الأزمة المالية للسلطة: حصار اقتصادي.. وخلل إداري وهيكلي
كتب رئيس تحرير صدى نيوز: لا يُنكر عاقل حجم الحصار المالي الذي تواجهه السلطة والحكومة الفلسطينية، تجفيف لمنابع الدعم الخارجي حتى لامس عتبة الصفر، اقتطاعات من أموال المقاصة التي تعتبر المصدر الرئيسي بل والأوحد لتمويل الحكومة والرواتب والمشاريع، كذلك لا ينكر كل صاحب عقل حجم التحديات التي تواجه الحكومة في سبيل "تسليك" أمور مؤسسات السلطة الفلسطينية والموظفين والاستحقاقات، لكن هناك زاوية لا تزال مظلمة، لم يُلق لها بالاً، ولم يسلط عليها الضوء كثيراً، وهي سبب يكاد يكون رئيسياً للأزمة التي نحن فيها اليوم، والتي هي نتاج حكومات متعاقبة، وواجب على الحكومة الحالية البدء بالإصلاح فيما تراكم سابقاً.
الأزمة التي تناسيناها هي أزمة من صنع أيدينا، "منا وفينا"، هي الترهل الإداري والخلل الهيكلي في مؤسساتنا ووزاراتنا، هي التكاليف غير المجدية، والتي لا داعي لها أبداً، هي جيش الموظفين غير الفاعلين، والسفارات والهيئات الحكومية التي يجب أن تُقلّص حتى نخرج من عنق الزجاجة، والسيارات وكوبونات البنزين وغيرها من أمور "الرفاهية" التي لا تلزمنا في ظل وضعنا الحالي.
لم تعُد الأزمة المالية التي تواجه الحكومة مقتصرة على الرواتب، بل أحدثت خللاً أعمق، الإضرابات، والحراكات التي إن وجدت نفسها مهمشة ودون استحقاقات فإن سقف مطالبها سيتجاوز السقف الحالي.
الآن، أمام الفلسطينيين طريقان فقط: إما تقديم تنازلات تمس جوهر الجوهر في القضية الفلسطينية، أو ان يسلكوا الطريق الأصعب وهو طريق الإصلاح والبناء المؤسساتي، والطريقان تؤديان إلى إنهاء الأزمة المالية، الأولى أسهل وفعاليتها أقصر، والثانية أصعب وفعاليتها ستدوم لعقود.
لن يختار الفلسطينيون طريق تل أبيب إنهاء أزمتهم، إذن، فالحل الوحيد الآن هو طريق الإصلاح والبناء.
من القضايا الكبيرة والتي يجب معالجتها عدد الوزارات والمؤسسات وأعداد الموظفين العاملين فيها، فلماذا لا يتم دمج بعض الوزارات وإحالة الموظفين الزائدين عن الحاجة للتقاعد؟ لماذا تستمر الحكومة بدفع رواتب موظفي قطاع غزة منذ 16 عاما دون تفعيلهم أو الاستفادة من عملهم؟ فإحالتهم للتقاعد تعالج جزءاً من الأزمة المالية، خاصة وأن معظم الضرائب في قطاع غزة تجبيها حكومة الظل التابعة لحركة حماس.
مصاريف بعض السفارات، أليست بحاجة لإعادة تقييم من حيث فاعليتها ودورها وإغلاق بعضها أو تخفيف الموظفين فيها؟ لماذا لا يتم دمج سفارات لمجموعة دول متلاصقة بسفارة واحدة؟ هل يعقل أن تكون سفارة منفصلة وسفير منفصل وطاقم منفصل في الدول الاسكندنافية؟ لماذا لا يتم توحيدهم بسفارة واحدة؟ صرف السيارات والوقود أليس بحاجة لإعادة تقييم ودراسة ومن ثم خفض التكاليف؟ أليس من الضروري إعادة تقييم امتيازات المراتب العليا من مياه وكهرباء وأجور منازل ووقود؟ أليس من الضروري إعادة النظر بقضية تعيين المستشارين الذين لا يستشارون أبداً؟ أليس من الضروري إعادة النظر بتكاليف المهمات والسفريات للمسؤولين والموظفين؟ لماذا لا يكلف ببعض المهام من هم أصلا موجودين في السفارات بالخارج دون الحاجة لجيوش الموظفين من كافة الوزارات والهيئات التي تذهب للمشاركة في مؤتمرات لا تسمن ولا تغني من جوع.
أعداد وموازنات الأجهزة الأمنية والتي باتت مهامها محدودة في ظل الاقتحامات المتكررة للاحتلال الإسرائيلي وتنصله من الاتفاقيات وانحسار الوصول لحل نهائي يضفي لدولة، أليست بحاجة لمراجعة وتقييم، جهاز الشرطة الفلسطينية يعُج بالرتب العالية ويفتقر لعناصره بالشارع، مثال بسيط وليس وحيداً.
أليس من الضروري معالجة فواتير كهرباء ومياه المخيمات دون النظر لقدرة أصحابها على الدفع وبعضهم يُشغل مصانع ويستخدم مدافئ كهربائية طوال فصل الشتاء دون دفع أي قرش.
هناك العديد من الهيئات الحكومية التي يمكن دمجها بالوزارت وبعضها يمكن الاستغناء عنها، ما الفائدة من إنشاء بنك الاستقلال الحكومي؟ ما الفائدة من وجود هيئة توجيه سياسي ومقرات لها ونثريات وموظفين وسفريات؟ ولا يعني ذلك إلغاؤها، لكن يمكن أن يتم دمجها بالأجهزة الأمنية بحيث لا ترهق موازنتها الحكومة بمصاريف مالية ضخمة، وما الحكمة من وجود اللجنة الوطنية للثقافة؟ يمكن دمجها بوزارة الثقافة.... الخ.
إن من أهم أسباب الأزمة المالية بعد الاقتطاع من المقاصة هو الخلل الإداري الضخم في مؤسساتنا، ويمكن معالجة أكثر من نصف هذا الخلل فقط بأعادة هيكلة وتقليص مؤسسات وهيئات ووزارات كثيرة تتبع للسلطة الفلسطينية وحكومتها.
الأزمة المالية لاتحل مالياً فقط، هي أزمة خلل في هيلكية مؤسسات السلطة.