة والمضادة لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، ورغم الإعلان عن النية لعقد الانتخابات البرلمانية في يناير من العام 2021،الا أنه سرعان ما تم التراجع عنها تحت حجج وذرائع واهية،ومن هذه الحجج عدم إمكانية عقد هذه الانتخابات في القدس بسبب رفض الاحتلال، فالقدس برمزيتها الدينية والسياسية والوطنية لم ولن تكون حجر عثرة في طريق الانتخابات، بالعكس ممكن الاستفادة من تعطيل الاحتلال للانتخابات في القدس، واعلان المعركة الديمقراطية من قلب القدس الشريف ،وتحشيد الموقف الدولي للسماح للمقدسيين بممارسة حقهم في الانتخاب، ولن يضيرنا في شيء اجرائها تحت عيون الاحتلال للتأكيد على هوية القدس الفلسطينية، كذلك لم تكن يوما زيارة السجين تطبيعا مع الاحتلال، فالانتخابات في القدس هي بداية الاشتباك مع المحتل للدفاع عن المدينة والتمسك بها كعاصمة واحدة ووحيدة وابدية لفلسطين، وليس مقبولا منا التعايش مع الوقائع التي أوجدها الاحتلال بعد أكثر من سبعين عام من النكبة وخمسون عام على النكسة واحتلال الضفة الغربية والقدس وغزة، والبقاء تحت رحى دوامة التدمير الذاتي الذي يهدد بالإطاحة بكل ما هو مقدس.
وخلاصة القول إن تفعيل الدور الفلسطيني ضمن رؤية جديدة وقيادة واحدة هو العامل الحاسم ،الذي بمقدوره أن يؤثر في سياسة حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة، بغض النظر عمن يحكمها اليمين ام اليمين المتشدد، وهذا يستلزم احياء المشروع الوطني وإعادة بناء المؤسسات الوطنية الجامعة على أساس رؤية شاملة وقيادة تستفيد من التجارب السابقة وتستخلص العبر منها ،وان يتم وقف الرهانات الخاسرة سواء على صعيد ما يسمى بعملية السلام، وعلى صعيد انتظار المتغيرات الإسرائيلية والأمريكية والعربية، فالرهان أولا يكون على الشعب الفلسطيني، الذي اثبت دوما أنه مستعد لمواصلة مسيرته التحررية وعلى عدالة القضية الفلسطينية وتفوقها الأخلاقي، وبعد ذلك استنهاض العاملين العربي والدولي، وما يدلل على صحة ما سقته سلفا الظواهر النضالية المجيدة مثل كتائب المقاومة في جنين ونابلس واريحا، التي استنهضت الوعي الثوري لدى الجماهير، واربكت الاحتلال، فكيف يكون الأمر عند بلورة قيادة واحدة تقوم بتشكيل قيادة وطنية موحدة للمقاومة، ترافقها إرادة مصممة على المواجهة حتى النصر، وتصعيد المقاومة بكل أشكالها ضد حكومة الاحتلال ومخططاتها الاستيطانية، فتلك المقاومة كفيلة بلجم العدو، ورفع كلفة الاحتلال في الضفة والقدس وردع تلك الحكومة اللعينة، التي تقود حرب شعواء ضد القضية الفلسطينية، فالكل الفلسطيني مدعوا اليوم للخروج من متاهة الإنقسام البغيض، والتفرغ لمواجهة تحديات المشروع الاحتلالي المتمثل في تهويد القدس والضفة الغربية، فيجب الركون إلى القدرة الذاتية للشعب الفلسطيني، وعدم الارتهان للتسويات الخارجية، فالقضية الفلسطينية غير مدرجة على أجندة السياسية الدولية والإقليمية المنشغلة في الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات شن هجوم عسكري إسرائيلي امريكي غربي ضد إيران في محاولة للجم طموحاتها النووية، باعتباره يشكل تهديدا وجوديا لدولة الاحتلال، فالفلسطينيون اليوم بكافة أطيافهم ومشاربهم السياسية وفدائيوا اليوم مطلوب منهم ايجاد الآليات لردم هوة الانقسام ،والنهوض بالحالة الفلسطينية على أن يترافق ذلك مع فعل ميداني وسياسي تشاركي على الأرض ،لمواجهة قوى الشر التلمودية المتطرفة الداعية لتكثيف الاستيطان، فمسار المواجهة المفتوحة يفرض نفسه بقوة في الشارع الفلسطيني، ومن شرائط هذه المواجهة أن تكون شعبية ومفتوحة ومتعددة الاشكال ويشارك فيها الكل الفلسطيني، وستعيد لنا امجاد العمل الوطني ضد المحتل، والتي تحطمت على صخرتها احلام الاحتلال الإسرائيلي.