يلا نحكي: فهم سياق الاحتجاجات اليهودية
تثير الاحتجاجات القائمة في المجتمع اليهودي العديد من النقاشات الفلسطينية حول طبيعتها واتجاهها ومكانتها وتأثيرها على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ خاصة أن البعض يربط حدة العنف الممارس من قبل سلطات الاحتلال لتغير اتجاه الاحتجاجات الإسرائيلية في المجتمع اليهودي أو الحد منها على الأقل في إطار مواجهة الأخطار الخارجية.
لم تكن الاحتجاجات القائمة اليوم تتعلق بطبيعة النظام السياسي في إسرائيل ما بين رغبة الائتلاف الحكومي الحالي بهيمنة السلطة التنفيذية "الحكومة" على الحكم وبين رغبة المعارضين الإبقاء على وجود المكابح بين مركبات الحكم " السلطة تحد السلطة" إعمالاً لمبدأ فصل السلطات أي الإبقاء على قدرة السلطة القضائية على الحد من سيطرة الحكومة والائتلاف الحاكم المهيمن في الكنيست على مقتضيات الحكم لحماية حقوق الإنسان ولضمان العدالة الأساس في المصلحة العامة فقط، بل أعمق من ذلك؛ فهي تتويج لصراع مركب داخل المجتمع اليهودي ذاته حول؛ هوية المجتمع اليهودي بين العلمانيين والمتدينين أولاً، وطبيعة المجتمع اليهودي بين اليهود الغربيين "الاشكناز" واليهود الشرقيين "السفارديم" المتعلقة بالقيم وطريقة العيش والوصول للسلطة ثانياً.
وبين مركبات المجتمع اليهودي والأعباء المعيشية التي تتحملها أو الامتيازات التي يحصلون عليها؛ فالمستوطنون في الأراضي الفلسطينية المحتلة يحصلون على امتيازات وإعفاءات من الدولة على حساب اليهود الذي يسكنون في حدود إسرائيل المعترف بها دوليا ثالثاً، وبين العلمانيين الذين يشاركون في الخدمة العسكرية الإجبارية وبين الحريديم الذين لا يشاركون في الخدمة العسكرية رابعاً، وبين أحزاب المستوطنين الدينية القومية "الفاشية" المتمردة على مؤسسات الدولة العميقة وبين الأحزاب الليبرالية المنبثقة عنها بالأساس خامساً، وبين المستوطنين الداعمين للاستعمار مقابل المؤيدين لحل سياسي قائم على أساس خيار حل الدولتين سادساً.
هذه العوامل المتعددة والمتداخلة عرقياً وثقافياً وأيديولوجياً، بما في ذلك بين المهتمين بصورة إسرائيل ككيان ديمقراطي أمام المجتمع الغربي وبين الذين يرون أن إسرائيل كيان شرق أوسطي، تجعل من الأمر أكثر صعوبة في فهم حدود التدخل أو استثمار الحالة لناحية تسليط الضوء أكثر على مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتعميق الاتجاه الرافض للاستيطان وجرائم المستوطنين، وتخليق حركة إسرائيلية احتجاجية على خطر الاستيطان والمستوطنين ليس فقط على الفلسطينيين بل على أركان الدولة الإسرائيلية وطبيعتها، الاستيطان وتحميل أعباء تكلفته على الإسرائيليين، ومدى خطر وجود أحزاب المستوطنين في الحكومة لناحية توجيه أموال الدولة لتنفيذ مخططاتهم المعلن عنها في حملتهم الانتخابية، وكذلك على صورتها أمام المجتمع الدولي.