جنى على نفسه «سموتريتش»
يواصل الإسرائيليون التظاهرات في شتى الأماكن والاحتجاج على الخطوات التشريعية نحو تفعيل التغييرات القضائية التي اقترحتها الحكومة الائتلافية اليمينية المتشددة برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتثير إدانة من شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي، حتى أن بعض الدول الغربية أعلنت عن قلقها بهذا الصدد، الأمر الذي أثار احتجاجات غير مسبوقة مناهضة للحكومة.
بوصف بسيط لهذا الصراع تضغط حكومة الاحتلال من أجل إجراء تغييرات من شأنها أن تحد من سلطات المحكمة العليا للحكم ضد الهيئة التشريعية والسلطة التنفيذية، ما يمنح البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) سلطة تجاوز قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة تبلغ 61 صوتاً من أصل 120 صوتاً.
أيضاً نزع سلطة المحكمة العليا في مراجعة شرعية القوانين الأساسية لإسرائيل، التي تعمل كدستور للدولة. ويخشى المحتجون أن تؤدي الإصلاحات القانونية إلى تقليص الضوابط والتوازنات داخل الدولة. ستغير ما تم تسميته «بالإصلاحات» أيضًا كيفية اختيار قضاة المحكمة العليا، ما يمنح السياسيين سلطات حاسمة في تعيين القضاة. تتطلب الهيئة المستقلة لاختيار القضاة حالياً من السياسيين والقضاة الذين يجلسون عليها الاتفاق على التعيينات. الاقتراح الحالي من شأنه أن يغير ذلك، ما يمنح الحكومة نفوذاً أكبر بكثير. سيُضعف «الإصلاح» المحكمة العليا ويمنح الكنيست الذي يهيمن عليه نتنياهو سيطرة فعالة على التعيينات القضائية.
ويخشى منتقدون أن نتنياهو يريد الاستفادة من الضغط القضائي لتجميد أو إلغاء محاكمته، يقول المعارضون إن الاقتراح سيدفع إسرائيل نحو نظام مثل المجر وبولندا يسيطر فيه الزعيم على جميع أدوات السلطة الرئيسية. وتقول المعارضة أيضاً إن حلفاء نتنياهو الوطنيين يريدون إضعاف المحكمة العليا لإقامة المزيد من المستوطنات على أراض نسعى لإقامة دولتنا عليها.
أين نحن كفلسطينيين من كل ذلك؟
امتنع المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل _الذين يشكلون 20 في المائة من السكان_ إلى حد كبير عن الانضمام إلى الاحتجاجات. في حين أنهم غالبًا ما يكونون أول من يتحمل العبء الأكبر من السياسات اليمينية، إلا أن الكثير منهم لا يشعرون باهتمام كبير في النظام الإسرائيلي الذي يوفر رسميًا حقوقًا أكبر لمواطنيها اليهود. كما أن الغائب الواضح عن الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية كان موضوع الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
الائتلاف الحاكم - الذي تهيمن عليه حركة المستوطنين - جعل تسريع وتوسيع هذه السياسات إحدى أولوياته القصوى. وقد أعل عن المزيد من الوحدات الاستيطانية غير القانونية في الشهرين الأولين من هذا العام عما كانت عليه في العامين الماضيين مجتمعين. أثار قرار تقديم 10 آلاف وحدة استيطانية جديدة وإضفاء الشرعية بأثر رجعي على تسع بؤر استيطانية غير مصرح بها تحذيرًا نادرًا من أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بما في ذلك الولايات المتحدة. ومن المقرر أن تعلن الحكومة الإسرائيلية، دون رادع، الإعلان عن آلاف الوحدات الاستيطانية الإضافية .
كما يتخذ الائتلاف اليميني المتطرف نهجًا أكثر تشددًا تجاه الفلسطينيين أنفسهم، حيث يوسع الأساس القانوني لإلغاء الجنسية أو الإقامة الدائمة للمدانين بانتهاك الولاء و»الإرهاب». الأكثر عرضة للخطر هم المواطنون الفلسطينيون في القدس الشرقية المحتلة.
كل ما سبق يبرهن إلى تفكك أوسع لبقايا عملية السلام وموت أوسلو. في حين أن هناك عوامل محلية تلعب دورها، فإن هذا في نهاية المطاف هو تتويج لعقود من سياسة الاستيطان الإسرائيلية المصممة لعرقلة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. يهدد وصول حكومة إسرائيلية أكثر تطرفاً الآن بإعلان حالة وفاة أوسلو دولياً.
حتى الآن، كانت الحكومات الأوروبية مترددة في معالجة عواقب الإجراءات الإسرائيلية مباشرة، ناهيك عن محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي. لطالما عارضت دول مثل ألمانيا والمملكة المتحدة لجوء القيادة الفلسطينية إلى الآليات القانونية الدولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
المخاوف الأوروبية بشأن مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية قد تفرض لحظة حساب مع الحكومة الإسرائيلية؛ لكن أي رد فعال يجب أن يعترف بأن التراجع الديمقراطي الحالي في إسرائيل هو نتيجة طبيعية للسياسات غير الليبرالية المتبعة ضد الفلسطينيين منذ عقود.
إذا تُركت حركة المستوطنين دون منازع، فسوف تستمر في الهيمنة على السياسة الإسرائيلية. إذا كانت أوروبا والعالم يرغبون حقًا في عكس اتجاه إسرائيل غير الليبرالي، فعليها أيضًا معالجة جذورها الاستيطانية في أراضينا المحتلة!