يوم المستهلك الفلسطيني وتراجع الحقوق
الخامس عشر من آذار يعود مجدّداً ليذكّرنا بيوم المستهلك الفلسطيني، وحقوق المستهلك، وسبل حماية المستهلك. يعود ليهز وعينا ويوقظنا مرة أخرى، فنحن اليوم تحت تأثير ارتفاعات الأسعار والتغوّل فيها دون حلول خلاقة.
اليوم نواجه ارتفاعات فوائد البنوك، الأمر الذي رفع أرباحها دون ارتفاعات على عوائد الودائع، وارتفاعات على فوائد القروض، وكل معاملة في البنوك مقابلها دفع مالي، ولم تستطع كل مكونات المؤسسة الرسمية إنقاذ المواطن من براثن هذا الوضع، بل كان لسان الحال يفيد: لقد ارتفعت الفائدة في كل العالم ونحن الأقل في فلسطين.
هذا الأسبوع، سيتوجه الناس للتسوّق للاستعداد لشهر رمضان ليجدوا أن الأسعار قد ارتفعت، ولسان حال المؤسسة الرسمية والتجار والموردين: هذه بورصة عالمية، ببساطة الأرز ارتفع، الزيوت النباتية، السكر، الدقيق، اللحوم، الوقود، الطاقة، المواصلات، الخبز، ماذا نفعل وقد تآكل دخلنا ولم نحقق أيّ علاوة غلاء معيشة أو غيرها، بل اقتطاعات من الرواتب، وعدم تحقيق الحد الأدنى للأجور، وتراجع القدرة الشرائية.
يوم المستهلك.. الغلاء.. تراجع القدرة الشرائية.. تراجع حلول خلاقة حكومية في مواجهة الغلاء والفقر والبطالة.. انسداد قنوات التأثير على القرار الحكومي من قبل جمعية حماية المستهلك الفلسطيني.
جمعيات المستهلك العالمية تربط يوم المستهلك بارتفاعات الأسعار العالمية، واليوم تركز على ارتفاعات أسعار الطاقة واعتبارها عبئاً على المستهلك في العالم، الأمر الذي يستدعي التحوّل باتجاه الطاقة النظيفة لتكون مستدامة، وتخفف الأعباء المالية عن الناس، وتحفظ الكون والتغيّر المناخي.
هل نستطيع؟
نعم نستطيع، وقد عملنا بجد واجتهاد منذ تأسيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني عام 2010 إلى اليوم، واستطعنا التأثير على الكثير من أسعار السلع الأساسية عبر المقاطعة، وتحويلها إلى قضية رأي عام ضاغط، من خلال تحالفات مع مؤسسات أخرى ذات مصلحة، وخرجنا إلى الشارع لنعلن رفضنا للأسعار.
استطعنا خلال وباء كوفيد-19 أن نتابع أسعار الكمامات والمعقمات والمواد الغذائية الأساسية، وتواصلنا مع كل المؤثرين على السوق وتمكنّا من ضبط الأمور، ولا ننكر أن تغوّلاً قد وقع في أسعار المعقمات والكفوف والكمامات وبعض الأدوية المرتبطة بالوباء، تابعنا مع وزارة الصحة، نقابة الصيادلة، الشركات المستوردة، والمصانع الفلسطينية، ونجحنا.
تمكنّا من تعزيز وعي المستهلك بحقوقه الأساسية، وآلية الدفاع عنها، وإسناده في طريق حمايته، وتمكينه من الدفاع عن حقوقه والانتصار لها.
ولكن انسداد قنوات التأثير على القرار الحكومي صعّب مهمتنا وعقدها، ووضع أمامها عوائق كبيرة، خصوصاً أن «حماية حقوق المستهلك» ليست ضمن أجندة السياسات الوطنية، موازنات لصالح جمعية حماية المستهلك ليست ضمن الموازنة، تطوير البنية المؤسسية للجمعية وجعلها شريكاً إستراتيجياً في صناعة القرار المتعلق بالمستهلك أمر غائب، وغالباً مزاجي.. تارة نكون، وعشرات المرات لا مكان للجمعية، الأمر يعتمد على مزاجية موظف/ة في التعامل مع الجمعيات.
ذاتياً، هناك جمعية أسست في محافظات لم تقم بالعبء المطلوب منها، وبقيت دون فعل حقيقي بالانتصار لحقوق المستهلك.
نحو مستهلك واع؟
وعي المستهلك جوهر المسألة، وتنمية ثقافة المستهلك قضية أساسية، ولكن أن يشكل المستهلك عقبة أمام إحقاق حقوقه؛ بالتقليل من أهمية العمل بهذا الاتجاه على قاعدة لا يوجد من هو معني بحماية المستهلك، أمر مدمر ويعدم الثقة بالإمكانيات والقدرات الكامنة لدى المستهلك.
الوعي سلاح فعال يمنع الاحتكارات الجماعية، والتغوّل في الأسعار، والضغط من رأس المال على صناع القرار لقبول مبرراته برفع أسعار سلع أساسية. الوعي أداة فعالة في مواجهة تضليل المعلومات بشأن البورصة العالمية وكأنها حكر على جهة دون أخرى، وهم يعلمون أن الأمر يحتاج إلى كبسة زر لمعرفة أرقام وإحصائيات الأسعار العالمية وتكاليف الشحن.
لهذا يحجب بند التوعية بحقوق المستهلك وتقويته؛ حتى يظل المستهلك يجلد نفسه بأنه لا يستطيع ولا يوجد من يستطيع، وهذا ينعكس على حالة من الانطفاء تقتل المبادرة والقدرة على الضغط والتأثير، وتثقيف المستهلكين بشأن الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على اختياراتهم.
العدالة الاجتماعية
العنوان الرئيس لحماية المستهلك هو العدالة الاجتماعية، حيث بالإمكان توحيد قوى كثيرة تحت هذا العنوان (النقابات العمالية، المرأة، النقابات المهنية)، وتلك قوى قادرة على التأثير عندما تتجمّع، ومن هنا يجب تعظيم العدالة الاجتماعية بعناصرها ومفاهيمها.
إلى أين اليوم؟
حماية المستهلك تضمن حقوق الجميع في التنمية المستدامة الشاملة، بحيث يتم تزويد صناع القرار بالعوامل الإيجابية لحماية المستهلك على أهداف التنمية المستدامة 2030، وصلتها بالمبادئ التوجيهية لحماية المستهلك.
معالجة التفاوتات المتأصلة في العلاقة بين المستهلك والمورد، مثل القدرة التفاوضية، وضمان تصرف الموردين بمسؤولية.
توطين أهداف التنمية المستدامة، وجعلها مكوناً أساسياً من مبادئ حماية المستهلك: الهدف الأول القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان. الهدف الثاني القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسنة وتعزيز الزراعة المستدامة. الهدف الثالث ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار. الهدف الرابع ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة المستدامة. والهدف الأخير ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة.