حفنة من الإدانات وتتحرر فلسطين!
عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"
خمسة وسبعون عاماً على النكبة وأكثر من خمسة وخمسون عاماً على النكسة، وما زالت الإدانات والشجب والاستنكار هي أقوى الأسلحة التي يختبئ وراءها البعض من أبناء جلدتنا العرب، ودول العالم لرفع العتب عن موقفهم، جراء الذبح المتواصل للشعب الفلسطيني، وهو ما شجع الأمم المتحدة على تطوير مفرداتها في مساحات الشجب والاستنكار أيضاً.
وعليه ولدت و»الحمد لله» قائمة مصطلحات رديفة علها تساهم في كسر جمود الإدانة النمطية وإشعارنا «بأهمية» أكبر للإدانة كمصطلح: الإدانة بأشد العبارات، وهو ما يضفي «جدية» أكبر، يضاف إليها قائمة «بليغة» من عجائب اللغة، لن أضيع هذا المقال في ذكرها. البعض يذهب نحو البيانات، والآخر يستدعي سفراء الاحتلال للشجب، والبعض الآخر يقفز ليشعرنا بأنه قام بتهديد إسرائيل معنوياً في الصباح، ليعود ويرسل رسائل إلى تل أبيب لطمأنتها ليلاً، وليرجوها بأن لا تلتفت لما قاله صباحاً، لأنه لا يعنيه، ولا يقصد إزعاجها، وإنما فعل ما فعل لاسترضاء الرأي العام في بلاده وامتصاص الصدمة وخدمة للخطاب الشعبوي الفارغ المضمون والمحتوى. إدانات تتلوها إدانات وبيانات شجب تتبعها بيانات، ونشرات إخبارية إذاعية وأخرى متلفزة، تحمل عبارات الاستنكار المزعوم لنستمع فيها لأصوات جهورية «رصينة» ونشاهد وجوهاً عبوسة «جدية» تحاكي صعوبة الموقف وحساسيته.
دماء تسفك وأرواح تزهق في فلسطين وخارج نطاق القانون، وبترتيب مشفوع بقرار عسكري صادر عن تل أبيب بالتنفيذ مع سبق الإصرار والترصد، وبلا هوادة، ليتبع ذلك القرار المزيد من بيانات الشجب والاستنكار العربية والدولية، وبعض المظاهرات والاعتصامات والأغاني والهتافات الحماسية، التي تستمر لأيام معدودة تخبو بعدها نارها وتنطفئ بهدوء، وبلا إزعاج يذكر لتل أبيب. أما حرب الإبداع في ملف شجب العدوان والاعتداءات الإسرائيلية، فتذهب باتجاه الاستنكار ليلاً والتطبيع مع الاحتلال الصهيوني صباحاً عبر خطوة انبطاحية فاقعة تأتي في إطار التكفير عن إزعاج إسرائيل، حتى إن استهداف مناطق فلسطينية سكنية ومكتظة كالمخيمات والمدن، وتنفيذ حكم الإعدام خارج القانون، ومن دون محاكمة وبدم بارد، وقتل عشرات الأشخاص ربعهم من الأطفال دفعة واحدة، وإن قوبل بأحسن الأحوال بمطالبة أمريكية «مزلزلة» بمعاقبة الجناة من الإسرائيليين فإن بياناً أمريكياً سرعان ما يجد طريقه للإعلام، ليقر بما يسمى باحتياجات إسرائيل الأمنية. عندها تتسلح دولة الاحتلال بذاك البيان لتنصب المتاريس وتفرض منع التجوال وتطرد الصحافيين من بلدة فلسطينية ما، ثم تسمح بتدفق المستوطنين ببنادقهم وحوارقهم إليها بغرض الانتقام من الفلسطينيين، بعد أن يكون الفلسطينيون، قد احتجوا على طريقتهم. هنا يتطور الحال فيصدر بيان الشجب المعتاد والمدعوم بعبارات لغوية قوية ومصطلحات جاذبة، ولتتبع ذلك زيارة تفقدية لوفد أمريكي بحجة المتابعة والاهتمام والاستنكار، بينما يستمر تدفق المساعدات الأمريكية والمال والسلاح لدولة الاحتلال، مضافاً إليه سلاح الفيتو الحاضر دائماً في مجلس الأمن، وكل المبررات التي تشرعن استمرار العدوان وتباركه وتؤازره.. بعض الدول وفي هذا الزمان باتت تغار من إسرائيل وتعتب على الإدارة الأمريكية ولسان حالها يقول: لماذا تسمحون وتشرعنون استدامة الاعتداءات خارج القانون، بينما ترفضون ذلك المبدأ في ديارنا تحت مسميات مغلفة بحجج الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ إذن، قتل الفلسطيني على يد إسرائيل يعتبر احتياجاً أمنياً مقبولاً، أما قتل المتسلح بالشعر الأشقر والعينين الملونتين على يد دولة أخرى وفي مكان آخر من العالم إنما هو جريمة حرب وخرق لمقومات حقوق الإنسان، يستوجب تزويد الضحية بالمال والسلاح لتخوض حرباً بالوكالة عن مصدر تسليحها! هذا كله، وبيانات الشجب والاستنكار ما زالت تتدفق عبر وسائل الإعلام، بصورة يرى صاحبها بأنه قد قام بما عليه وأنه معفى تماماً من المسؤولية! هنا وأمام هذا الإصرار والاعتداد بالنفس، إنما تسكن نفوسنا الحيرة: هل في الاستنكار فرصة لتحرير فلسطين واستقلالها؟ إن كان الجواب بنعم، فلتستمر بيانات الشجب بلا هوادة ولنستزيد بحفنة إضافية منها حتى تصبح قضية فلسطين قضية المليون بيان! عندها ربما تتحرر فلسطين؟ فهل تحررها البيانات؟ ننتظر ونرى!