بيان الدول الخمس، هل يتسم بالجدية ويفتح أبواب الخلاف مع حكومة الاحتلال؟
من المقرر أن يبحث مجلس الأمن الدولي بعد يومين مشروع قرار "يؤكد مجدّداً أنّ إنشاء إسرائيل مستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلّة منذ العام1967 بما في ذلك القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية، ويشكّل انتهاكاً للقانون الدولي".
ويدين مشروع القرار الذي سيقدم إلى المجلس يوم الإثنين "كلّ محاولات الضمّ بما في ذلك القرارات والإجراءات التي تتّخذها إسرائيل بخصوص المستوطنات" و"يدعو إلى التراجع عنها فوراً".
وهو ما سيشكل برأيي امتحانا مبكرا لجدية دول البيان الخمس من جهة التصويت عليه، رغم التهديدات المبكرة للولايات المتحدة بالفيتو.
وقد صدر قبل أيام بيان مشترك عن الدول الخمس أمريكيا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا وإيطاليا التي أعربت فيه عن "قلقها" من قرارات حكومة دولة الاستعمار الإسرائيلي بشأن الأستيطان.
ليس هنالك جديد في هذا البيان من سوى الأشارة لمصطلح "الدولة الفلسطينية ذات السيادة والقادرة على البقاء"، وهو أمرا جديدا، إلا أن ذلك يبقى منقوصا دون الإشارة إلى مسألة الحدود والقدس، ودون اقتران ذلك باجراءات عملية تبتعد عن التصريحات اللفظية التي لم تتجاوزا الأعراب عن "القلق" فقط، وكيفية التصويت على مشروع القرار امام مجلس الامن بعد غدا ان تم ذلك.
ورغم انني غير مندفع بالتفاؤل من صدور هذا البيان الخُماسي لما يمكن ان يشكله من مواقف تؤدي الى انهاء الأحتلال او على الأقل بوقف الاستيطان و التصعيد الفاشي ضد شعبنا، حيث أبدت أمريكيا عدم ارتياحها من طرح مشروع القرار المذكور على مجلس الأمن، كما وان الفاشية الصهيونية سارعت لتقديم رداً اتسم بتأكيد مواقفها وسياساتها من استمرار التوسع الأستيطاني بل وبتشديد سياسات القمع والتمييز العنصري ضد شعبنا وأسرانا واتخاذ قرارات جديدة يوم أمس بالكنيست بهذا الأتجاه حظيت بدعم الائتلاف الحكومي والمعارضة الصهيونية الحالية على حد سواء.
لكن ومن باب عدم العبثية السياسية، فإنه من الضرورة الأنتباه والنظر بانفتاح نسبي إلى ذلك البيان الخُماسي حول فحص جدية ما جاء من جديد به بخصوص "الدولة ذات السيادة" وقلق تلك الدول من إعلان حكومة الأحتلال الإسرائيلية عزمها بالمضي قدما بالبناء الأستيطاني، واعلانهم عن معارضة الإجراءات من طرف واحد التي لن تؤدي سوى لتفاقم التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتقويض الجهود الرامية إلى الوصول لحل الدولتين، وفق ما جاء في بيانهم المذكور.
فرغم ان مضمون وشكل الدولة الفلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين الذي يتحدثون عنه بالبيان الخماسي في ظل اجماع كل الأحزاب الصهيونية على رفضه، فهو يأتي بعد أن توسع اصلاً الأستيطان الاستعماري ليشمل 60% من الأراضي المفترضة لدولة فلسطين المحتلة، لتبقى الأرض الباقية كالجبنة السويسرية من الكانتونات الممزقة لا تصلح لإقامة دولة ذات سيادة عليها.
حيث ما زلت اعتقد ان الحديث عن مفهوم الدولة الفلسطينية الذي جاء ذكره في صفقة القرن ما زال كامناً حتى في عقلية الأدارة الامريكية الحالية التي تمارس الحصار المالي والسياسي علينا وعدم الايفاء بتعهداتها السابقة، وهو ما يتجلى في افتقار حديثهم عن الدولة لأهم مكوناتها، والأمر هنا لا يقتصر على عدم اشتمالها على القدس كعاصمة. فمن المعروف في الفقه القانوني أن مكونات الدولة هي الأرض وحدودها والشعب والسيادة، فالأرض منقوصة والشعب منقوص أو مقتصر على جزء من الشعب ، أما عنصر الحدود فهو غائب كليا عن الذكر.
فلا دولة بدون سيادة واضحة المعالم على الأرض والمياه والمصادر والمعابر وبدون حدود واضحة حددها القانون الدولي ومرجعيات القرارات الاممية كخيار دولي وفق مبداء القرار الأممي 181 باقامة دولتين الذي تبنته الأسرة الدولية انذاك وما تبعه لاحقا من قرارات اممية يتوجب احترامها، التي حددت حدود دولة فلسطين على أساس ما قبل الرابع من حزيران عام 1967، فهل هذا هو مفهوم الدولة الذي يتحدثون عنه بالبيان الخماسي؟ أم ان الإدارة الامريكية وحلفاؤها بالغرب ما زالوا متمسكين بتعريفات كوشنير لما جاء بخصوص ذلك بصفقة القرن التي أعلنا الرفض لها وعدم التعاطي معها.
فأمس قال مساعد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل "نعتقد أن اقتراح مشروع القرار يوم الاثنين امام مجلس الامن محدود الفائدة في ضوء الدعم الضروري للمفاوضات حول حل الدولتين".
وفي تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن عن ضرورة وقف الإجراءات احادية الجانب الذي صرح به الأسبوع الماضي وقبل صدور البيان الخُماسي، دون أن يحدد ذاك الجانب، وكأننا نحن الفلسطينين مَن نشن حربا ضروس ونرتكب الجرائم بحق شعبا آخر يضطهدنا منذ اكثر من سبعة عقود على مرأى من المجتمع الدولي بل وبمساندة الولايات المتحدة اولا والغرب ثانياً.
كذلك فقد جاء اعلان قصر الأليزية عن رغبة الرئيس مانويل ماكرون بالبحث عن "رجل المرحلة الفلسطيني" لخلافة الرئيس أبو مازن بهدف "تغيير التوتر القائم"، ولا اعرف مقصدهم اللئيم بالخلافة أن كانت فورية أو بعد عمر طويل، أو بمفهوم التوتر بين شعب مُحتل ونظام ابرتهايد احتلالي استعماري، فهل هي مسؤوليتنا أننا نعاني الاحتلال والقهر. أما الخلافة التي يبحثون عنها فهذا شان فلسطيني داخلي لا شأن لأحد آخر به يتحدد بالوقت الذي يستدعي ذلك وفق الأصول ومن خلال الإطار الشرعي منظمة التحرير والآليات الديمقراطية لشعبنا، التي يتشدق الغرب بها زورا في وقت تشهد بلدانهم المظاهرات المليونية في معارضة سياسات الاتحاد الأوروبي التي تستهدف شعوبها واستقرار وأمن دولها واستغلالها حطباً في مصالح نار الهيمنة الأمريكية.
إضافة إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي السابق بومبيو أمس والذي يحظى حزبه الجمهوري باغلبية الكونغرس الذي قال، أن لإسرائيل حق توراتي في فلسطين وهي لا تمارس احتلال.
تصريحات مختلفة ومتكررة تعبر عن وقاحة الغرب الذي مارس الاستعمار والجرائم بحق الشعوب ونفاقه وسياساته بمساواة الضحية بالجلاد والتدخل في شؤون الغير الداخلية، باعتبارهم ما زالوا يعتقدون ويتصرفون بعقلية الوصاية الأستعمارية.
لكنها ازدواجية المعايير بل تعدد المعايير من جانب الغرب التي تصنع من إسرائيل دولة فوق القانون ومعفاة من العقوبات والمحاسبة بما يساهم في ترسيخ رؤية حكومة دولة الأستعمار الإسرائيلي في اعتبار الأرض ليست محتلة وإنما تشكل أرض إسرائيل الكبرى واقتصار المبادرات على حلول اقتصادية في اطار مشروع حكم ذاتي موسع يتخذ شكل الدولة بتعريفاتها الجديدة وفق مفاهيمهم غير القانونية وتوسيع اتفاقيات ابراهام ونشر الفوضى بالمنطقة ثم الاستثمار بها بما يخدم الهيمنة الأمريكية ودور دولة الاستعمار الإسرائيلي فيها.
والسؤال هنا ورغم كل ذلك، هل ستدفع حكومة دولة الأستعمار الأكثر فاشية منذ نشأتها بسياساتها إلى فتح ابواب الخلاف او التصادم مع تلك الدول الخمس وخاصة الولايات المتحدة والغرب الأطلسي عموما، وما مدى جدية بيانهم الخماسي؟
يقيناً أن الرأي العام الدولي بما تمثله حركات الشعوب لن يقبل بالتحولات الجارية والسياسات المتبعة من جانب حكومة الأحتلال هذه التي تمثل تحالف أقصى قوى اليمين العنصري والقومي الصهيوني الديني الفاشي، حتى باوساط واسعة من المجتمعات اليهودية باسرائيل نفسها أو في دول آخرى من مهجرهم الذي ابتدأت تزداد عودة إعداد من اليهود اليه بالخارج، إضافة إلى هجرة روؤس أموال ومغادرة شركات، واتساع حجم المظاهرات المناهضة للسياسات المتعلقة بالقضاء واحوال المعيشة ومظاهر التصدع بين المستويات السياسية والأمنية الذي قد يتسع مستقبلاً ليشمل مسألة استمرار الأحتلال اذا ارتبط ذلك بارتفاع كلفة الاحتلال التي يجب ان يدفعها مجتمعهم على المستويات الدولية والمحلية الاقتصادية والامنية منها.
كما وبروز اصوات من المنظمات اليهودية حول العالم في مناهضة الصهيونية والأحتلال، الأمر الذي يجب أن يتسع للخلاص من الأحتلال الأستعماري والايدولوجية الصهيونية العنصرية والتي لا تستهدف حقوق شعبنا فقط، بل أيضا قطاعات واسعة من اليهود أنفسهم والاستقرار بالمنطقة.
هذه المستجدات التي لا تستطيع حكومات الغرب استمرار تجاهلها إلى ما لا نهاية دون اهتمام ودون ممارسة ضغوطات جادة على دولة الأحتلال وحكومتها العنصرية الاستعمارية مع بروز تيارات تقدمية معادية لمبداء التمييز العنصري والاستيطان تحديدا في الغرب وبشكل خاص بالولايات المتحدة.
لكن بالمقابل، هنالك حدود لتلك الضغوطات ترتبط بمحددات العلاقات الاستراتيجية والايدولوجية الراسخة بين الجانبين باعتبار إسرائيل جزء هام من تحالف الغرب الأطلسي، وهنالك مصالح مشتركة بشأن التعاطي مع مصالح ونفوذ الحركة الصهيونية العالمية، النظام العالمي، الملف الايراني، الترتيبات الأمنية والاقتصادية بالمنطقة وخاصة أمر الطاقة والغاز بالمتوسط، إضافة الى الحرب بالوكالة او المباشرة التي يخوضها الغرب الأطلسي في أوكرانيا بتاييد اسرائيلي ضد روسيا، كما وحاجة حملة بايدن الانتخابية لإسرائيل وشعارات امنها. مصالح جميعها تحتم الأحتياج المشترك بين الطرفين، كما وحاجة دولة الأحتلال للغرب لحمايتها بالمحافل الدولية واستمرار ضمان تفوقها ولتوسيع الاتفاقيات المشتركة بينهم وحماية النظام الدولي الحالي الاَخذ بالأنهيار.
لذا وأمام المتغيرات السياسية الدولية الجارية الان وهذه التطورات من المستجدات الممكنة، فانه وبحكم رؤيتنا العقلانية السياسية في هذه المرحلة التي يجب أن تعزز أصول التحرر الوطني، يتوجب علينا الإستفادة منها والبناء عليها وعدم الانتظار طويلاً ، بل بوضع مزيدا من الضغوطات على دولة الأحتلال وترسيخ ازمتها الداخلية وعلى تلك الدول الخمس وغيرها واحراجها من خلال الرأي العام فيها ، ومن خلال عدم القبول باية ضغوطات تمارس علينا او بمقايضة البيان الخماسي أو مشروع القرار المتوقع امام مجلس الأمن بتنفيذ عدد من المطالب التي أتى بها بلينكن قبل أسبوعين بهدف الإبتعاد عن حل جوهر الصراع المتمثل بضرورة انهاء الأحتلال الأستيطاني واقتصار الأمر على حلول أمنية ومعيشية . كما وعلينا استغلال اوراقنا وامكانياتنا من خلال تصعيد المقاومة الشعبية والمقاومة السياسية بالمحافل الدولية والعربية على السواء والاسراع في تجريم دولة الاحتلال بالمحاكم الدولية وتعريف جوهر الأحتلال الاستيطاني كبداية لفرض قرارات بمجلس الأمن والجمعية العامة وطلب فرض العقوبات ، كما واستكمال العضوية الكاملة لدولتنا الفلسطينية في هيئة الأمم وممارسة اشكال سيادتها كدولة تحت الاحتلال والتصرف على هذا الأساس بما له من استحقاقات مختلفة .
ان ذلك هو ما سيشكل امتحانا لجدية الدول الخمس تلك وغيرها التي ربما تريد ان تضغط لعودة المعارضة الإسرائيلية الحالية لإحضان نتنياهو الذي لا يرغب بضرر كبير بأوراق العلاقة مع الأمريكان ، بدلاً عن الأحزاب الدينية التي تجره للصدام مع الغرب ومع قطاع واسع من مجتمعهم ، ومن ثم عملهم على إطلاق مسار سياسي لا يعتمد على القرارات الأممية والقانون الدولي القاضي بإنهاء الأحتلال والأستيطان ، لكن من اجل اطالة زمن ادارة الصراع والأمر الواقع بهدؤ دون ان يؤثر على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة بالمنطقة واولياتها حول العالم وتمكين نتنياهو من حماية نفسه ضمن مقايضات وتوسيع اتفاقيات ابراهام للتطبيع ومواجهة التمدد الصيني والروسي .
ولذلك فأن على المؤمن أن لا يُلدغ من نفس الجُحر مرتين ، فلا جدوى من التعاطي مع مشاريع أو ابتداعات تخدم اعادة الاستقرار لدولة الأستعمار الاسرائيلي والمشاريع الامريكية يتم فيها إعادة تدوير اللعبة السياسية بتأجيل او منع مفاوضات جادة برعاية دولية تفضي الى ممارسة كل شعبنا حقه السياسي بتقرير المصير وتحقيق استقلالنا الوطني واسقاط منظومة الابرتهايد الأستعماري.