"بين ليلة البلور ورؤيتهم فأن سموتريتش ليس حالة خارجة عن نظامهم"
"إن ما يهددنا اليوم هو خطر مميت لم نواجهه من قبل ولم نعتقد أنه سيتعين علينا مواجهته يوماً ما ، انها الحرب الأهلية ، أكرر علينا الانتباه، الخطر على أبوابنا". بهذه الكلمات وصف استاذ التاريخ اليهودي بالجامعة العبرية دانيال بلاتمان اليوم الحالة القائمة بدولة الأحتلال الأستعماري .
فبالرغم من ما يدور هذه الأيام من مظاهر الإحتجاجات ضد حكومة نتنياهو والتي لم يسبق مثيلا لها منذ قيام دولة الأحتلال الأستعماري عام ١٩٤٨ على حساب حقوق شعبنا واهتمام الإعلام بما يدور فيها ، فقد انتشرت في وسائل الإعلام الأوروبية كما وفي الإعلام العبري من جهة أخرى صور واخبار "محرقة حوارة " التي ارتكبها الفاشيين الجدد ، وقد استُخدِمت كلمة "pogrom " اي "المذبحة" في وصف الجريمة بالعديد من التعليقات والمقالات ، كما وايضا وصفها البعض "بالمحرقة" ، واستذكروا بذلك ما تعرضت له بعض المجموعات اليهودية على يد النازيين في ألمانيا وغيرها من الدول في إحدى ليالي نوفمبر عام ١٩٣٨ التي اطلق عليها " ليلة البلور أو الزجاج المكسور" ، حين تعرضوا للقتل وممتلكاتهم للتكسير والحرق ، وذلك عندما أطلق الزعماء النازيون سلسلة من المذابح ضد المعارضين واليساريين والسكان الألمان اليهود وغيرهم من الأثنيات.
وفي تعليق لأحد الأصدقاء اليهود المعادين للصهيونية باسرائيل ، يقول ، "إن من نظر الليلة الماضية ، الى مشهد حوارة ونيران قطعان المستوطنين ورعاتهم تلتهم بيوتها ومتاجرها ، لم يكن قادرا على الامتناع عن استحضار صورة النازية وليلة البلور التاريخية وإدراك الحضيض الفاشي الذي وصل اليه الحكم في إسرائيل ."
لقد أخفى النازيون الألمان حينها هذا الحدث الوحشي المُنَظم للمذابح ، وسرعان ما شَرّع النازيين العديد من القوانين والمراسيم المعادية لليهود ، وفي أول أمس قامت الكنيست بتشريع قوانينهم العنصرية بحق الأسرى والتي حظيت باجماع الأحزاب الصهيونية اليهودية .
أما اليوم ، ومع صعود اليمين الصهيوني الديني الفاشي إلى السلطة في دولة الاحتلال الاستعماري إلاسرائيلي ، وتحول المستوطنين إلى أسياد السياسة الإسرائيلية، فإن الأمور انكشفت واتخذت وتيرة متسارعة وأكثر وحشية ووصلت الأمور الى الحضيض الفاشي الذي وصل اليه نظام الحكم في دولة الأستعمار الإسرائيلي اليوم كما وصلت الية حالة النظام النازي في المانيا بالفترة التي اشرت لها وبعدها في جنوب إفريقيا ، انها المقاربات التاريخية بين اطراف العنصرية والإرهاب المنظم رغم اختلاف التاريخ والتسميات .
إن أي قراءة موضوعية لما جرى وما زال يجري في نابلس وجنين والقدس والخليل وقراها وغيرها من المدن والمخيمات حتى اليوم ، تقود إلى الاستنتاج بأن الاحتلال الإسرائيلي الفاشي يحاول فرض إيقاع جريمة النكبة وممارساتها ومصطلحاتها على شعبنا الفلسطيني وعلى العالم من جديد .
لكنها ليست سياسة جديدة، فهذا ما شهدناه منذ جريمتي النكبة والأحتلال رغم كل الاتفاقات والوعود المكتوبة او الشفهية منها والتي لم تلتزم حكومات الاحتلال المتعاقبة بها برغم ضمانات عدد من دول مختلفة ، سوى ما تعلق منها بتسهيل تنكرها للاتفاقات أو الوعود وتكريس الأحتلال الأستيطاني طيلة الفترة الماضية . انها رؤيتهم التي لا يشكل فيها سموتريتش أو بن غفير استثناء كي توجه لهم الإدانات لوحدهم من كل حدب وصوب وكأنهم هم المسوؤلين شخصيا . انهم جزء من رؤية متكاملة لنظام عنصري استعماري يتوجب محاكمته وعقابه واسقاطه ، فكيف اذن ستلتزم دولة الأحتلال بوعود جديدة ؟ أو كيف ستضمن تلك الإمبراطورية الأمريكية المنافقة ادعائاتهم ووعودهم ؟
كانت هذه السياسة بالسابق مغطاة بكلام عن عملية سلام وهمية أو بتلك الاتفاقات التي تنكرت لها حكومات دولة الأحتلال المتعاقبة ، أما اليوم ومع صعود اليمين الديني الفاشي والأسياد المستوطنين المتماثلين مع عصابات العرق الأبيض العنصرية قبل عقود "الكو كلاس كلان" بالولايات المتحدة ، إلى السلطة في إسرائيل ، فإن الأمور انكشفت بشكل اوضح أمام العالم واتخذت وتيرة متسارعة وأكثر وحشية .
احداث تذكرنا بالمناخات التي كانت تُشيعُها العصابات الصهيونية منذ ما قبل عام ١٩٤٨ ، وفي مجازر ومحارق لم يحاسب التاريخ عليها حتى اليوم او على تشريد مليون آخر من أصحاب الأرض الأصليين ، والتي يخططون لتكرارها بمسافر يطا أو بالاغوار والقدس كما أعلن عن ذلك مؤخرا .
واضح أن حكام إسرائيل في ظل معركتهم لتحويل الأحتلال الى حالة نهائية اعتمادا على أوهامهم بإخضاع شعبنا الفلسطيني بالحديد والنار ، فإنهم يشكلون تهديدا إجراميا وخطرا داهما على الشعب الفلسطيني عامة بمن فيهم ابناء شعبنا الفلسطينين الذين بقوا قابضين على جمر الصمود في إسرائيل خاصة بعد اقرار قانون القومية العنصري "يهودية الدولة" ، وعلى مستقبل المنطقة وعلى بنية المجتمع اليهودي نفسه أيضا المنقسم على نفسه الان والذي بدء البعض منه يتحدث بوضوح خلال الأيام الماضية عن ما جرى من فظائع ومحارق في حوارة ، وعن ربط الديمقراطية بالأحتلال ، حتى أن بعضهم رفع لافتة بمقولة نكررها نحن ، " أن شعباً يضطهد شعبا آخر لا يمكن ان يكون هو نفسه حرا " ، كما ومحاولة بعضاً منهم أمس زيارة أهالي حوارة والشيخ جراح والتضامن معهم رغم اعتداء الأحتلال عليهم ، وهي اصوات رغم قلتها عادت لنسمعها اليوم بعد غياب حركة السلام الآن لسنوات طوال رغم جنوح مجتمعهم إلى اليمين الصهيوني المتطرف . انها اصوات يتوجب العمل معها ومع اليسار الحقيقي رغم قلته امثال الصديق عوفير كاسيف، لمناهضة سياسات حكومة الأحتلال والعقلية الصهيونية وعصابات المستوطنين من أجل العمل المشترك لانهاء الأحتلال والتمييز العنصري والفوقية اليهودية وتحقيق تقرير المصير لشعبنا وحرياته المسلوبة منذ ٧٥ عاما بصمت المجتمع الدولي كما واستقلاله الوطني .
أن الانقلاب ضد "النظام القضائي والديمقراطية" الذي يقوده الثلاثي نتنياهو ، بن غفير وسموتريتش يواجَه اليوم بتظاهر مئات الآلاف من الإسرائيليين ضد تنفيذه ، بصرف النظر عن اهداف أنقلابهم المعلنة ، والذي يهدف سرا إلى وضع أساس قانوني يخدم عمليتين سياسيتين قد تغيران وجه إسرائيل وطرق حياة الإسرائيليين بشكل لا رجعة فيه.
بإحداث تغييرات تم تقديمها كإصلاحات لكنها تغيّر طبيعة النظام، بل حتى تهدد وجود "الديمقراطية" التي كانوا يتشدقون بها . هذا بالضبط ما حدث في ألمانيا في مسيرة صعود وسقوط النازية .
واليوم الذين يقودون هذه "الثورة ضد النظام القضائي" في دولة الاحتلال الإسرائيلي هم نازيون جدد يريدون حماية نتنياهو من المحاكم كي يمنح هو حكومتهم الائتلافية قوة تُمكّنهم من السيطرة على كل شيء وتحقيق مشروعهم بحسم الصراع مبكراً .
ان التعديلات القانونية التي يريد هؤلاء تمريرها من جهة اخرى تهدف إلى ضم كامل المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والخط الأخضر لكيان دولة لا حدود معلنة لها ، أي كافة الأراضي المحتلة عام ٦٧ ، بشكل تدريجي وفرضه كأمر واقع كما تم بضم القدس إلى جانب زيادة الاستيطان وهدم البيوت والترحيل الجماعي والاستمرار في اقتحام المدن والمخيمات وممارسة أعمال القتل والقمع الوحشي ، كما هو حاصل حتى هذه اللحظة ، بما يتماشى مع تعاليم يهوشع بن نون و "خطة القرار" التي صاغها الفاشي سموتريتش قبل خمس سنوات .
وهو ما يُحول إسرائيل في الواقع إلى دولة فصل عنصري مكتملة الاركان ، وهي خطة مفصلة موجودة في بنود اتفاقية الائتلاف الحكومي الحالي ، الأمر الذي يضع المسمار الاخير من جانبهم في نعش حل الدولتين الذي اعدموه عندما قتلوا رابين وبداية مرحلة جديدة ، ويحسم خلافاتهم حول مفهومي الديمقراطية ويهودية الدولة
الاَن ، أن الترجمة الفعلية للطلب من المجتمع الدولي التدخل ، يأتي من خلال التوجه السريع لمجلس الأمن لطلب الحماية الدولية بغض النظر عن الموقف الأمريكي المنتظر والمتوقع . ان لشعبنا كل الحق المشروع للدفاع عن نفسه في مواجهة الحرب المفتوحة لتنفيذ المشروع الصهيوني التلمودي لحكومة الأحتلال الأستعماري وفق ما اقرته كافة المواثيق الدولية لشعب تحت الأحتلال ، وهو أمر لا يمكن وصفه باجراءات احادية الجانب كي ينطبق مع مفهوم مساواة الضحية بالجلاد وفق إجراءاتهم الأحادية الجانب كدولة إحتلال .
ان التأثر بالضغوطات الأمريكية والسير خلف سراب وعودها لن يثمر عن شيئ ، ولو كان ذلك ممكنا لأثمر منذ زمن طويل . الرأي العام العالمي بدأ اليوم يتحدث عن أفعال نازية بحق شعبنا كما في أعلاء صوته في مناهضة الأبرتهايد التي اصبحت دولة الاحتلال توصف به جهارا ، مما يسقط ادعائهم بأنهم الضحية الوحيدة ، كما أن دور الولايات المتحدة كشرطي مهيمن في هذا العالم بدء بالتراجع أمام المتغيرات الدولية الجارية .
ان الظروف ملائمة جدا الآن لمواجهة دولة الأحتلال الأستعماري والعمل على عزلها دوليا والطلب من الدول مقاطعة حكومتها ، وذلك دون الالتفات الى مواقف الإدارة الأمريكية التي لن تتبدل في الظروف الاَنية ووفق محددات علاقاتها مع دولة الأحتلال الأستعماري ، لكن من المهم استمرار احراجها وكشف زيفها ، بالتعاون مع القوى التقدمية فيها على قلتها بالوقت الحالي . تلك القوى والاحزاب اليسارية هنالك وفي كل العالم لا يجب أن نخذلها ولا يتوجب أن يكون موقفها متقدم عن موقفنا ، انهم متضامنون معنا .
دون ذلك ، سنبقى في دائرة إرهاب دولة الأحتلال وممارساتها القمعية وفق تفسيراتهم "لاخلاقية القوة" لها بحكم عقيدتهم .
ان الحقوق لا تُستجدى ولن يقدمها احد لنا على طبق من ذهب الا اذا بدأت دولة الاحتلال بسياساتها تشكل خطرا على مصالح الآخرين وتحديدا على مصالح الولايات المتحدة ، حينها يضطرون للتدخل ، أو عندما يشعر الاحتلال والمستوطنين بالكلفة العالية لاستمرار جرائمهم ، عندها يبدأون بالبحث عن حلول ومخارج .
نحن بحاجة إلى قراءة روايتنا التاريخية بتمعن وتقيم التجربة ووضع رؤية وطنية عقلانية من الكل الوطني وفق تلبية وتنفيذ دعوة الأخ الرئيس أبو مازن للحوار الوطني بشكل عاجل لرسم برنامج وخطط واضحة واعتماد أدوات لتنفيذها وصولا إلى ما نسعى له من رؤية الحركة الوطنية الفلسطينية التي يمتد تاريخ كفاحها منذ ثلاثينات القرن الماضي ، وضرورة العمل على الاسقاط العاجل لعقلية حسم الصراع مبكرا قبل فوات الأوان.
ان ما تسعى له الولايات المتحدة هو ما اشرت له بمقالات سابقة والمتعلق بتسهيل تنفيذ مشروعها حول "الشرق الأوسط الجديد " والحفاظ على دولة الأحتلال كاداة هامة وظيفية في هذا الأمر بغض النظر عن شكل الحكم القائم . لكن واضح اليوم انها ليست معنية باستمرار وجود هذا الائتلاف الحاكم اليوم الذي قد يُحرحها وقد يعطل بسياساته مخططات الولايات المتحدة خاصة في شأن اتفاقيات ابراهام ودور دولة الأحتلال المتقدم فيه ، وبالتالي فهي تسعى للأطاحة به واستبعاد التيار الصهيوني الديني وربما لإعادة غانتس واقطاب الصهيونية العلمانية اليمينية إلى أحضان نتنياهو لتمرير مشاريعها ومشاريعهم بتجاهل الحقوق الوطنية السياسية لشعبنا ،خاصة بعد النفور الكبير الحاصل في اوساط المجتمعات اليهودية بالعالم وتحديدا في بريطانيا والولايات المتحدة . أو الذهاب إلى انتخابات جديدة في ظل إمكانية تبلور فراغ دستوري ، هذا في حال عدم تفاقم الأزمة إلى شكل من الحرب الأهلية بعد تمرد قطاعات واسعة من الجيش وفئات مجتمعهم المختلفة وهروب روؤس الاموال ، أو تقسيم إسرائيل إلى دويلات كما نشرت جريدة هاَرتس أمس وفق التباين الاثني ، حيث لا تجمعهم مقومات ومفهوم شعب واحد . وفي كل الأحوال فإن مخاطر بنيوية جادة على الطريق إليهم تهدد واقع ومستقبل الحركة الصهيونية ، حيث يقول استاذ التاريخ في جامعة تل ابيب شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي ، " تقول الحقائق الأركيولوجية الدامغة على الأرض بأن إسرائيل أسست على أسطورة وأكاذيب تاريخية صنعتها الصهيونية العالمية لإحتلال فلسطين لزرع كيان غريب يملك القوة العسكرية ويخدم الغرب."