هل "ينجح" زيلينسكي بتوريط "الغرب"؟
«الغرب» في الواقع متورّط حتى أُذنيه في الحرب التي تدور على الأراضي الأوكرانية، إلّا أن مخططات فولودومير زيلينسكي أبعد من المستوى والمنسوب الراهن لهذا التورّط، وأخطر بكثير مما تبدو عليه أمور هذه الحرب.
الرئيس الأوكراني يتصرّف وكأنّ «هزيمة» روسيا باتت على الأبواب، وأن المتبقي على هذه الهزيمة الاستراتيجية لدولة عُظمى مثل روسيا هو «استكمال» التدريب على الدبابات «الغربية» الحديثة، لكي يُصار فوراً، ويتم الانتقال مباشرة إلى حصول أوكرانيا على المقاتلات «الغربية» الحديثة، وبذلك ستتحقق «المعجزة» وسيتمّ «تحرير» الأراضي الأوكرانية كلها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
في الإعلام الأوكراني الذي تديره خليّة خاصة تابعة لمكتب الرئيس الأوكراني أحاديث وتقديرات وتقارير لا «تستبعد» أن يتمّ «التفاوض» مع الجانب الروسي على قاعدة القبول الروسي المسبق، و»التعهّد» بالانسحاب من كافة الأراضي الأوكرانية لكي يتم بعد ذلك كله البحث في الترتيبات الأمنية المطلوبة برعاية دولية كاملة!
وفي «التفاصيل» يتحدث إعلام النظام الأوكراني عن هجوم مضاد، يتبعه هجوم مضاد جديد إلى أن يتمّ «تحقيق» هذه الأهداف، وإلى أن تسلّم روسيا بالواقع، و»تستسلم» له بالكامل. آخر «تقليعات» الرئيس الأوكراني هو القرار «بالصمود» في مدينة باخموت، لكي يبدأ من هناك التحول في مسار هذه الحرب نحو الرؤى التي يقدمها هذا القائد «العسكري» الكبير، الذي يمتلك الخبرة «الاستراتيجية» لخوض الحروب!
الإعلام «الغربي» الذي يعكس رأي مراكز صُنع القرار، والذي أثبتت الوقائع بأنه يكذب كما يتنفس، ويجد صعوبة بالغة بالتنفس عندما يتعلق الأمر ببعض «الاعتراف» بالواقع، ومنذ عدة شهور يطالب الرئيس الأوكراني بالتخلّي عن المدينة فوراً، والانسحاب السريع منها، لأن «الصمود» الذي يتحدث عنه هذا الرئيس هو أمر مستحيل، ولا فائدة، ولا طائل من هكذا صمود، لأنه بكلّ بساطة سيقطع الطريق عن أي خطط مستقبلية لأي هجوم مضاد، طالما تحدث عنه الإعلام الأوكراني، وتحدث عنه الإعلام «الغربي» نفسه قبل ذلك.
هناك الآن ما يكفي ويزيد من «التسريبات» التي تؤكد أن الأوساط العسكرية الأميركية، والمخابرات العسكرية البريطانية، وأجهزة استخبارات عسكرية «غربية» أخرى «نصحت» أوكرانيا بعدم التمسّك بالمدينة تفادياً للأسوأ، وتجنّباً لتبعات عسكرية خطيرة.
لكنّ الرئيس الأوكراني، والذي هو دُمية في يد «الغرب» «رفض» هذه النصائح وأخذ قراره بعدم الانسحاب، بالرغم من أن القوات الروسية أبقت منافذ كافية ومفتوحة لانسحاب القوات الأوكرانية منها.
لا يوجد لقرار الرئيس الأوكراني بـ «الصمود» سوى تفسير واحد ووحيد، هو أن «يطمح» في وضع «الغرب» أمام واقعٍ جديد، وهو «التورّط» في الحرب، أو هزيمة كبيرة لـ «الغرب» كلّه.
أو ربّما أن زيلينسكي لم يعد أمامه سوى استراتيجية المغامرة والتوريط لتفادي ــ كما يعتقد ــ الذهاب إلى مفاوضات من دون أي أوراق تفاوضية جدية أو حقيقية.
بعض الأوساط «الغربية»، وخصوصاً الأكثر والأكبر من زاوية «أزماتها» الخاصة، إضافةً إلى الأزمات الكبرى والعامّة لا تُخفي رغبتها في هذا «التورّط»، بل باتت تطالب به صراحةً وعلناً، بما في ذلك الأوساط العسكرية «المحافظة» في الولايات المتحدة نفسها، سواءً بالحديث عن «ضرورة» إمداد أوكرانيا بالمقاتلات «الغربية» الحديثة، أو نقل بعض الفرق المحمولة إلى أوروبا.
أي أن الرئيس الأوكراني «يراهن» على بعض الأوساط في «أوروبا الشرقية» السابقة، وعلى القوى اليمينية والأوساط المحافظة في أميركا وبعض بلدان «أوروبا الغربية» في تأجيج الحرب أملاً في أن يصبح «الغرب» كلّه «مضطراً» للتدخل المباشر فيها.
وقد يفتعل نظام زيلينسكي، ويقوم فعلاً بخطواتٍ عسكرية واستفزازات خطيرة، بما في ذلك الادعاءات حول استخدام القوات الروسية لأسلحة كيماوية، أو بعض الذخائر التي تحمل خطر الإشعاع النووي، أو غيرها من الاستفزازات.
ولن يتورّع نظام «كييف» عن اللجوء إلى قصف مناطق حسّاسة داخل روسيا نفسها رغبةً منه في وضع «الغرب» أمام معادلات وخيارات صعبة ومغامرة وخطرة بعد الردّ الروسي عليها.
لعبة الرئيس الأوكراني مكشوفة لروسيا، بل ومفضوحة إذا أردنا الدقّة، و»الغرب» «كلّه» ليس بوارد الوصول إلى هكذا معادلة في الظرف الحالي على الأقل، والأزمات الغربية تتفاقم يوماً بعد يوم، وآخرها أزمة الإفلاس البنكي التي يبدو أنها ستمتدّ في الأيام والأسابيع القادمة، وقد لا تتوقّف عند حدود الانهيارات لدى بعض البنوك «الغربية»، وليس مستبعداً أبداً أن تتحول إلى أزمةٍ نقدية عالمية كبيرة، ما سيصعّب على «الغرب» كلّه أن ينجرّ إلى مغامرة الرئيس الأوكراني.
من سوء حظ الرئيس الأوكراني أن العقوبات المجنونة على روسيا قد فشلت، وأن القنبلة المالية «الغربية» التي تحدث عنها «الغرب» «مبكراً»، والتي تتمثل بنظام «السوفت» قد أدّت إلى عكس أهدافها، لأن التبادل التجاري بين روسيا والصين من جهة، والبلدان الكبيرة والصاعدة من جهةٍ أخرى بات ممكناً بالعملات الوطنية، والاحتجاجات والإضرابات أصبحت تقوّض وتحدّ من قدرة النظام المصرفي «الغربي» على «التحكم» بالسيولة العالمية، واحتياطات الذهب «الغربية» لا تتفوّق كثيراً على الاحتياطات الروسية والصينية والأخرى، ولم تنجح، ولن تنجح على ما يبدو سياسات العقوبات على الدول التي تساعد أو تتعامل مع الاقتصادين الصيني والروسي، وليس واضحاً كيف يمكن أن تنجح هكذا سياسات طائشة؟
وإذا ربطنا ذلك كلّه بما يُقال حول أن القوات الأوكرانية تتكبّد خسائر بشرية بالآلاف، وأن قدرتها على التعبئة العامّة لجلب المزيد من هذه القوات إلى جبهات القتال باتت محدودة، وأن «قوات النخبة» لديها قد تم تحييدها، حيث تقول بعض الأوساط الصحافية «الغربية» إن عدد جرحى القوات الأوكرانية قد تجاوز الـ (400,000)، وعدد قتلى هذه القوات بعشرات الآلاف.. إذا ربطنا ذلك كله بـ «الخطط» التي يُعدّها الرئيس الأوكراني لتأجيج الحرب، فمن السهل الاستنتاج بأن الهدف هو التوريط المباشر لـ «الغرب» فيها.
يُروى عن أن الداهية والثعلب هنري كيسنجر كان قد حذّر من «إلحاق» الهزيمة بــِ روسيا، [وكأنّ هزيمة روسيا هي في متناول اليد]، ويُروى، أيضاً، أن «الغرب» لم يعد يتحدث في الغرف الداخلية لصنع القرار عن هزيمة روسيا الاستراتيجية، وإنّما عن منع الانتصار الروسي الواضح أو الكاسح، لكي يتحول الأمر الآن إلى عدم السماح بهزيمة أوكرانيا.
زيلينسكي يعرف ما يدور في هذه الغرف المغلقة، ويُعوّل في وضع خططه على ما يدور فيها، وهو يضع «الغرب» كلّه أمام معادلة صعبة قد يكون أحد خياراتها هو «التضحية» بالرئيس الأوكراني نفسه.