إسرائيل المسؤول الحَصْري عن الفشل
حين يجري الحديث عن فشل اجتماعات "العقبة" و"شرم الشيخ"، فإن ذلك من وجهة نظري لا ينطوي على رفض أو إدانة لمشاركة السلطة الوطنية في هذه الاجتماعات، كما أنه لا ينطوي على تشكيك بمواقف الأشقاء في مصر والأردن.
لا ينبغي على الفلسطينيين أن ينشغلوا بموضوع مشاركة السلطة ولا ينبغي لذلك أن يؤجّج التناقضات الداخلية، ذلك أن السلطة صاحبة رؤية وقناعة، بشأن الحاجة للتهدئة، وبشأن وسائل المقاومة، بالإضافة إلى أنها لا تستطيع حتى إذا أرادت أن ترفض الاستجابة لمثل هذه الاجتماعات أو أن تدير ظهرها للموقفين المصري والأردني.
فضلاً عن ذلك فإن من يتخوّف من مشاركة السلطة، وقبولها بالآليات التي أقرها المجتمعون وذلك لأسبابٍ كثيرة على رأسها وأهمّها، أن إسرائيل هي المسؤولة عن التصعيد وهي لا تستطيع ضبط سلوكها أو سلوك المستوطنين وبعض وزرائها.
ما تقوم به إسرائيل في ظل الحكومة العنصرية الفاشية، لا ينتمي إلى السلوك والسياسات التكتيكية، وإنّما هو في صُلب استراتيجيتها وأهدافها، ولذلك فإن هذه السياسات هي المسؤولة عن التصعيد وهي المسؤولة حصرياً عن فشل هذه الاجتماعات.
بعد اجتماع "العقبة" صرّح إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، بأن ما تمّ اتخاذه من قرارات في "العقبة" ظلّ في "العقبة"، وبينما لم ينته الاجتماع كانت قطعان المستوطنين ترتكب مجزرة في حوّارة.
ولاحقاً، صرّح سموتريتش وزير المالية بأنه ينبغي محو حوّارة عن الوجود، ولاحقاً سمعنا تصريحات مشابهة من بعض أعضاء الكنيست، يطالبون بمحو حوّارة، الآن.
في اجتماع "شرم الشيخ"، تضمّنت المخرجات أبعاداً أو دعنا نقُل نكهة سياسية، لكن المخرجات السياسية، تعكس فقط مواقف الأطراف الأخرى المشاركة ما عدا إسرائيل.
في مجال التوقعات فإن المخرجات الأمنية هي جوهر تلك الاجتماعات ذلك أن أحداً لا يصدّق بأن الحكومة العنصرية الفاشية، بصدد تغيير قناعاتها التي ترفض أي مسار سياسي، كما أن الولايات المتحدة لا تعتزم استغلال نفوذها على إسرائيل لإرغامها على فتح المسار السياسي التفاوضي، نحو حلٍّ يقوم على تحقيق "رؤية الدولتين".
بعد ساعات من اجتماع "شرم الشيخ"، صرح سموتريتش بأنه لا يوجد شعب فلسطيني، وقدم خارطة تنطوي على تهديد للحدود مع الأردن، ما استدعى ردود فعلٍ إقليمية ودولية واسعة، تدين ما ذهب إليه سموتريتش، وترى فيه انتهاكاً فظّاً للواقع، وللقانون الدولي.
يصمت بنيامين نتنياهو، وتصمت حكومته إزاء ما يقوم به الثنائي بن غفير وسموتريتش، ما يعني في حدّه الأدنى عدم قدرة نتنياهو على السيطرة على حكومته، إن لم يكن ذلك تعبيراً عن قناعاته هو الآخر.
الإدارة الأميركية تقع في دائرة حرجٍ شديد إزاء ما يصدر في إسرائيل من قرارات وما تقوم به من ممارسات، فهي الحليف الدائم والأساسي لإسرائيل، وهي التي تشرف على الاجتماعات في "العقبة" و"شرم الشيخ"، وهي التي لا ترغب في انفجار الأوضاع في هذه المنطقة الحسّاسة.
تظهر الإدارة الأميركية بأنها عاجزة عن إقناع حكومة نتنياهو، لكبح جماح التطرُّف، وضبط سلوكها العنصري المغامر الذي قد يورّط الولايات المتحدة، في معارك وصراعات، هي في غنى عنها في ضوء انشغالها وتركيزها على ما تسميه التهديد الصيني والروسي، والحرب في أوكرانيا.
وإذا كان من غير الممكن لأي متابع أن يتجاهل استمرار التصعيد الإسرائيلي الميداني، من اقتحام المدن والقرى والمخيمات والأحياء، إلى الاغتيال الميداني والاعتقالات واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، فإن البعد التشريعي في الكنيست يؤكد الطابع العنصري للحكومة، ويشكّل عامل تصعيدٍ دائما للأوضاع.
الكنيست الإسرائيلي أصدر قراراً بالقراءات الثلاث، يلغي بعض جوانب قانون فك الارتباط لعام 2005، ويسمح بعودة المستوطنين إلى أربع بؤر استيطانية، كانت تعتبر غير شرعية.
هذا القرار أحدث ردّة فعلٍ غير مسبوقة من قبل الإدارة الأميركية، حيث صدر بيان شديد اللهجة ليس فقط لأنه يشكل انتهاكاً لالتزامات قدّمتها الحكومة الإسرائيلية قبل عشرين عاماً، وتكرّر ذلك، في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، ولكن، أيضاً، لأنه يتعارض مع الالتزام الذي وافقت عليه خلال اجتماع "شرم الشيخ" بمنع التصعيد.
ثمة مشروع قانون آخر، مقدّم للكنيست يقضي بحبس لمدة ثلاث سنوات، لكل من يتحدث عن الدين المسيحي ويدعو له.
ومع أن هذا المشروع الذي لم يقر بعد فإنه لم يحظ باهتمام دولي حتى الآن، ويفترض أنه يشكل استفزازاً قوياً لملايين المسيحيين عبر العالم، إلّا أنه يُضاف إلى سلسلة القوانين التي تؤكد على الطابع العنصري لدولة إسرائيل.
يستدعي هذا البعد العنصري من منظمة العفو الدولية، مطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بواقع الفصل العنصري الإسرائيلي، لكن استجابة المجتمع الدولي الرسمي، بمعنى مواقف الدول، لم تتحرك في هذا الاتجاه.
من الواضح أن الإدارة الأميركية التي لم تتوقف عن مطالبة نتنياهو بالتراجع عن انقلابها الديمقراطي، قد بدأت تضيق ذرعاً بسياسة الحكومة الإسرائيلية، وأنها بالإضافة إلى رفضها استقبال نتنياهو في البيت الأبيض، لم تعد قادرة على المجاملة وغض الطرف عمّا تقوم به الحكومة العنصرية الفاشية، ومن الواضح أن اللهجة الأميركية إزاء ما تقوم به إسرائيل بدأت تؤشّر إلى وجود أزمةٍ في العلاقات.
إسرائيل تواجه أزمة داخلية عميقة، حيث بدأت حُمّى التمرّد تتسلّل إلى الجيش بمختلف قطاعاته بما في ذلك طيّارو الاحتياط، وتوسّع دائرة الاحتجاجات، فضلاً عن تأثيراتها السلبية على الاقتصاد والاستثمار، ما دفع وزير الجيش يؤاف غالانت، لأن يطالب بوقف التحرك أُحادي الجانب في الإجراءات القضائية وإلّا فإنه سيستقيل من منصبه كوزير جيش.
تتفاقم الأزمة الداخلية، وتتصاعد المخاوف من اندلاع حربٍ أهلية بموازاة أزمة في علاقات إسرائيل، مع "دول التطبيع"، ومع المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة. لكن نتنياهو لا يملك حلولاً سحرية لمعالجة مثل هذه الأزمات، ويبدو أنه لم يعد قادراً على التراجع.
في ضوء ذلك، يترتّب على الفلسطينيين أن يتحلُّوا بالحكمة السياسية، بأن يمتنعوا عن القيام بأيّ مغامرات، لا من قطاع غزة ولا في أراضي العام 1948، حتى لا يجد نتنياهو المبرّرات التي يتهرّب من خلالها بمسؤولية حكومته عن التصعيد، أو أن يجدّ في ذلك فرصة لتبرير الصراعات الداخلية، وإلى أن يقتنع الجميع أنه لا مجال لوضع الجلّاد والضحيّة في سلّة واحدة.